2013/08/14

لمحة نظام من المانيا

لمحة نظام من المانيا

أصبح لي في جمهورية ألمانيا ما يناهز الشهر، وقد رأيت فيها ما لم أره بل ما لم أتخيله في بلادي سلطنة عمان أو أيٍ من الدول العربية التي زرتها. هنا في المانيا، التطور سريع جدا، كل شيء يتطور، البشر، العمران، المستشفيات، والطرقات وكل شيء، وتطورهم سريع جدا. كل شيء عندهم دقيق ومنظم، وكأنما كل شيء يتم عن طريق الآلات، فمثلا ما إن تدق الساعة التاسعة مساءً من كل يوم حتى تجد جميع المحلات التجارية والمطاعم قد أُغلقت جميعها إلا ما ندر. كما أن التنقل عندهم سهل يسير ولا يحتاج لأن نقف في زحمة روي أو الخوض أو الخوير.

وسوف أتحدث عن أكثر ما أعجبني في هذه الدولة بل ومعظم الدول الأوروبية، ألا وهو نظام النقل. في أوروبا لا وجود للسيارات الخاصة للنقل إلا نادرا على عكس ما يحدث في أغلب دولنا العربية، بل نجد الحافلات العامة، نظام الترامات، نظام الميترو ونظام القطارات البطيئة والسريعة، كما لا أنسى سيارات الأجرة وهي الوحيدة المتواجدة في سلطنة عمان. عند الحديث عن هذه الأنظمة والمسارات لا بد من ذكر كل منها على حدة حتى يأخذ كل نظام حقه من البيان.

في بداية الأمر يشتري الراكب بطاقة نقل يومية أو اسبوعية أو شهرية بمبالغ رمزية جدا، ويستطيع استخدامها في جميع وسائل النقل التي سوف يتم ذكرها.

بدايةً بنظام الحافلات، فإنها تتواجد بشكل مكثف عند كل محطة، وما بين كل محطة وأخرى مسافة 5 كيلومترات تقريبا، ولكن الأجمل من ذلك أن كل شيء يتم وفق نظام زمني دقيق، فعندما تصل إلى محطة الحافلات تجد لوحة الكترونية مكتوب عليها، بعد 5 دقائق ستصل الحافلة الذاهبة إلى المحطة (أ)، وبعد 7 دقائق ستصل الحافلة التي سوف تقل الراكبين إلى المحطة (ب) وهكذا، والمفاجأة أن بعد 5 دقائق تصل الحافلة الذاهبة إلى المحطة. تستقل الحافلة المتجهة إلى المحطة (أ)، وللعلم فهي المحطة النهائية التي سوف تقف عندها الحافلة، لتذهب بك إلى جميع المحطات في مسارها. وتجدر الإشارة إلى وجود شاشة صغيرة في الحافلة تخبر الركاب باسم المحطة التي تقف عندها لتكون على بينة ومعرفة من طريقة واتجاهك.

النظام الثاني هو نظام الترامات، نظام يشابه نظام الحافلات ولكنه يأخذ عددا أكبر من الركاب وله خط سير محدد، ويقف أيضا في محطات تبعد عن بعضها ما يقارب 1.5 كيلومترا، وعند كل محطة سوف تجد لوحة مكتوب عليها مواعيد وصول كل الترامات. في كل محطة سوف تجد ثلاثة أو أربعة مسارات للترامات وكل منها يذهب في اتجاه غير الآخر. في الترام يوجد نظام صوتي يخبرك بالمحطة التالية التي سوف يقف فيها الترام. الإيجابية في نظام الترامات هو عدم تأثره بالازدحام المروري في معظم الأحيان، وله اشارات ضوئية تحدد مساره في حال تقاطع مساره مع مسار السيارات والحافلات، كما أن هذا النظام لا يستخدم الوقود للعمل أبدا، بل يعتمد على الطاقة الكهربائية في حركته.

بالانتقال إلى النظام الثالث وهو نظام الميترو، نظام القطارات التي تسير تحت الأرض، فقد بُنيت لها أنفاق لتصل مختلف مواقع المدينة بعضها بالبعض الآخر، هي أسرع من الحافلات والترامات، ولكن ربما لا يمكن أن نستخدم هذا النظام في بلادنا لعدم وجود البنية التحتية الكافية لعمل مثل هذه الأنظمة، ولكن يمكننا أن ننشئ نظام ميترو فوق الأرض كما فعلت إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، مع توفير مواقف للسيارات بجانب كل محطة للترامات.

أما النظام الأخير فهو نظام القطارات، وهو النظام الذي يربط مدناً ببعضها البعض، وفيه مختلف أنواع القطارات، من حيث جودتها وسرعتها، فمنها ما هو بطئ وذلك للتنقل ما بين المناطق البعيدة في نفس المدينة أو مدن قريبة، ومنها ما هو سريع وذلك لإيصال الراكب إلى مدن بعيدة عن بعضها. وهنا لا يمكن اسخدام نفس التذكرة، فلابد من شراء تذكرة أخرى بمبالغ مختلفة، تختلف بحسب المسافة التي سوف تقطعها ونوع القطار المستخدم.

وهنا يُطرح سؤال مهم جدا للقائمين على مثل هذه المشاريع، وهو لماذا لا يتم توفير أنظمة النقل هذه والبداية بها في السلطنة، فإن وجود مثل هذه الأنظمة سوف يوفر فرص عمل للشباب من مختلف الفئات والقضاء على البطالة في بلادنا، سواء كان ذلك في وقت إنشاء هذه الأنظمة وأيضا بعد وجودها. الأمر الآخر الذي سوف يفيدنا وهو تقوية السياحة في السلطنة، حيث سيصل السائح إلى المناطق السياحية في السلطنة بوسائل نقل سريعة مع استخدام بطاقات النقل ذات أسعار رمزية، من دون الحاجة إلى المرور في الازدحام أو استئجار سيارة خاصة له.

كما أن هذه الأنظمة سوف تقلل من الازدحام المروري الذي يؤرق مضاجع الكثيرين ويؤخرهم عن أداء مهامهم، وهذا الأمر لا يحدث فقط في محافظة مسقط التي هي عاصمة السلطنة بل في مختلف محافظات السلطنة. مضافا إلى ذلك، فإن استخدام وسائل نقل مختلفة غير السيارات، فإنها تقلل من عدد حوادث المرور والتي تحصل بشكل يومي تقريبا في السلطنة، وتحصد مئات الأرواح البريئة كل يوم.

من جانب آخر، فإن مثل أنظمة النقل التي نتحدث عنها تحد من التلوث الناتج من عوادم السيارات والحافلات التي تستخدم الوقود، وذلك لأنها تستخدم الطاقة الكهربائية بدلا من الطاقة الناتجة عن احتراق الوقود، وتقليل التلوث لهو أمر مهم للبيئة والإنسان، وكم تحدثت الأقلام وتكلم المختصون عن مضار التلوث الناتج من احتراق الوقود والبنزين.

استمرارا بالحديث عن الوقود، فإن البترول لا بد له من النفاد عاجلا أم آجلا، وإذا ما نفد في بلادنا فما هي البدائل المتوفرة عندنا من أجل النقل، ولهذا لا بد من التفكير مليا في أنظمة نقل أخرى لا تعتمد على الوقود بشكل تام وإنما تعتمد على بدائل له من قبيل الطاقة الكهربائية أو الطاقة الشمسية في المستقبل، لأن هاتين الطاقتين من الطاقات التي لا تنضب وذلك لتحل محل أنظمة النقل التي تستخدم الوقود والبنزين من أجل عملها.

في الأخير، أتمنى من المسؤولين التفكير مليا في هذا الأمر، فإن له من الفوائد الكثير جدا، أكثر مما تم ذكره آنفا. والشكر للمسؤولين على عملهم الدؤوب في سبيل توفير سبل الراحة والتطور للمواطنين.



رضا بن عيسى اللواتي
مسقط – سلطنة عمان
نشرت في جريدة الرؤية بتاريخ 14/8/2013.
نشرت في صحيفة البلد الالكترونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق