2021/10/03

مشاهد من ٢٠٠٧م و ٢٠٢١م

 مشاهد من ٢٠٠٧م و ٢٠٢١م


كل هذه المشاهد من أمطار وأودية ومجازفات لعبورها تذكرني بعام ٢٠٠٧ للميلاد، عندما أعلنت الجهات المعنية أن إعصارا سيمر بالسلطنة وقد سُمي *جونو*. كنا حديثي عهد بالأعاصير، فلم يمر علينا إعصار قبلها ولكن سمعنا عنها وقرأنا أيضا عن أعاصير تضرب الهند وأمريكا وغيرها من الدول.


اسئلة واستفهامات كثيرة، كيف سيكون، بل ماهي الأضرار المحتملة، ضج الناس كلهم بالدعاء لأن ينجي الله عمان وأهلها من شر جونو وغير جونو. لكن هيهات، فالأمر قد حُسم، وجونو يقترب رويدا رويدا من بلانا الغالية.


خرج البعض من منازلهم والتي كانت قريبة من البحر أو مجاري الأودية دونما أمرٍ بالإخلاء وكنا منهم، وجازف البعض الآخر بأن بقي في منزله، حتى خرج من خرج منهم عندما لم يكن لديه خيار آخر، فكان مكرها لا بطلا.


كنت حينها في الصف ال١١ أو الثاني الثانوي بالمسمى القديم، وأتذكر إن لم تخني ذاكرتي الضبابية بأننا كنا قد إنتهينا من أربعة امتحانات من امتحانات نهاية الفصل الثاني وبقيت ثلاثة، خرجنا من منزلنا وأخذنا معنا كل غالٍ ونفيس وما تمكنا من إخراجه، ويممنا شطرنا نحو مكان بعيد عن البحر أو الوادي، وكان كل همي هو الامتحانات ليس إلا.


لن أتحدث كثيرا عما حدث، فالذاكرة الضبابية لا تسعفني أبدا، ولكنها كانت أياما ثقيلة جدا، كنا جميعا حينها جالسين أمام شاشات التلفاز على قناة سلطنة عمان، نتابع الأحداث أولا بأول، الأثار الناتجة، السيارات المكسورة، الأودية الجارفة، الأرواح والإصابات، كل شيء على مدار الساعة، ولم نكن نعلم متى نعود إلى منزلنا.


حتى ما إذا سكنت الرياح وخفت الأمطار، وأُعلن عن نهاية الأنواء المناخية، خرجنا من مخبئنا ومأوانا، نظرنا حولنا وإذا الوضع غير الوضع الذي كان قبل *جونو*، لكنه أشعلنا حماسا، فقد هب الجميع بدون اسثناء صغارا وكبارا، جيشا وشرطة ومدنيين، مواطنين ومقيمين من أجل إصلاح وإنقاذ ما يمكن إنقاذه في تكاتف مبهر ورائع أخرج المعدن الحقيقي والصلب لمن سكن هذه الأرض الطيبة.


لا أزال كلما شاهدت الصور من هنا وهناك أتذكر تلكم الأيام، ولقد مرت علينا أعاصير وأنواء مناخية أخرى مثل فيت وميكونو والآن #شاهين إلا أن جميعها تنحني أمام هذه الأرض وصلابة وقوة وعزيمة من سكن عليها.


٣/أكتوبر/٢٠٢١م

عند مرور إعصار شاهين على أرض السلطنة

د. رضا عيسى اللواتي

2021/09/24

ملحمة الطف الخالدة

ملحمة الطف الخالدة

ملحمة الإمام الحسين عليه السلام في سنة ٦١ للهجرة لم تكن مجرد حرب بين فئتين غير متكافئتين، أو صراعا بين قبيلتين، أو معارضة سياسية أو كما يُروج البعض بأن الإمام الحسين عليه السلام كان يريد السلطة السياسية.

كانت هذه الملحمة منذ بدايتها وأعني بذلك منذ أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله عنها منذ ولادة الإمام الحسين بن علي عليه السلام في سنة ٣ للهجرة. هي حركة قيام وثورة - سمها ما شئت - حركة تغيير للأمة الإسلامية مرتبطة بالدين نفسه ولولا ذلك لما أخبر النبي صلى الله عليه وآله عنها!

فلمَ يتحدث النبي صلى الله عليه وآله منذ ولادة الإمام الحسين عليه السلام عند قضية مقتله في كربلاء ويذكر على ذلك علامات ودلالات! بل لم يفوت النبي صلى الله عليه وآله أي فرصة دون الحديث عن هذا الأمر.

حتى إذا ما شارفت سنة ٦٠ للهجرة النبوية على الانتهاء، حمل الحسين عليه السلام أهله وعياله وبعض أصحابه وأنصاره واتجه إلى مكة المكرمة وأعلنها مدوية أنه يقف في وجه الظلم ووجه تغيير الدين، في وجه كل طاغية متجبر حتى قال ليكون مثالا لكل أحرار العالم: "ومثلي لا يبايع مثله".

ولما أن خرج يوم التروية من مكة المكرمة حيث يفد الحجيج إليها، أعلن لكل العالم أجمع أنه لو استمرت تلكم الطريقة فلن يكون لحجكم أو صلاتكم أو صيامكم أي معنى بل ستكون مجرد حركات تقومون بها، وتوجه إلى بيته الأبدي كربلاء.

ولما أن صار يوم عاشوراء، كان كل شيء ينظر لهؤلاء النفر الأبيض منهم والأسود، الحر والعبد، المسلم والنصراني، الصغير والكبير، الطفل والشاب والشيخ، الرجل والمرأة، ٧٠ رجلا وعدد من النساء والأطفال يقودهم الإيمان والإسلام المحمدي كله متمثلا في الحسين بن علي عليه السلام ضد كل الشر والكفر والنفاق والإسلام المنحرف.

نعم، لقد كان خط الإسلام المحمدي العلوي في وجه الإسلام المنحرف، إسلام هوى النفس، إسلام الطغاة، ودليل ذلك أنه عليه السلام أوقف الحرب حتى يصلي هو وأنصاره في أول وقت الصلاة كما كان أبوه أمير المؤمنين عليه السلام يفعل ففي ليلة الهرير عندما قام للصلاة وسأله الناس هل هذا وقت الصلاة أجاب علام نقاتلهم؟. نعم لقد حارب الحسين عليه السلام تلك الفئة من أجل إقامة ما اعوج من الإسلام. 

لقد تجسدت في تلكم السويعات، كل أنواع الإيمان والتضحية والفداء والبذل والحهاد في سبيل الله من كل من كان في معسكر الحسين عليه السلام، ضحى الموجودون في ذلك المعسكر من أجل أن يبقى الإسلام الذي جاء به رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ليبقى هذا الخط مرسوما ممتدا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

كانت ملحمة العشق، والذوبان في حب الله تعالى، وتصديقا لرسوله المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإيمانا ويقينا بالقائد الحسين بن علي عليه السلام، حتى قال قائلهم: "أكلتني السباع حيا إن أنا تركتك" وقال أصحابه وفدائيوه وأهله مثل هذه المقولات العظام ما قالوا.

لقد تركت لنا كربلاء نموذجا واقعيا لكل الصفات الحميدة والخصال الحسنة، وأبقت لنا كربلاء وأبقى لنا ظهر عاشوراء خط الإسلام المحمدي الأصيل، ووصل إلينا خاليا من الشوائب ونقيا طاهرا، ولولا ذلك لكنا الآن لا نعلم من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه.


2020/03/12

ودخلتها بلباس آخر


ودخلتها بلباس آخر



كل ذكرياتي في أروقة المستشفى هي من صميم عملي، ما بين طبيب مناوب في أقسام الطب الباطني، أو طبيب يمر على مرضاه متأملا سرعة شفاءهم وتداويهم من المرض. وفي كل مرة هناك قصة مفرحة أو حزينة تنحفر في طيات القلب والعقل، فلا تغادره أبدا. ما أكتبه وأدونه هو جزء يسير جدا مما ينغرس في الأعماق، فلكل مريض حكاية مختلفة عن الآخر.

أن أكون بلباس المريض، فتلك حكاية أخرى، خصوصا إن كانت الحكاية في المستشفى الذي أعمل فيه. تجربة جديدة تضاف إلى قائمة تجاربي السابقة بل ربما أصعبها على نفسي، فالمريض هو أنا، والمرافقون هم أهلي، والأطباء هم زملائي وأساتذتي. والتشخيص لا يصدر مني، بل من زميل لي. هل أنا على أتم الاستعداد لخوض غمار هذه الحكاية؟ وهل أستطيع الصمود حتى نهايتها؟ فلست أنا من يحدد مسيرة العلاج، ولست بالذي يأمر وينهى وينصح ويفعل! فأنا في هذه المرة مَن عليه السمع والطاعة والإذعان لما يقوله الطبيب الذي هو بكل حال في هذه المرة الأكثر خبرة والأمهر والأفضل.

قصتي امتد صفحاتها إلى ثلاثة أو أربعة أيام، تزيد أو تنقص بضع ساعات. رأيت فيها ما يرى المريض، وأحسست لأول مرة بشعور المرض، وأيقنت بأن المريض حينما يأتي إلى قسم الطوارئ فإنه يتضور جوعا إلى العلاج الشافي، ويكون عاطشا ينتظر شربة من الدواء أو مسكنا للألم.

الساعة الآن تشير إلى الثالثة فجرا، وبعد أن أخذ طبيب الطوارئ التاريخ المرضي بشكل مختصر، وقام بعمل فحص سريري، خرجت نتائج فحص الدم مشيرة إلى ارتفاع طفيف في كريات الدم البيضاء، فأخبرني بأنه سيقوم بطلب الأشعة المقطعية على عجل فإنه يظن بأن ما بي هو الزائدة الدودية. ولكني بحكم عملي وخبرتي البسيطة في هذا المجال كنت أنكر ذلك، ولأننا تعودنا ومنذ نعومة أظفارنا في كلية الطب بأن نضع قائمة لبعض التشخيصات، فقد وضعت أسوأها كاحتمال أول لما أعانيه. ربما لأن المريض هو أنا وليس شخصا أخر.

لأول مرة أشرب الصبغة الملونة التي تستخدم في الأشعة المقطعية، وكم من المرات طلبت من المرضى الذين أعاينهم أن يشربوها دون أن أعرف لها طعما أو لونا أو رائحة. بعد مدة وجيزة ذهبت إلى قسم الأشعة. والطريف في الأمر أن الفني في قسم الأشعة كان يعرفني، فسألني مباغتا، هل جربت من قبل أن تخضع للأشعة المقطعية، فأجبته نافيا. فكانت أول مرة أجرب فيها الأشعة المقطعة واستشعر فيها شعور المريض الضعيف الذي يأتي إلى هذا القسم ملبيا توجيهات ونصائح الطبيب.
وبعد ساعة يأتي إلي طبيب الطوارئ ليسألني عن حالتي الصحية ويخبرني بنتيجة الأشعة المقطعية، "كل شي تمام دكتور، تستطيع الذهاب إلى المنزل، وسأصف لك بعضا من الأدوية التي سوف تساعدك". بالفعل، ذهبت إلى المنزل، وما لبثت فيه ردحا من الوقت، حتى باغتني ألم الأمعاء وكأن أمعائي تتقطع بالسكاكين الحادة، في ذلك الوقت أحسست بأن روحي قد بلغت التراق. وعدت من فوري إلى المستشفى لألبس ثوب المرض والمرضى في أقسام الترقيد.

لبثت هناك يومين او ثلاثة، عشت فيها ساعات من الألم والتعب، وساعات من الراحة، فقد كان الكل يعرفني، وأعرف الكل، وقد زارني الكثير من اساتذتي وزملائي وقبل ذلك أهلي وأقاربي. نمت في تلكم الليلتين على سرير المرضى، ووُضعت في يدي إبرة المغذي وإبرة مسكن الألم وغيرها من الإبر. قاموا بقياس ضغطي مرات ومرات، حتى أنني كنت اشتكي من كثرتها، وربما كان المرضى اللذين بجانبي يشتكون من نفس الأمر.

إلى أن جاء اليوم الموعود، أو اليوم الذي كنت أنتظره بفارغ الصبر، فقد أعلن الطبيب المختص عن الإفراج الفوري عني من المستشفى، فخرجت رافعا رأسي منتصرا على مرضي، لأعود إليه بعد أيام طبيبا أعالج مرضاي، ولكن هذه المرة وأنا أعرف شعورهم وإحساسهم وآلامهم.


د. رضا بن عيسى اللواتي
مسقط – سلطنة عمان
يوم الخميس الموافق 12/مارس/2020


2018/08/20

حج الحسين عليه السلام


سمع المسلمون بخبر مفاده أن حج هذا العام سيكون برفقة سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك في عام 60 للهجرة النبوية الشريفة. فأهلوا واستبشرا فرحا بأنهم سيقضون مناسكهم مع الحسين عليه السلام، ويمتثلون لأمره وينتهون لنهيه. في الجانب الآخر، كان يزيد بن معاوية يستعد للحج أيضا، ولكن بجلاوزته المدججين بالسلاح، مرتدين لباس الإحرام مختلطين بالحجيج، كان هدفهم أن يسفكوا دم الحسين بن علي عليه السلام ولو كان متعلقا بأستار الكعبة المشرفة.
جاء الناس من كل فج عميق، وصلوا لأداء مناسكهم معلنين توبتهم، زذائبون في حب الله جل في علاه، وأيضا أنهم تمسكهم بحبل الله المتيم وصراطه المستقيم. بعضهم قال اليوم نحج بحج الحسين عليه السلام، والبعض الآخر يقول دعونا ننتهل من عذب ماءه ومعين علمه. ولكنهم تفاجئوا في يوم التروية، عندما باتوا على مشارف مكة المكرمة، أن هناك قافلة تستعد للخروج منها !
يا للعجب، أي قافلة هذه التي تخرج من مكة والناس تفد إليها. واعجباه، أي القوافل تلك التي تَحرم نفسها من الحج مع ابن رسول الله صلى عليه واله وسلم. كثر الضجيج وتعالت الأصوات حين سمعوا المنادي ينادي، هلموا إلى بيت الله العتيق، فابن سيد المرسلين قد أرسل في طلبكم وهو بانتظاركم. وقف الحسين عليه السلام وأسند ظهره إلى الكعبة المشرفة ثم قال: "أيها الناس، خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف". تعالت الأصوات من هاهنا وهاهناك، ماذا يقول الحسين عليه السلام ؟ ما هذه الكلمات الغريبة التي لم نعهدها منه ؟ لماذا جمعنا الحسين عليه السلام الآن ؟ .. "وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وقد خير لي مصرع أن لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواوويس وكربلاء فيملأن مني اكراشا جوفا وأجربة سغبا، لا محيص عن يوم خط بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلاءه، فيوفينا أجور الصابرين". أرتعب الحضور، واشرأبت الأعناق وجحظت العيون. ابن بنت رسول الله ينعى نفسه ! هل هو مفارقنا إلى غير رجعة ؟ هل هذه القافلة الخارجة من مكة هي قافلة الحسين نفسه ؟

"أيها الناس، ألا ومن كان باذلا فينا مهجته، موطنا على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا، فإني راحل مصبحا إن شاء الله". تحادرت الدموع، وغطيت الأعين، نعم، الحسين ينعى نفسه ويطلب الناصر والمعين. يبدو أن سيد شباب أهل الجنة قد عزم على أمر عظيم، يقيم به الحق ويدحض به الباطل. كأن أبن رسول الله وريحانته وسبطه قد عزم على الخروج بالسيف على المنكر. وهاهو الآن يطلب من أتباع جده والمؤمنين به أن ينصروه ولا يدعوه وحده.
نزل الحسين عليه السلام فيما تعالت الأصوات "لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك". في مقابل ذلك كانت تلبية الحسين مختلفة جدا عن تلبية بقية الحجيج، فكان لسان حاله يقول "لبيك بذبح رجالي لبيك .. لبيك بسبي نسائي لبيك .. لبيك بذبح طفلي الرضيع لبيك .. لبيك بعطشي لبيك .. لبيك بحرق خيامي لبيك .. لبيك بمقتلي لبيك".

2016/07/05

مهلا: حل الأزمة الاقتصادية موجود في دفاتر المليونيرات وليس في جيوب الفقراء!

مهلا: حل الأزمة الاقتصادية موجود في دفاتر المليونيرات وليس في جيوب الفقراء!



قديما كان يقال: عندما يشعر التاجر أنه اقترب من حافة الإفلاس، يلجأ إلى دفاتر حساباته القديمة ويبحث بين صفحاتها عن حسابات كان قد أعدمها نظرا لضآلة مبالغها أو صعوبة تحصيلها، لضعف المستندات الثبوتية الخاصة بها لعله يستطيع نفض الغبار عنها ويحاول تحصيلها قدر الإمكان ليخفف من وطأة شبح الإفلاس الجاثم فوق صدره. وأعتقد بأن أغلب دول العالم في هذه الأيام تواجه نفس السيناريو وتحتاج إلى أن تعود لدفاترها القديمة وبالطبع فعمان ليست استثناء.
فذلك التاجر الذي ترتجف مفاصله خشية الوقوع فريسة للإفلاس، واثق تماما أنه يبحث عن حق تنازل عنه في حينه أو أجبر على التنازل عنه في زمن اليسر، وبالتالي فإنه يرى أن من حقه في زمن العسر، أن يحفر بيديه ورجليه وحتى بأسنانه للبحث عن تلك المديونيات التي تبدو له الأن كنزا ثمينا. واليوم حيث تقف معظم دول العالم على حافة الإفلاس يصبح الاقتداء بذلك التاجر البسيط ضروريا وملحا. ومن هذا المبدأ أرى بأن للشعوب كل الحق بأن تطالب حكوماتها باللجوء إلى دفاتر حساباتها القديمة ومراجعة الديون التي أعدمت أو تم السكوت عنها ليس بسبب ضآلة مبالغها أو ضعف مستنداتها أو ضيق يد المدينين، وإنما أجبرت على ذلك لأن المدين كان فكا مفترسا يستمد حدة أنيابه من سلطته ونفوذه وقدرته على كتم الأصوات المطالبة بحقها وإن كان ذلك الصوت هو الحكومة بذاتها.
المعروف أن المصادر الرئيسية لتكوين الثروة ثلاث: ما يرثه الأبناء عن آبائهم مما كونوه من ثروة حلال بالعمل الدؤوب والجهد المتواصل والتضحيات الجسام، أو ما يجمعه الإنسان بنفسه من كد يده وعرق جبينه وتميزه عن غيره في المواهب والإمكانيات والإرادة، فمبارك لأمثال هؤلاء الرزق الحلال. أما المصدر الثالث هو ذلك الذي لجأ إليه البعض ممن سنجد أسماءهم في دفاتر الدولة الخاصة بالديون المعدومة التي ندعو إلى مراجعتها، من هوامير وحيتان ممن استغلوا مناصبهم ووظائفهم فحللوا لأنفسهم وحواشيهم ما حرموه على غيرهم من خيرات هذا الوطن. وسدوا جميع السواقي المتشعبة من أودية الخير التي حبا بها الباري بلادنا الحبيبة طوال العقود الماضية إلا تلك الجارية إلى بساتين مصالحهم، فاستباحوا وللأسف على مرأى ومسمع من القانون الذي غض الطرف عن جرائمهم، استباحوا حقوق الآخرين وجمعوا نعاج غيرهم إلى جانب نعاجهم وضموها إلى مملكتهم. ولا تزال تلك الالتزامات مسجلة حتى يومنا هذا في سجلات المدينين التابعة للدولة دون أن تجد من يتابع تحصيلها وتظهر بين حين وآخر من خلال وثائق ويكيليكس العمانية التي تنشرها الصحف المحلية.
فخلال السنوات الماضية طالت قائمة المليونيرات العمانية ولولا تأثر الحفلة بتهاوي أسعار النفط لطالت وطالت هذه القائمة لتنافس قائمة مليونيرات الصين والهند طولا مع الأخذ في الاعتبار عدد سكان تلكما الدولتين. وتستطيع الدولة باستعراض بسيط لسجل هؤلاء الذين تشرفت قائمة المليونيرات باحتواء أسمائهم، رسم خط أحمر تحت تلك الأسماء في حواسيبها المتناهية في الدقة لتتبين أن جلهم ليسوا ممن ورثوا الجاه أبا عن جد وليسوا ممن ضرب “الهيب” في الصخر وامتزج عرقه بالتراب فاستحق لآن يرتقي اسمه ضمن المليونيرات. إذا فالأمر ليس لغزا معقدا او حتى ليس لغزا ليحتاج حله إلى حاسب آلي صناعة يابانية بطلب خاص.
لقد تعرض القطاع العام خلال العقود المنصرمة لهجمة شرسة من قبل القروش المفترسة والقطط السمان، لاسيما قطاع الأراضي، فاستبيحت السهول والجبال والوديان والشواطئ في مواقع لا تخطر على بال ودون مقابل، في حين كان آخرون يستجدون قطعة أرض للستر ليس إلا فلا يجدونها إلا على حدود البلاد، نصفها وادي والنصف الآخر جبل. وحتى يتمكن ذلك المواطن من استغلال الأرض عليه صرف أضعاف قيمتها ليقلب الجزء الجبلي ويدخله في الجزء المستقطع من الوادي حتى تستوي القطعة وتصبح صالحة للاستخدام.
مواقع كانت مخصصة للاستخدام كمواقف للسيارات وأخرى لحدائق عامة أو لمنتزهات صغيرة للأطفال في الحارات وغيرها مخصصة لأغراض رسمية تم الاستلاء عليها أو منحها لمن لا يستحق خدمة لمصالح مشتركة. أراضي بمساحات شاسعة وفي مواقع بكر منحت بحجة تشجيع الاستثمار الذي تمخض في النهاية ليكون إستحمارا بكل ما للكلمة من معنى، فلم نرى أثرا للاستثمار بل استغلالا للسلطة والنفوذ والمصالح. فبعض تلك الأراضي التي تم منحها بغرض الاستثمار قسمها بعض أدعياء الاستثمار إلى قطع صغيرة وباعوها للمواطن المغلوب على أمره بأسعار خيالية والبعض من تلك الأراضي وفي مناطق استثنائية نراها الآن معروضة للبيع بملايين الريالات.
كل تلك التجاوزات تم غض الطرف عنها لتشابك مصالح أصحاب القرار فيها، في حين غض المواطن الطرف عن تلك التجاوزات كرها حتى لا يقع في المحظور أو طوعا لأنه كان يصله بعض الفتات مما كان يتبقى من الخيرات فيضمن له على أقل تقدير الحد الأدنى من العيش الكريم ومن ثم فإنه آثر السكوت. أما وقد أصبحت مصادر جريان أودية الخير والنعمة بذاتها شحيحة على إثر الزلزال النفطي الذي ضرب العالم ولاسيما دول المنطقة، يبدو أن المواطن العادي يتوقع حرمانه حتى من ذلك النزر اليسير من الخير الذي كان يصيبه سابقا مما كان يتسرب من السواقي الجارية نحو مزارع تابعة لمن بيدهم القلم فبدأ يصرخ ويستنكر. فكان لا بد من إعلان حالة الطوارئ لتدارس تداعيات هذا الوضع والبحث عن حلول لتجنب تداعيات آثاره السلبية على المواطن والمجتمع والوطن.
تشكلت لجان عليا ولجان فرعية، هذه تدرس واقع أداء الشركات الحكومية التي تركت على حل شعرها طوال العقود الماضية دون حسيب أو رقيب تعاف الأرباح حساباتها منذ أن تأسست، وتلك تبحث في طرق لترشيد الإنفاق الذي ترك له الحبل على الغارب في أوجه لم تكن بحاجة إلى ترشيد فحسب بل إلى وقف الإنفاق فيها كليا، وأخرى تزحف متثاقلة مثل الدب القائم من نومه للتو لتبحث عن مصادر للدخل بديلة عن النفط متحسرة على أربعة عقود قضتها في هذه المهمة دون أي إنجاز يذكر اللهم إلا مؤتمر يتبع مؤتمر وندوة تلي أخرى ولربما المبالغ التي صرفت على هذه المؤتمرات والندوات كانت كافية لتشكل رافدا كأحد المصادر البديلة للدخل في أيامنا هذه. ولجنة رابعة تبحث في دفاتر حسابات صناديق التقاعد علها تجد مبررا لإخفاقات استثماراتها قد تبرد قلوب المتقاعدين الذين تتصدق عليهم تلك الصناديق وكأنهم من المؤلفة قلوبهم أو أبناء السبيل وليسوا أصحاب حق بنيت رؤوس أموال هذه الصناديق من ريالات استقطعت شهريا مما كدوه من عرق جبينهم طوال سنين شبابهم.
ولجنة أخرى تدرس خيارات لتمويل العجز في الموازنة ولكننا لم نجد لجنة تشكل لاقتراح كيفية الاستفادة الجادة من الفائض في موازنات أيام العز التي تبخرت تحت تأثير حرارة العمولات والرشى والمحسوبيات والمشاريع الفاشلة.
والغريب ان جميع هذه اللجان مصابة بالعور وبالتالي أخطأت جميعها حتى الآن الاتجاه الحقيقي لبوصلة هدفها. فبدلا من أن تحمل من قصر أو تآمر أو استغل منصبه لتحقيق الثراء مسؤولية ما نحن فيه من إملاق وتلزمهم بتحمل تبعات ذلك والتعويض عما استحلوها من مقدرات الوطن أو استهتروا بها وأهدروها، نجد أنها تصوب مدافعها نحو المواطن العادي فتجعله هدفا للسعات توصياتها وكأن أيام اليسر التي مرت فرشت فيها لهذا المواطن مآدب قدم له فيها ما لذ وطاب من الطعام والشراب. فانهمرت علينا قرارات كسيل عرمرم، قرار يرفع الدعم الحكومي عن البنزين، وآخر يرفع ضريبة الدخل التي ستشفط بطريقة غير مباشرة من جيب المواطن، وقرار ثالث يرفع رسوم المعاملات العقارية والبلدية. في حين تشير أرصاد مصادر الجهات التشريعية، والتي نتمنى أن لا تكون تنبؤاتها دقيقة كتنبؤات الأرصاد الجوية، تشير إلى منخفض قد يؤدي إلى سقوط زخات من القرارات يتم بموجبها سحب جزء من الدعم الحكومي عن الكهرباء ورفع رسوم استقدام العمالة الوافدة وغرامات المخالفات المرورية وغيرها من القرارات التي لا شك ستصيب جيب المواطن في مقتل إن صدرت. نتمنى ونحن نضع أيدينا على قلوبنا أن لا تتحول الحالة إلى إعصار من القرارات تأتي على ما تبقى من اليابس في جيب المواطن بعد أن أتت العاصفة على كل أخضر في جيوبهم.
لا شك أن آثار العواصف والأعاصير تصيب الجميع، لكن هناك من المواطنين من أسسوا بنيانهم على قاعدة من رزم من الأوراق النقدية تفوح منها رائحة لب الخشب محاطة بقوالب من ذهب وفضة، بعضهم كما أسلفنا بنوها مما ورثوه عن آبائهم من ثروة حلال جمعوها بالعمل الدؤوب والجهد المتواصل والتضحيات الجسام فهؤلاء مبارك لهم ما كسبوه وندعو الله أن يحميهم من شر العواصف والأعاصير. والبعض الآخر جمعوه من كد يدهم وعرق جبينهم وتميزهم عن غيرهم في المواهب والإمكانيات والإرادة فاستحقوها خيرا وبركة. وصنف ثالث وهم بيت القصيد، إنهم أولئك الذين فعلوا كل منكر في حق الوطن ليغيروا مجاري أنهار العز والخيرات التي جرت غزيرة في الفترة الماضية حتى يضمنوا اقتصار جريانها أمام بيوتهم فقط فترسبت أمام مداخلها الخيرات كلها وشكلت اساسات باتت صامدة أمام الأعاصير والعواصف وبالتالي فسيل القرارات الذي ينهمر هذه الأيام لن يكون ذا تأثير يذكر على هؤلاء جميعا.
والملاحظ وللأسف الشديد أن بوصلة هذه اللجان جميعها لم تصوب إلى أي من هؤلاء وإنما جرى التصويب نحو أولئك الذين شاهدوا طوال العقود الماضية تلك الأنهار تجري أمامهم غزيرة دون أن يتمكن الكثير منهم حتى من غرف جرعة منها وإنما تأثرت أكواخهم من كثافة زبدها فتشققت واحدة تلو الأخرى والخوف أن تنهار فتقضي على ما تبقى من أحلام أصحابها.
نحن ندري أن الصنفين الأولين قد بارك الله لهم في خيرهم ومع ذلك ليسمح لنا البعض منهم أن ندعي بأن سجلهم أيضا مصاب بلوثة من أوراق “بنما” المشؤومة، ويبدو أن عددا لا بأس به من هؤلاء تهربوا من دفع الضرائب على أرباحهم ولجأوا إلى ملاذات ضريبية آمنة في الخارج من خلال الانخراط في مخططات التهرب الضريبي وغسل الأموال. لذا فعليهم التكفير عن ذلك وتطهير أموالهم من هذا الدنس وإعادة مراجعة حساباتهم طوعا لصالح الوطن وإلا فالأمر قد يحتاج إلى عملية تصحيحه من قبل الجهات المعنية لأن الوطن بأمس الحاجة إلى كل مصدر دخل مستحق على المواطن أيا ما كان.
أما أولئك الذين تضخمت حساباتهم من مصادر دخل من النوع الثالث، فإن الجهات المعنية مدعوة بالعودة إلى الدفاتر القديمة ونفض الغبار عنها لأنها تحتوي على كنوز ثمينة مما تم استباحتها من قبل هؤلاء من دون وجه حق، يستوجب أن تعاد إلى خزينة الدولة بشكل أو بآخر، فالعملية لا تحتاج إلى معجزة لتنفيذها، فإذا كان التاجر البسيط في تلك السنين الخوالي يستطيع استرجاع ولو جزء من حقوقه بمساعدة شيخ القبيلة أو تهديد من موظف بسيط في مكتب الوالي، فمن المؤكد أن لا يصعب على الدولة التي لو سلمنا أنها في موقع ذلك التاجر وفي ظل توفر التكنولوجيا التي لا مجال لمقارنتها بدفاتر ذلك التاجر المتهالكة، والتشريعات القانونية التي تم تبنيها للتعامل مع مثل هذه المواقف، أن لا يصعب عليها جرد الحساب مع من توسعت أمعاؤهم وتضخمت كروشهم من كثرة ما بلعوا من خيرات هذا البلد من نصيبهم وأضعافا مضاعفة من نصيب غيرهم.
والحقيقة أنه إذا كان المواطن محظوظا بانتمائه إلى هذا البلد العريق وإلى هذا العهد الزاهر الذي رفعه إلى مصاف الشعوب المتقدمة، فإن عمان أيضا محظوظة بهذا الشعب الذي جله يترفع عن مصالحه الشخصية ويسترخص كل غالي ونفيس من أجل مصلحة وطنه طالما توفر له الحد الأدنى من الحياة الكريمة. لذا فالمطلوب هو العمل بكل جد وإخلاص وأمانة على استمرار تعانق هذه المعادلة السامية بين الوطن والمواطن، ولن يتأتى هذا إلا عندما ينظر الوطن إلى جميع أبنائه بنفس العين فيوزع خيراته على الجميع كل حسب جهده واستحقاقه. وحيث أن الواقع يؤكد أن البعض قد بذل المستحيل لكي ينظر الوطن إلى أبنائه بعيون مختلفة، فإن الأمر يتطلب إعادة الحق إلى أصحابه من خلال العودة إلى دفاتر الديون المعدومة بدون وجه حق واسترداد كل ريال نهب من خيرات هذا الوطن، وفي الوقت نفسه تجنب المغالاة في اتخاذ قرارات تعاقب الضحية ألا وهو المواطن وتترك الحيتان والقطط السمان وكل من ساهم في اتخاذ قرارات خاطئة طوال العقود الماضية ومارسوا طقوس الاستثناءات والمحسوبيات يسرحون ويمرحون دون محاسبة.
وما القرارات الأخيرة بسحب الترقيات من موظفي بعض الوحدات الحكومية إلا مثالا لما نتخوف منه، فهذه الترقيات سحبت بحجة تحقيق العدالة بين موظفي جميع الوحدات الحكومية. وكأن من منحت لهم هذه الترقيات انتزعوها عنوة وليس بموجب قرارات رسمية صدرت من رؤسائهم، والحقيقة أن مجرد سحب هذه الترقيات بحجة تحقيق العدالة إدانة واضحة بالظلم لمن اتخذ قرارات منحها، إلا أننا لم نجد من يحاسب عليها وإنما سلطت العصا على الطرف الضعيف وهو الموظف الذي ما كان منطقيا أن يرفض هذه الترقية التي منحت له في إطار المعاملة المميزة والخاصة التي استمتع بها موظفو بعض الوحدات الحكومية طوال العقود الماضية من رواتب خاصة وترقيات سهلة وامتيازات حصرية. إذا كان من الحكمة أن لا نمارس الظلم حتى لا نحتاج إلى معالجة آثاره على حساب الآخرين.
لا شك أن تحقيق العدالة بين جميع المواطنين ومساواتهم في الحقوق والواجبات أمر واجب وضروري، ولكن كان من الأولى محاسبة من أتخذ قرارات ترقية هؤلاء بدلا من قطع فروقات الترقية من رواتبهم بعد صرفها لهم لمدة عامين، أي قطع جزء من مصدر رزقهم والذي ربما على أساسه قد ترتبت عليهم التزامات عائلية ومالية، ووقف صرف هذه الفروقات لا شك سيسبب لهؤلاء أزمات هم في غنى عنها. هذا غيض من فيض ونأمل أن نتجنب اتخاذ مثل هذه القرارات التي تصوب مباشرة إلى جيب المواطن. جميعنا نريد المساهمة في العمل على تجاوز بلادنا الحبيبة هذه الأزمة بأقل الخسائر، ولكن كما قلت في مقالة سابقة إن العجز في الموازنة يجب أن يغطى أولا من الجيوب التي أودع فيها الفائض أيام العز والمسجل في دفاتر الدولة منذ بداية عهد النهضة المباركة وحتى اليوم، عندها فقط وفقط تتحقق العدالة.

2016/06/19

"زيكا" الذي أرعب العالم

"زيكا" الذي أرعب العالم



قبل مدة بسيطة ظهر في البرازيل فايروس قد يبدو للبعض جديدا كونه لم يسمع به من قبل. وهذا الفايروس يسمى Zika. ينتقل الفايروس زيكا عن طريق بعض أنواع البعوض، والذي يتواجد في المناطق المدارية بشكل عام. تحدث الكثيرون عن هذا الفايروس والمرض المعدي الذي يتسبب فيه، من طبيب، وعالِم في الفايروسات، وعالِم في بيولوجيا البعوض، بل واحتلت أخباره العناوين الرئيسة في نشرات الأخبار والبرامج الصحية، وأصبح حديث الساعة في المجالس والمنتديات العامة والخاصة. وبالفعل أعلنت حالة الطوارئ من قبل المؤسسات الصحية العالمية بغية محاصرة الفايروس والمرض الذي يسببه لأن إنتشاره في أنحاء أخرى من العالم قد يسبب مشكلة عالمية، كما كان الحال من قبله مع فايروس انفلونزا الطيور والخنازير ومن قبلهم فايروس سارس وغيرها الكثير.

في هذا المقال سألقي الضوء على فايروس Zika الذي أصبح حديث الساعة هذه الأيام في جميع المجالس والبرامج كما أسلفنا، مركزا على أهم ما يجب معرفته عنه.

ما هو فايروس زيكا ؟
يرتبط  فايروس زيكا بالعديد من الأمراض المكتشفة سابقا من قبيل حمى الضنك، والحمى الصفراء، والتهاب الدماغ الياباني وفايروس غرب النيل. ويقول الدكتور عبدالله بالخير استشاري أول في الأمراض المعدية في حوار أجراه معه "ملحق أنوار" التابع لدائرة العلاقات العامة والإعلام في جامعة السلطان قابوس382: "أنه تم اكتشافه لأول مرة في عام 1947م في قرود من فصيلة الريصو من خلال شبكة رصد الحمى الصفراء وتم اكتشافه لاحقا في البشر عام 1952م في أوغندا وجمهورية تنزانيا المتحدة".

كيف ينتقل الفايروس ؟
ينتقل فايروس زيكا عن طريق لدغة بعوضة تُسمى "Aedes Aegypti"المصابة بالفايروس والتي تتواجد في معظم المناطق الإستوائية. وتحتاج هذه البعوضة إلى سائل كالدم لكي تضع فيه بيوضها، علما بأن نشاط هذه البعوضة يكثر في النهار، ولكن بالطبع لا يمنع ذلك من أن تمارس نشاطها بالليل أيضا. ولا شك أن معظم الخبراء يعتقدون أن انتقال هذا الفايروس يتم عن طريق هذه البعوضة، إلا أن بعضهم لا يستبعد انتقال الفايروس أثناء الحمل من الأم المصابة بالفايروس إلى الجنين، خصوصا أنه لوحظ أن الطفل المولود لأم مصابة بالفايروس عادة ما يكون رأسه صغيرا. علما أن بعض التقارير الطبية ذكرت أن الأتصال الجنسي ليس وسيلة لانتقال الفايروس حيث لم تسجل إلا حالات نادرة بهذا الخصوص. كذلك لم تسجل حالات انتقال للمرض عن طريق نقل الدم، ولا زالت الدراسات والأبحاث قائمة في هذا المجال.

ما هي الأعراض ؟
وبالانتقال إلى أعراض الإصابة بفايروس زيكا، فهي أعراض عامة لكنها ليست بالضرورة دلالة جازمة على إصابة المريض بالفايروس. وهذه الأعراض هي من قبيل الحمى، التهاب العين، الطفح الجلدي، التعب والخمول، الام المفاصل والعضلات، وصداع، وقد تستمر هذه الأعراض بين 2-7 أيام تقريبا. كذلك فقد لوحظ أن بعض المرضى قد يُصابون بأعراض عصبية ونقص في المناعة إذا ما تعرضوا للفايروس. إلا أن أكثر ما أثار إهتمام الناس حول هذا المرض هي تلك التي انتشرت على وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي كانتشار النار في الهشيم والتي تربط بين أمهات حملن هذا الفايروس أو المرض وولادة أجنة ذوو رؤوس صغيرة. ولكن مع ذلك لم يثبت حتى الآن وبشكل قاطع أن الإصابة بفايروس زيكا قد تؤدي إلى ولادة أجنة برؤوس صغيرة (Microcephaly)، وهذا الأمر بحاجة إلى مزيد من الدراسة والبحث.

كيف يتم التشخيص ؟
يتم تشخيص الإصابة بفايروس زيكا عن طريق وجود الأعراض العامة المذكورة آنفا، بمعية جنبا إلى جنب مع التاريخ المرضي للمصاب المفترض إذا ما كان قد سافر إلى مناطق انتشار هذا الفايروس قبل إصابته بالمرض بفترة قليلة. بالإضافة إلى ذلك فهناك بعض فحوصات الدم التي يتم إجراؤها للمريض الذي يُتوقع أنه أصيب بالمرض عن طريق عزل الفايروس من دم المريض أو لعابه أو بوله.

ما هو العلاج ؟
أما عن العلاج، فقد ذكرت مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) أن الأعراض عادة ما تكون خفيفة ولا تتطلب علاجا معينا، ولكن يجب على المريض أن يأخذ قسطا من الراحة بالإضافة إلى شرب السوائل بكميات أكبر من السابق، وأن يأخذ بعض مسكنات الآلام ومخفضات الحرارة. أما إذا زادت الحالة سوءا وزادت واستمرت الأعراض فعلى المريض أن يراجع أقرب مؤسسة صحية.

كيفية الوقاية ؟
في الوقت الحالي لا يوجد لقاح أو مصل ضد هذا الفايروس، ولكن يمكن الوقاية منه عن طريق إتخاذ الإجراءات الآتية:
-         السيطرة على مناطق انتشار البعوض.
-         ارتداء الملابس الساترة والتي تغطي أغلب أجزاء الجسم خاصة في الأجزاء المكشوفة.
-         البقاء في المناطق المكيفة أو داخل الأماكن المغلقة.
-         تغطية أماكن النوم بشبكات طاردة للبعوض.
-         من المهم جدا أن يتم تغيير الماء والسوائل في الدلو أو الأوعية أو البراميل، حتى لا تشكل مناطق لتجمع البعوض.
-         إذا كنت تريد التوجه إلى مناطق ينتشر فيها الفايروس، فعليك أولا باستشارة طبيبك الخاص قبل الذهاب إلى تلك المناطق.

فايروس زيكا والمرأة الحامل:
أشارت بعض التقارير الواردة من البرازيل إلى أنه يمكن لفايروس زيكا أن ينتقل من المرأة الحامل إلى جنينها مما يسبب خللا في تكون الدماغ وينتج عنه صغر حجم الدماغ والرأس، إلا أن هذه الإحتمالية كما ذكرنا سابقا لا تزال في طور البحث والدراسة. ولذلك فإن مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها ينصح المرأة الحامل باتخاذ الحيطة والحذر قبل السفر إلى المناطق التي ينتشر فيها هذا الفايروس، كما يطالبها بمراجعة طبيبها قبل الذهاب إلى تلك الأماكن. أما إذا كانت المرأة قد سافرت بالفعل إلى تلك المناطق، فعليها زيارة طبيبها الخاص في أسرع وقت ممكن للتأكد من سلامتها وسلامة الجنين، بالإضافة إلى إجراء بعض الفحوصات الضرورية الخاصة بالفايروس والمرض إن لزم الأمر. وحسب مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها فإن التقارير الطبية حول هذا الفايروس والمرض لم تثبت حتى الآن تأثير فايروس زيكا على الحمل مستقبلا بعد الإصابة بالفايروس، حيث أن الفايروس لا يبقى في الدم لأكثر من أسبوع فقط.

هل يتواجد فايروس زيكا في عمان ؟
يستبعد الدكتور عبدالله بالخير في حواره مع "ملحق الأنوار" التابع لجامعة السلطان قابوس تفشي وانتشار فايروس زيكا في السلطنة، لندرة وجود وانتشار البعوضة المسؤولة عن انتقال هذا الفايروس، ولكن لا يستبعد أمكانية إنتقال المرض عن طريق السُياح أو المسافرين القادمين من المناطق التي ينتشر فيها المرض.

ختاما، فإن الله سبحانه وتعالى لم يخلق داء إلا أوجد له دواء ، ولكن كما قيل "الوقاية خير من العلاج". فيجب أولا أخذ الحيطة والحذر وإتخاذ جميع الإحنياطات اللازمة للوقاية ليس من هذا المرض بل من جميع الأمراض. وأن نلتزم بالتحذيرات العامة التي تصدر بين الحين والآخر من الجهات المعنية  والمتعلقة بهذا المرض وانتشاره. كما أن علينا مراجعة المؤسسات الطبية في أقرب فرصة إن ظهرت هذه الأعراض على أي منا.

نشر في مجلة شرق غرب العدد العاشر يونيو يوليو 2016م.