تمضي الدهور والأزمنة ولا تزال ذكرى
كربلاء عالقة في أذهان المسلمين، بل ويتفاعل معها غيرهم من معتنقي الديانات
الأخرى، وذلك لأن هذه الواقعة حملت جانبين مهمين ألا وهما الجانب العاطفي
والإنساني والجانب الأخر وهو المهم في حديثنا وهو جانب المقاومة ورفض الظلم
والعدوان والعمل على إصلاح الأمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وبواقعة
كربلاء فإن كثيراً من القواعد العملية والأسس المهمة لعملية المقاومة قد أسستها
هذه الواقعة المهمة والمفصلية في تاريخ الأمة الإسلامية. وبفضل هذه المقاومة وهذه
الثورة قامت ثورات عديدة ومقاومات للظلم والعدوان بعد واقعة كربلاء ولا تزال
مستمرة إلى يومنا هذا.
إن قضية كربلاء وثورة الحسين بن علي حفيد الرسول الأعظم صلى
الله عليه واله وسلم لم تكن من أجل كرسي رئاسة أو ملك زائل، بل كانت نهضةً من أجل
مقارعة الظلم والعدوان ولإحقاق الحق ودحض الباطل وفي ذلك يقول الحسين بن
علي:" إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالما ولا مفسدا، وإنما خرجت لطلب
الإصلاح في أمة جدي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، أريد أن آمر بالمعروف
وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي ابن أبي طالب". وسيرة النبي صلى
الله عليه واله وسلم وأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب معروفة لدى القاصي والداني.
ولذا فإن مقاومة الحسين للظلم كانت نموذجا يُحتذى به في الثورات والنهضات التي
لحقت واقعة كربلاء، ولا تزال نهضة الحسين بن علي أهم النماذج التي سطرها لنا
التاريخ فيقول الزعيم الهندي غاندي إبان الإحتلال على الهند:" إذا أرادت
الهند أن تنتصر فعليها الإقتفاء بسيرة الحسين"، وقال في بعض خطبه:"
علمني الحسين كيف أكون مظلوما فأنتصر".
ونجد أن المستشرقين فضلا عن العرب
والمسلمين قد تحدثوا عن مقاومة الحسين بن علي للظلم والعدوان وأن مراده كان إعلاء
راية التوحيد وإعلاء الدين الإسلامي فقال المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون:"
أخذ الحسين على عاتقه مصير الروح الإنسانية، وقُتل في سبيل العدل بكربلاء".
ويقول الباحث الإنجليزي جون أشر:" إن مأساة الحسين بن علي تنطوي على أسمى
معاني الإستشهاد في سبيل العدل الإجتماعي". وأخيرا يقول الكاتب العربي
لبيب بيضون:" ما
أظن أن إنساناً في مسرح التاريخ والبطولة، استطاع أو يستطيع أن تكون له مثل هذه
الكفاءات العالية والمواهب الفريدة النادرة غير الإمام الحسين (عليه السلام) ليمثل
هذا الدور الجوهري الخطير في قيادة حركة الإيمان وإحياء دعوة الإسلام". ولست هنا بصدد ذكر ما قالته الجموع عن حركة
الإمام الحسين وإنما أكتفي بذكر بعضها فقط، وفيها إشارات واضحة إلى أن حركة الإمام
الحسين كانت ملهمة ومؤسسة لكثير من النهضات التي تلت تلك الحقبة التاريخية.
ومن رحم الثورة الحسينية والمقاومة التي
خاضتها تلك الأنفس الزاكية في كربلاء، ولدت المقاومة الإسلامية في غزة، لتكون إحدى
الحركات المقاومة التي انبعثت من ثورة كربلاء ومن مقاومة الحسين بن علي للظلم
والعداون. فنجد أن إخوتنا في غزة رغم كل الظروف وتكالب الأمم عليهم، ورغم قلة
عددهم وخذلان الناصر – وهو شبيه بما حصل في كربلاء – فإنهم يبدون شجاعة ليس لها
مثيل في سبيل رد العدوان وإحقاق الحق وتمييز الطيب من الخبيث. فكما كانت واقعة
كربلاء – والأمثال تضرب ولا تقاس – مفصلا مهما في تاريخ الأمة الإسلامية قديمة،
فإن ما يحصل في أرض فلسطين هو أيضا قضية مفصلية في تاريخ المسلمين حديثا، وبها
نُميز الحق من الباطل ونصل إلى نتائج ووقائع سوف يحفظها التاريخ للأجيال اللاحقة.
إن الذي يجري اليوم في أرض أولى
القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، والدماء التي تسيل على هذه الأرض الطاهرة استوحت
الدورس واستوحت نهج المقاومة من ثورة الحسين بن علي في كربلاء حين قال:" ألا
إن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة، وهيهات من الذلة".
وأهل غزة كانوا ولا زالوا يقولون "هيهات منا الذلة"، نفس المنطق ونفس
الهدف ونفس الطريق. وكما كانت كربلاء ثورة "انتصار الدم على السيف"
ستكون غزة "ثورة انتصار الدم على السيف" فلا تغرن قلة عددهم وخذلان
اخوانهم لهم، فإنما هو قد ولدوا من رحم كربلاء. وستبقى الحكاية بين كربلاء وغزة
مستمرة.
رضا بن عيسى اللواتي
مسقط – سلطنة عمان
نشرت في جريدة القدس العربي بتاريخ 30/11/2012