ظاهرة الهروب من المدرسة .. أسباب كثيرة وحلول قليلة (1-2)
كنت قد كتبت مقالا يتحدث عن ظاهرة "الهروب من
المدرسة" حينما كنت طالبا في المدرسة الثانوية، حيث كان الكثير من الشباب ومع
وقت "الفسحة" يهربون من المدرسة. فتارة تجد البعض يغافل الحارس ويخرج من
الباب المفتوح على مصراعيه، والبعض الأخر ينتظر غفلة الحارس ليهرب، بينما المتحلي
بالشجاعة يقفز من الجدار متجها إلى خارج المدرسة.
بعد ثلاثة أو أربعة حصص نشاهد مجموعة كبيرة
من الطلاب قد تركوا مقاعد الدراسة واتجهوا خارج المدرسة لقضاء بعض الوقت مع زملائهم
أو ذهبوا خارج المدرسة ليرجعوا إليها في اليوم الثاني. البعض من هؤلاء قد يخرج إلى
بعض مقاهي الإنترنت أو صالات البولينج – وقد شاهدت في ذلك الوقت ولا زلت اشاهد
عددا منهم يفعل ذلك – ومع نهاية اليوم الدراسي يعود إلى منزله وكأن شيئا لم يكن.
كان ذلك قبل أربع أو خمس سنوات، وقتها تخيلت أن هذه الظاهرة سوف تندثر مع مرور
الأيام، ومع تطور الفكر والثقافة في المجتمع. ولكنني لم أتخيل أنه وبعد مرور كل
هذه السنوات، أجد نفس الظاهرة تتكرر وربما أكثر من ذي قبل.
في الحقيقة تساءلت في تلك الأيام عن
أسباب هذه الظاهرة المتزايدة، ولا زالت الأسئلة تدور في خاطري كلما مررت بمثل هذه
المواقف. ولكنني لم أحصل على إجابة واحدة، فرغم التشديدات التي قام بها المسؤولون
والأساليب المتبعة في تسجيل الحضور والغياب، إلا أن الطالب يحصل على فرصته الكاملة
في الهرب من المدرسة. وهنا أضع بعضا من الفرضيات التي استنتجتها من جراء هذه
الظاهرة.
الفرضية الأولى والتي أراها واقعية إلى حد كبير هي عدم
إلمام الأستاذ أو معرفته بطبيعة الطالب الذي يدرسه، على الرغم من دراسته لعلم
النفس التربوي وبعض المقررات المشابهة في المرحلة الجامعية إلا أن التطبيق لا يكون
بالشكل الأمثل. وأريد أن أشير إلى نقطة حساسة وهي أني لا أعمم هذا على جميع المدرسين
ولكنني أتحدث عن شريحة كبيرة منهم وقد عاصرت عددا كبيرا منهم في ذلك الوقت. فمعرفة
الأستاذ بكوامن نفس الطالب لهي من الأمور المهمة جدا والتي يجب أن يُنمي المعلم
نفسه فيها، لأنها تمكنه من معالجة الخلل الذي يواجهه ذلك الطالب. وعندما لا يتمكن
المعلم من ذلك، يقوم المعلم بالصراخ عليه أو لا يعيره الاهتمام الكافي، عندها يكون
الطالب عرضة لعمل لا يليق به كمثل الهروب من المدرسة.
الجو المدرسي العام، أو طريقة بناء المدارس في بلادنا،
هي إحدى الفرضيات التي قد تكون سببا لظاهرة الهروب من المدارس، فما كان يحدث
سابقا، وما التمسه الآن عند حديثي مع بعض الطلاب في المدارس الإعدادية والثانوية
هو تدعيم لهذه الفرضية. حيث أن أسلوب بناء مدارسنا وللأسف الشديد لا يرتقي إلى
مستوى بناء المدارس في الدول المجاورة وبعض دول العالم الأخرى، فهي لم تتطور ولم
تتبدل منذ بداية إنشاء المدارس في السلطنة إلى يومنا هذا، إلا في ما ندر وقل من
المدارس. وهذا الأمر يؤثر سلبيا على الطالب، حيث أن الطالب وهو في مرحلة مختلفة من
حياته يحاول أن يواكب التطور والتقدم في مجالات الحياة، وإحدى هذه المجالات هي
أساليب البناء، فحينما يجد الطالب نفسه في مدرسة بأسلوب بناء قديم فإنه يؤدي به
إلى عدم إعارة هذه المدرسة الإهتمام، ليس لأنه لا يريد الدراسة فيها، بل لأنه لا
يرى فيها أيا من جوانب التطور والتحضر. وقد يلجأ البعض إلى الدراسة في المدارس
الخاصة نظرا لتطور أسلوب بنائها. وهنا لا أجد فرقا بين الطالب المجيد والطالب
المتوسط أو الضعيف، فالكل يتأثر وإن كانت آثاره مختلفة بين طالب وآخر.
نشرت في ملحق أنوار التابع لدائرة الإعلام في جامعة السلطان قابوس
جريدة الوطن
تاريخ 10/12/2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق