مستقبل الطب بين تحدي المرض وتقدم العلم
"دراسة
علمية تبشر بعلاج لمرض السكري"، هكذا عنونت إحدى المواقع الالكترونية صفحتها
الرئيسية بخط عريض. كان هذا الخبر الأكثر انتشاراً وقراءة في ذلك اليوم. اكتشاف لا
شك أنه مهم جدا في عالم الطب، فعلاج مرض السكري الذي كان صعبا بل مستحيلا قبل عدة
سنوات، أصبح اليوم قريب المنال. العلم يتطور في كل يوم، بل وفي كل ساعة حيث يكتشف
العلماء شيئا جديدا لم يخطر على بال أحد من قبل، وما كان مستحيلا بالأمس، أصبح اليوم
واقعا. والحقيقة إن تطور العلم ليس مقتصرا على الطب فحسب، بل يشمل مختلف مجالات
الحياة، من علوم الأرض إلى علوم الفضاء مرورا بعلم النبات والحيوان والفيزياء
والكيمياء وغيرها.
إلا أن
العلوم الصحية والطبية كان لها النصيب الأوفرمن الاهتمام من قبل القائمين عليها
والباحثين في أغوارها. فقد شهد حقل العلوم
الصحية والطبية خلال السنوات القليلة الماضية تطورات وإنجازات على قدر كبير من
الأهمية، حيث توالت اكتشافات وإستنتاجات تُبشر بمستقبل مشرق وواعد في مواجهة
الأمراض المستعصية، ورفع كفاءة الحياة (quality of life) للمرضى المصابين بأمراض
مزمنة، بالإضافة إلى الوقاية من الأمراض. وقد تحقق كل ذلك على الرغم من التحديات
الطارئة التي يواجهها العلماء مع ظهور أمراض جديدة لم تكن متواجدة سابقا من قبيل
مرض إيبولا (Ebola)،
أو انتكاسات في علاجات تم إكتشافها سابقا.
ولو أردنا
الإسهاب في الحديث عن هذه الإنجازات والاكتشافات فهي كثيرة ومتنوعة. فبعضها سلطت
مزيدا من الضوء على تشخيص بعض الأمراض وأخرى على التوصل إلى علاجات لأمراض كانت
حتى الأمس القريب ميؤوس من علاجها. والجدير بالذكر أن بعض هذه الاكتشافات لا زالت
في طور التجربة ولم يتم تطبيقها على أرض الواقع. وفي هذا المقال سوف أسلط الضوء
على عدد من هذه الاكتشافات والإنجازات الطبية، وسوف أتناول بشيء من التفصيل إثنتين
من هذه الاكتشافات الطبية والتي أراها مهمة نظرا لأنها تتعلق بأمراض يعاني منها المجتمع
العماني وسوف تكون في حال تطبيقها بشرى خير للمرضى ومصدر عون للعاملين في قطاع
الصحة في السلطنة.
نستهل المقال
بالموضوع الأبرز، ألا وهو علاج مرض السكري، حديث الساعة في الأوساط العلمية
والطبية. مرض السكري الموصوف بالقاتل الصامت يزداد إنتشارا. حيث تشير الإحصائيات
الرسمية إلى أن ما يقرب من 350 مليون شخص في العالم مصابون بمرض السكري، منهم 34
مليون شخص في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وحسب إحصائيات منظمة الصحة
العالمية فإن نسبة الإصابة بمرض السكري في سلطنة عمان بلغت 8% من مجمل السكان
بنهاية العام 2013 أي ما يقارب 150 الف حالة.
ولا شك أن هذه
الأرقام المهولة والمفزعة، دفعت العلماء والباحثين للإستماتة في سبيل إيجاد حلول
وعلاج لمرض السكري. فارتفاع نسبة السكر في الدم يؤدي إلى مضاعفات خطيرة قد تصل إلى
الوفاة بصورة غير مباشرة. ولهذا السبب عمل الباحثون في جامعة هارفارد على مدى 15
عاما متواصلة حتى استطاعوا تحويل الخلايا الجذعية لخلايا مشابهة للبنكرياس لتقوم بوظيفة
البنكرياس في حالة فشله ألا وهو إفراز الانسولين. وبموجب هذا الإكتشاف يتم حقن هذه
الخلايا في البنكرياس فتقوم باستشعار كمية السكر في الدم، وبناءً عليه تقوم بإفراز
الكمية المناسبة من الانسولين. وقد أختبرت هذه الخلايا على حيوانات التجارب وأثبتت
نجاحها، ولكنها بحاجة إلى بعض الوقت ليتم تطبيقها على الإنسان. الجدير بالذكر أن
المرضى المتوقع إستفادتهم من هذا العلاج في حالة نجاح تجربته على الإنسان هم مرضى
السكري بنوعه الأول.
إن نجاح هذا
العلاج على الإنسان في ما لو تحقق، سوف يؤدي إلى شفاء الملايين من البشر من مرض السكري
وبالتالي إنقاذهم من الموت البطيء الذي يسببه إرتفاع نسبة السكر في دم الإنسان وفي
الوقت نفسه تخلصهم من شبح إبرة الأنسولين اليومية. وغني عن القول بأن البشرية سوف
توفر مبالغ طائلة تنفقها الآن على علاج المرضى المصابين بالسكري من دواء واختبارات
ناهيك عن المبالغ والجهد الذي يصرف على علاج المضاعفات التي يسببها هذا المرض
للمبتلين به.
الأورام
الخبيثة، من منا يجهلها أو يجهل المصائب التي يعاني منها ضحاياها من البشر، ففي كل
يوم نسمع عن إكتشاف ورم خبيث من نوع جديد. وفي الحقيقة فإن هذه الأورام السرطانية
تشكل معضلة حقيقية للأطباء والباحثين نظرا لكونها متنوعة ونسبة الشفاء منها قليلة
على عكس بقية الأمراض المزمنة، وأثارها تبقى لفترة طويلة قد تمتد لنهاية عمره. كذلك
فإن علاج الأورام السرطانية يشكل عبئا إجتماعيا واقتصاديا كبيرا على الدولة
والمجتمع نظرا لإرتفاع تكلفة علاجه وطولها.
أحد أنواع
هذه الأورام هو الورم النقوي المتعدد (Multiple myeloma) الذي يصيب الخلايا البلاسمية
في الدم، وهي الخلايا المسؤولة عن الدفاع عن الجسم في حالة مهاجمة الفايروسات له. وبحسب
الإحصائيات الواردة من الولايات المتحدة الأمريكية فإن كل 6 اشخاص من 100 الف شخص
يصابون بهذا المرض سنويا، وتبلغ حالات الوفاة نصف هذا العدد، في حين أن معدل بقاء المصابين
بهذا المرض على قيد الحياة لـ5 سنوات قادمة بعد الإصابة بالمرض تبلغ 45% فقط.
وفي هذا
الصدد، أجرت عيادة مايو كلينيك (Mayo clinic)
الشهيرة تجربة على شخصين مصابين بالورم النقوي المتعدد، وذلك من خلال حقنهما
بفايروس الحصبة الذي يستخدم للتطعيم ضد الحصبة، وتم حَقن المريضين بكمية مركزة جدا
تكفي لتطعيم 100 مليون شخص. وقد استجاب المريضان لهذا العلاج، واختفت الخلايا
السرطانية، وشفي أحد المريضين من هذا المرض وبقي جسمه خاليا من الخلايا السرطانية
لمدة 6 أشهر. أما المريض الآخر فلم يستجب للعلاج تماما مثلما حدث للأول، ولكن
تدمرت أجزاء كبيرة من الخلايا السرطانية في جسده. ويُذكر أن المريضان لم يستجيبا
لأي علاج آخر يعطى في مثل هذه الحالات، مما أضطر بفريق البحث أن يجري هذه التجربة
عليهما.
ولا يزال
البحث مستمرا لمعرفة المزيد عن علاقة فايروس الحصبة بالأورام السرطانية، وكيف أثر
فايروس الحصبة على الخلايا السرطانية في الجسم. علما أن الاستنتاج الأولي من خلال
هذه التجربة هو أن فايروس الحصبة قد نبه خلايا المناعة في الجسم على وجود أجسام
سرطانية يجب مهاجتمها وتدميرها. وإلى الآن لا يمكن الجزم بأن الورم النقوي المتعدد
يمكن معالجته والقضاء عليه عن طريق الحقن بفايروس الحصبة، ولكن منطلق القول أن بداية الغيث قطرة، فقد يتمكن العلماء
بعد هذه التجربة من اكتشاف علاقة بعض الأورام الأخرى بفايروس الحصبة أو فايروسات
أخرى.
وجدت مجموعة
من العلماء في كلية الطب بجامعة هارفارد أنه بزيادة مادة NED في فئران التجارب التي تقدمت
بها السن، عاد عمل عضلاتها وهيكلتها الداخلية إلى ما كانت عليه سابقا. وبهذه
التجربة يريد العلماء معرفة مدى إمكانية تجديد عمر عضلات شخص في الـ60 من العمر وإعادتها
إلى عمر الـ20 عاما بتطبيق الأسلوب نفسه. نتائج هذه الدراسة إن نجح تطبيقها على
الإنسان فلربما تساهم في زيادة العمر الافتراضي له.
جاء في دراسة
نُشرت في صحيفة الجارديان البريطانية، أن علماء من الولايات المتحدة الأمريكية تمكنوا
من انتاج خلايا شبيهة بالخلايا المسؤولة عن الذاكرة في الدماغ وذلك عن طريق تحويل
الخلايا الجذعية بإضافة بعض المواد الكيميائية عليها. والمعروف أن الخلايا
المسؤولة عن الذاكرة والموجودة في الدماغ تموت أولا مع بداية مرض الزهايمر. كان
الهدف من هذه الدراسة هو معرفة مدى إمكانية زراعة هذه الخلايا في دماغ مريض
بالزهايمر، بالتالي التوصل إلى إيجاد علاج مناسب لمرض الزهايمر. وفيما يبدو أن
الفريق القائم بهذا البحث قد استنسخ عددا كبيرا من الخلايا، ولكن لا تزال إمكانية
زراعة هذه الخلايا في دماغ مريض بالزهايمر مستحيلة في الوقت الراهن وتحتاج إلى
مزيد من البحث والتجارب.
هل يمكن وضع
حد لمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز)؟ طُرح هذا السؤال المهم جدا في مؤتمر حول
مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) والذي أقيم في اتالانتا العام الماضي. وقد كان
الجواب مؤثرا عندما قالت الدكتورة ديبورا من جامعة جونس هوبكنس الأمريكية بأن
الإحتمال قائم بشكل كبير لوضع حدٍ لهذا المرض الخطير الذي قضى حتى الان على
الملايين من البشر. حيث ذكرت أن مستشفى جامعة جونس هوبكنس الإمريكي استطاع أن يقضي
على مرض الإيدز في طفل حديث الولادة كان المرض قد انتقل له عن طريق والدته المصابة
بالمرض ونتيجة عدم حصولها على الرعاية اللازمة أثناء فترة الحمل، لم يتمكن الفريق
الطبي من اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقاية الطفل من المرض أثناء الحمل. وبعد ولادة
الطفل قام الأطباء بحقنه بثلاثة أدوية مستخدمة في علاج مرض الإيدز خلال الـ30 ساعة
الأولى بعد الولادة، ولاحظ الأطباء بعد شهر من ولادة الطفل بأن عدد نسخ الفايروس
في جسم هذا الطفل وصلت إلى نسبة غير مقروءة بالجهاز. واستمر الأطباء في علاج هذا
الطفل لمدة سنتين ونصف السنة، حتى لاحظوا أختفاء جميع علامات المرض من جسم الطفل.
هذه
الاكتشافات والتجارب التي ذكرتها أعلاه هي غيض من فيض، ولا يتسع المجال هنا لذكر كل
ما توصل إليه العلم الحديث، ولكن يبدو أننا مقبلون على ثورة كبيرة في المجال الطبي
في السنوات القليلة القادمة خصوصا مع تطور التكنولوجيا وتطور أساليب البحوث وزيادة
نسبة نشر البحث العلمي في العالم.
نشرت في مجلة #شرق_غرب الثقافية العمانية في عددها السادس (يونيو-يوليو 2015).