بمناسبة #يوم_الكتاب_العالمي .. أعيد نشر هذه المقالة ...
الكتاب .. مشكلة تبحث عن حل
اكتب هذا المقال وفي قلبي غصة من حال أمتنا
العربية وما وصل إليه
مستوانا الثقافي والعلمي، أكتب هذا المقال وأنا أقرأ بعض الإحصائيات التي يندى لها
الجبين وتقشعر لها الأبدان. كيف لأمتنا العربية التي كانت "خير أمة أخرجت
للناس"، عاد حالها الآن كجاهليتها الأولى أو أشد قسوة.
قبل عدة قرون ونيف، كان علماؤنا من أفضل
العلماء على وجه الكرة الأرضية، وكانوا هم من يُسيّرون شعوب العالم، ولا أستطيع أن
أنسى الجامعات الغربية عندما كانت - ولا زال بعضها - يُدرس في مناهجها علوم العلماء
العرب، أما نحن فلم نُقدر جهود علمائنا ولم نقدرهم حق قدرهم، فأضحت مؤلفاتهم في طي
النسيان. وإذا ما اتجهنا الآن لجامعاتنا ومعاهدنا لوجدنا أنها تمتلئ بعلوم الغرب
ولا نكاد نجد كتابا لعالِم عربي.
اقتبس في هذا المضمار جزءا من كلام
الناشر رياض نجيب الريس والذي ألقاه في مشاركته في إحدى المؤتمرات التي أقيمت في
دولة الإمارات العربية المتحدة حين قال :" وتعثر النشر العربي يعود إلى سببين
لا ثالث لهما: ضمور الأسواق العربية بسبب حواجز الأنظمة السياسية التي تعامل
الكتاب معاملة المخدرات والناشر معاملة المهربين، وضعف البنية المالية والاقتصادية
لمعظم الناشرين، نتيجة لقيود الرقابة على أنواعها، فتمنعهم من تطوير هذه الصناعة
والاستثمار فيها". في الحقيقة، ما ذكره هذا الناشر هو عين الصواب، وهو الذي
أدى إلى اضمحلال ثقافة الأمة العربية والتي لا زالت في تأخر مستمر حينما تُقارن بأقرانها
وجيرانها من الدول المجاورة. وأحب في هذا المقام أن أشكر وأثني على جهود السلطنة
في دعم الكاتب العماني وتقليل حجم القيود على نوعية الكتب التي يتم بيعها وبالخصوص
في معرض الكتاب الأخير، فما أحوجنا إلى أن نُطور من ثقافتنا وعلومنا.
وسوف أستعرض الآن بعض الإحصائيات المهمة
للغاية، فالاحصائيات تدل بشكل كبير على ما تعانيه الأمة العربية - وكم حزنت على
حالنا بعد قراءتها -. أولى الإحصائيات هي من منظمة اليونسكو، وهي إحدى أهم
المنظمات العالمية من حيث الجودة، وهي أكثر المنظمات اهتماما بالثقافة والعلوم. ذكرت
هذه المنظمة في إحدى تقاريرها أن متوسط قراءة الطفل العربي للكتاب لا يتجاوز الـ
(6) دقائق في السنة خارج المنهج الدراسي!، في المقابل يقضي الطفل العربي وقتا أطول
أمام شاشات التلفاز من الطفل البريطاني أو الأمريكي. وأشارت نفس الدراسة إلى أن كل
20 طفل عربي يقرأ كتابا واحدا، فيما يقرأ كل طفل بريطاني 7 كتب أي ما يعادل ما يقرأه
140 طفل عربي، وفي الوقت نفسه يقرأ كل طفل أمريكي 11 كتابا أي ما يعادل ما يقرأه
220 طفل عربي.
الدراسة السابقة شملت الأطفال فقط، أما
فيما يخص البالغين فإن الدراسات تكشف عن أن كل 80 شخص عربي يقرأ كتابا واحدا في
السنة فقط، فيما يقرأ الأوروبي ما متوسطه 35 كتابا في السنة. وإذا ما ترجمنا هذه
الإحصائية فإننا سوف نجد أن ثقافة رجل أوروبي واحد تساوي ثقافة 2800 رجل عربي.
وتقول الدراسة أيضا أن متوسط ما يقرؤه الصهيوني هو 40 كتابا في السنة، أي أن ثقافة
رجل صهيوني واحد تعادل ثقافة 3200 رجل عربي. فهل نريد تحرير فسلطين – وهو أهم شعار
ينادي به الفرد العربي – بثقافتنا الضحلة هذه. أم هل تمر مثل هذه التقارير مرور
الكرام ونرمي بها وراء ظهورنا من دون أن نغير من أنفسنا؟.
وتشير الإحصائيات التي تقام بعد معرض
الكتاب في مختلف الدول العربية إلى أن أكثر الكتب مبيعا هي الكتب الدينية، تليها
كتب الطبخ ثم كتب الأبراج، وذلك في معرض الكتاب الدولي في مصر خلال الخمسة أعوام
الماضية. ولا أخال بقية المعارض في الدول العربية الآخرى تنحى منحنىً أكثر إيجابية
من منحنى معرض الكتاب في مصر. وعندما نأتي لتحليل هذه الإحصائيات، لا يسعني إلا أن
أذكر شعر المتنبي حينما يقول "يا أمة ضحكت من جهلها الأمم".
وفي
المقابل تذكر بعض الإحصائيات والدراسات أن ما تمت ترجمته في إسبانيا خلال عام واحد
يعادل ما تمت ترجمته في الدول العربية منذ عهد المأمون العباسي إلى القرن العشرين،
على الرغم من أن الدولة العباسية قد عمدت إلى ترجمة مؤلفات العلماء غير العرب.
قبل عام من الآن، بدأ الربيع العربي،
ومعه بدأت أمنيات الشعوب العربية، فسقطت بعض الحكومات بعد جهود مضنية من شعوب تلك
الدول، وتغيرت بعض القوانين في دول أخرى. ولكن الذي لم يسقط ولم يتغير ولا أعتقد
أنه سوف يسقط أو يتغير قريبا هي حكومات الجهل والأمية، فلا زالت الشعوب العربية
تعيش تحت وطأة الجهل، وهي لعمري أقسى من حكومات الأفراد، وما استطاع هؤلاء الأفراد
حكم الشعوب إلا بجهلها. فمصر، والتي تُعد أهم الدول العربية، أكثر من 60% من
سكانها لا يقرأ ولا يكتب، وقس على ذلك بقية الدول العربية الأخرى.
للأسف، فإن مشكلة الجهل والعزوف عن
القراءة في مجتماعتنا العربية ليست مؤامرة قام بها أعداء أمتنا لتفريقنا طرائق
قددا، وليست أيضا من أفعال حكوماتنا وإن كانت جزءاً لا يتجزأ من هذه المشكلة، إلا
أنها ليست الأساس في ذلك. وإنما هي مشكلة كل فرد من أفراد الشارع العربي. فالفرد
بإمكانه أن يشتري له مكتبة صغيرة ويخصص جزءا من مصروفه الشهري لاقتناء الكتب.
ويستطيع الأصدقاء تبادل الكتب الثقافية بين الحين والآخر. كما لا أنسى الشبكة
العنكبوتية (الإنترنت)، فهي الآن خير ملاذ لمن لا يستطيع اقتناء الكتب المطبوعة
لأي سبب كان. فالكتب باتت تُنسخ وتُعرض على الشبكة العنكبوتية بشتى الطرق
والوسائل، والحصول عليها بات أمرا سهلا للغاية. فهل نستفيق قبل أن تلتهمنا الشعوب
الأخرى لجهلنا، أم نبقى أمة مستهلكة غير منتجة؟ وأختم مقالي بكلام للباحث توما
شماني – عضو اتحاد المؤرخين العرب – حينما قال:" العرب قوم لا يقرأون وإذا
قرأوا لا يفهمون".
رضا
بن عيسى اللواتي