سلامة المعتقَد وأثره على سلوك الإنسان
عندما خلق الله تعالى الإنسان جعله في أحسن تقويم وأفضل
صورة، فكوَنه من عنصرين مترابطين ألا وهما الروح والجسد، فالأول هو مرتع الإيمان
والإعتقاد، والثاني هو المظهر الخارجي الذي تظهر عليه علامات الإيمان والإعتقاد
أياً كانت، سليمة مرتبطة بالله تعالى أو سقيمة مرتبطة بغيره جل وعلا. وللوهلة
الأولى، يظن الإنسان بأن المعتقد هو كل ما يرتبط بالإيمان بالله تعالى وتنفيذ
تشريعاته، ولكن في الحقيقة إن المعتقَد أشمل من ذلك بكثير وإن كان الإيمان بالله
تعالى يمثل الجزء الأكبر من المعتقد لدى الإنسان، ولكنه في الواقع يشمل كل ما
يعتقده الإنسان من أفكار ويتخذ من قرارات ويقوم به من أفعال وقد يدافع عنها بكل
شراسة ويعتقد بخطأ من يخالفه فيها.
من هنا
نستطيع القول بأن للمعتقًد تأثيرا كبيرا على سلوك الإنسان وأسلوب حياته وعلاقته مع
أقرانه من بني البشر. بل ربما نرتقي في ذلك، ونقول بأن المعتقَد هو الذي يصوغ
علاقة الإنسان مع ربه، ومع نفسه، ومع مجتمعه وبيئته، بل حتى مع المجتمعات الأخرى.
ولنا في ذلك أمثلة كثيرة، فعلى مر العصور اعتبر اليهود أنفسهم بأنهم "شعب
الله المختار"، فخرج من بينهم فرعون الذي أفرط في هذا الإعتقاد، وأعلنها واضحة
على الملأ "أنا ربكم الأعلى"، وخرج من بينهم قارون الذي وجَّه نداءً
صارخا "إنما أوتيته على علم عندي".
وعلى
النقيض تماما، فإن الإعتقاد الذي اعتقدته أسية بنت مزاحم زوجة فرعون بأن الله
تعالى هو الملك وهو الرب جعلها تقول بملء فمها "رب ابن لي عندك بيتا في الجنة
ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين"، وعندما نأتي إلى قضية النبي
الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم، وحياته في المجتمع القرشي الذي كثر فيه الفساد
والإنحراف، وكيف عاش النبي صلى الله عليه وسلم بمعتقادتٍ سامية وعبادة خالصة متحديا
الإنحراف القرشي حتى سُمي لديهم "بالصادق الأمين" وأنزل الله تعالى فيه
قوله "وإنك لعلى خلق عظيم"، وقالت زوجته عائشة: "كان خلقه
القرآن".
ولو
جئنا إلى أقوال علماء الغرب حول سلامة المعتقد وأثره على سلوك الإنسان وحياته،
فإننا نشاهد أن العديد منهم قد كتبوا في هذا المضمار، ولنا في الدكتور هينري لينك
طبيب الأمراض النفسية المشهور في الولايات المتحدة الإمريكية خير مثال، فقد ألف
هينري لينك كتابا أسماه "العودة إلى الإيمان"، متحدثا فيه عن عودته إلى
الدين وأسبابها وما للدين من أثر على سلوك الإنسان، بل وذهب إلى أن الدين يُعد وسيلة
مهمة وحساسة للحفاظ على العلاقات البشرية بل وحمايتها من الأخطار.
في
النهاية، إن كل ما تم ذكره يعد قطرةً من ماء محيط في بيان أثر المعتقد على سلوك
البشر، وأنه بغياب المعتقد السليم فإن الإنسان لا يسلم من عواصف الإشكاليات
المعقدة ورياح الشبهات الكثيرة.
رضا بن عيسى اللواتي
مسقط – سلطنة عمان
نشر في جريدة الرؤية في عددها الصادر في يوم الخميس الموافق 2/5/2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق