الدروس الخصوصية .. ضررها أكبر من نفعها (1/2)
مع بداية كل عام دراسي جديد تعلن معظم الأسر حالة الطوارئ في منازلها، خصوصا تلكم الأسر التي ينتقل أبناؤها إلى الصف الثاني عشر أي امتحانات الدبلوم العام. وحيث إن حصاد هذه السنة الدراسية يحدد مصير الجهود التي يبذلها الطالب خلال الأحد عشر عاما التي تسبق هذا العام، يحبس أولياء الأمور أنفاسهم ويضعون أياديهم على صدورهم وهم يقضون هذا العام ما بين خوف وترقب وأمل وتفاؤل. ونظرا لمحدودية توفر الفرص الجيدة، وإن كان عددها في تزايد مستمر، وشدة المنافسة في ظل النسب العالية المطلوبة، يبتهل الجميع إلى الله سبحانه وتعالى لأن يكون ابنه أو ابنته من بين أولئك الذين سوف يوفقون في الحصول على فرصة الالتحاق بمؤسسة تعليمية مرموقة سواء في السلطنة أو خارجها. إلا أنه في الآونة الأخيرة برز تصرف غريب في الوسط الطلابي وأخذ يتنامى حتى أصبح يشكل ظاهرة يكاد أغلب الطلاب يتهافتون عليها، ألا وهي ظاهرة الدروس الخصوصية. هذه الظاهرة التي إلى جانب أنها تستنزف جيوب أولياء الأمور، فإن لها سلبيات أخرى كثيرة تكاد أن تلحق ضررا كبيرا بطبيعة النظام التعليمي في السلطنة.
الجدير بالذكر أن هذه الظاهرة لم تعد حكرا على الطلاب أصحاب المستوى المتوسط والمتدني، بل يلجأ إليها الطالب المُجيد أيضا، كما أنها عند البعض تغطي جميع المواد وبالأخص المواد العلمية. والحقيقة أن هذه الظاهرة ليست وليدة اللحظة، ولكن خطورتها تكمن في أنها آخذة في الانتشار المخيف ليس بين طلاب مرحلة الدبلوم العام فحسب بل أخذت تغري طلاب المراحل الأخرى دون هذه المرحلة. وللحقيقة فإنني لا أُبرئ نفسي من ممارسة هذا السلوك، فقد كنت أحد الذين لجأوا للدروس الخصوصية استعدادا لاختبارات الدبلوم العام، إلا أنني حينها لم أنظر إلى الأمر من جميع جوانبه، وإنما لم يتجاوز أفق تفكيري نتائج الاختبارات التي كنت أصبو إليها. ولكن بعد أن أصبحت في وضع يسمح لي بالنظر إلى الموضوع من مختلف جوانبه تبادرت إلى ذهني تساؤلات عدة: ترى ما هي أسباب ومبررات هذه الظاهرة؟ وما هي أسباب تزايد أعداد الطلبة الذين يلجأون لها؟ وما هي آثارها على العلاقة بين الطالب والمدرسة وكذلك المعلم؟ وما هي آثارها الاجتماعية والمادية على الأسرة؟ وما السبيل إلى محاربة هذه الظاهرة؟.
لوحظ أن هناك عدة أسباب تدفع بالطالب إلى الاستعانة بالدروس الخصوصية، فقد يكون السبب الرئيسي لذلك تدني مستوى الطالب في الفهم والاستيعاب والتحصيل لعوامل في ذاته أو ظروف أسرته أو بيئته، وقد يكون تدني مستوى المعلم وقدرته على توصيل المعلومة إلى الطالب سببا آخر لتفشي هذه الظاهرة. وتبدو هذه الأسباب مبررة إلى حد ما لكي يلجأ الطالب إلى الدروس الخصوصية، ولكن عندما تتحول هذه الحالة إلى ظاهرة ويلجأ إليها حتى الطلاب المجيدين، فإن الأمر يحتاح إلى مزيد من البحث والتمحيص، فقد تكون هناك عوامل أخرى تساهم في استفحال هذه الظاهرة.ولو رجعنا قليلا إلى الوراء، لوجدنا أن الجهات المعنية بنشاط التعليم في السلطنة كانت حتى وقت قريب تعتبر هذه الحالة غير قانونية وتحظر على المعلمين التورط فيها وتتوعدهم بأقصى العقوبات، لذا كانت العملية تتم بين المعلم والطالب بسرية تامة وكانت الحالات محدودة. ولكن يبدو الآن أن الجهات المعنية تغض الطرف عن هذا السلوك لحاجة في نفس يعقوب حتى تحولت إلى ظاهرة كما أسلفنا، لذا لا بد من إلقاء مزيد من الضوء على هذه الظاهرة، حيث كان الموضوع محل أخذ ورد بين المعلمين والطلاب والمسؤولين.
ففي حين يدافع الطلاب عن موقفهم قائلين إن المعلمين يحاولون إنهاء أجزاء كبيرة من المنهج في حصة واحدة، وبالتالي يمرون على محتوياته مرور الكرام ولا يسمح الوقت للطالب لمزيد من الاستيضاح والمشاركة، وبالتالي تنتهي الحصة فيما تبقى الاستفسارات التي لديه دون إجابة، فإذا لم يستعن الطالب بالمعلم الخصوصي فإن هذه التساؤلات سوف تتراكم مع مرور الأيام وتتحول إلى قنبلة موقوتة مع اقتراب موعد الامتحانات. أما المعلمون فلديهم أسبابهم لتبرير هذه الحالة، وإن كان بعضهم (وهم قلة) لا يشملهم هذا التبرير، حيث إن العلة فيهم من حيث السلوك والكفاءة والإخلاص.
ولو أمعنا النظر في المبررات التي يسوقونها لوجدنا أنها منطقية وتحتاج إلى حلول، فكثرة الإجازات في العام الدراسي تفرض على المدارس تقصير مدة الحصة الواحدة، ومع ارتفاع عدد الطلاب في الصف الواحد والذين تختلف قدرة الاستيعاب لديهم من طالب إلى آخر، لا تترك مجالا لمزيد من المناقشة والأخذ والعطاء بين الطالب والمعلم، لذلك فإن طول المنهج المقرر والذي على المعلم إنهاؤه كاملا تحت الظروف التي ذكرناها آنفا يزيد الطين بلة، فلا يبقى أمام المعلم سوى الإسراع والسباق مع الزمن لإنهاء المنهج، وفي كثير من الأحيان لا يبقى لديه وقت للمراجعة أو التدريب على حل أسئلة اختبارات السنوات السابقة.
أما المسؤولون عن التعليم فكان الله في عونهم، حيث يبدو أنهم في موقف لا ناقة لهم فيه ولا جمل، فليست عملية تعديل المناهج سهلة ولا السيطرة على تضخم الإجازات من صلاحياتهم. وبين هذا وذاك يجد الطالب نفسه لهذا السبب أو ذاك منقادا كالحمل الوديع إلى مقصلة الدروس الخصوصية، فيما ولي أمره يتبعه وهو يتحسس جيبه ليتأكد إذا ما كان قد تبقى فيه قرش أبيض لليوم الأسود.
الجدير بالذكر أن هذه الظاهرة لم تعد حكرا على الطلاب أصحاب المستوى المتوسط والمتدني، بل يلجأ إليها الطالب المُجيد أيضا، كما أنها عند البعض تغطي جميع المواد وبالأخص المواد العلمية. والحقيقة أن هذه الظاهرة ليست وليدة اللحظة، ولكن خطورتها تكمن في أنها آخذة في الانتشار المخيف ليس بين طلاب مرحلة الدبلوم العام فحسب بل أخذت تغري طلاب المراحل الأخرى دون هذه المرحلة. وللحقيقة فإنني لا أُبرئ نفسي من ممارسة هذا السلوك، فقد كنت أحد الذين لجأوا للدروس الخصوصية استعدادا لاختبارات الدبلوم العام، إلا أنني حينها لم أنظر إلى الأمر من جميع جوانبه، وإنما لم يتجاوز أفق تفكيري نتائج الاختبارات التي كنت أصبو إليها. ولكن بعد أن أصبحت في وضع يسمح لي بالنظر إلى الموضوع من مختلف جوانبه تبادرت إلى ذهني تساؤلات عدة: ترى ما هي أسباب ومبررات هذه الظاهرة؟ وما هي أسباب تزايد أعداد الطلبة الذين يلجأون لها؟ وما هي آثارها على العلاقة بين الطالب والمدرسة وكذلك المعلم؟ وما هي آثارها الاجتماعية والمادية على الأسرة؟ وما السبيل إلى محاربة هذه الظاهرة؟.
لوحظ أن هناك عدة أسباب تدفع بالطالب إلى الاستعانة بالدروس الخصوصية، فقد يكون السبب الرئيسي لذلك تدني مستوى الطالب في الفهم والاستيعاب والتحصيل لعوامل في ذاته أو ظروف أسرته أو بيئته، وقد يكون تدني مستوى المعلم وقدرته على توصيل المعلومة إلى الطالب سببا آخر لتفشي هذه الظاهرة. وتبدو هذه الأسباب مبررة إلى حد ما لكي يلجأ الطالب إلى الدروس الخصوصية، ولكن عندما تتحول هذه الحالة إلى ظاهرة ويلجأ إليها حتى الطلاب المجيدين، فإن الأمر يحتاح إلى مزيد من البحث والتمحيص، فقد تكون هناك عوامل أخرى تساهم في استفحال هذه الظاهرة.ولو رجعنا قليلا إلى الوراء، لوجدنا أن الجهات المعنية بنشاط التعليم في السلطنة كانت حتى وقت قريب تعتبر هذه الحالة غير قانونية وتحظر على المعلمين التورط فيها وتتوعدهم بأقصى العقوبات، لذا كانت العملية تتم بين المعلم والطالب بسرية تامة وكانت الحالات محدودة. ولكن يبدو الآن أن الجهات المعنية تغض الطرف عن هذا السلوك لحاجة في نفس يعقوب حتى تحولت إلى ظاهرة كما أسلفنا، لذا لا بد من إلقاء مزيد من الضوء على هذه الظاهرة، حيث كان الموضوع محل أخذ ورد بين المعلمين والطلاب والمسؤولين.
ففي حين يدافع الطلاب عن موقفهم قائلين إن المعلمين يحاولون إنهاء أجزاء كبيرة من المنهج في حصة واحدة، وبالتالي يمرون على محتوياته مرور الكرام ولا يسمح الوقت للطالب لمزيد من الاستيضاح والمشاركة، وبالتالي تنتهي الحصة فيما تبقى الاستفسارات التي لديه دون إجابة، فإذا لم يستعن الطالب بالمعلم الخصوصي فإن هذه التساؤلات سوف تتراكم مع مرور الأيام وتتحول إلى قنبلة موقوتة مع اقتراب موعد الامتحانات. أما المعلمون فلديهم أسبابهم لتبرير هذه الحالة، وإن كان بعضهم (وهم قلة) لا يشملهم هذا التبرير، حيث إن العلة فيهم من حيث السلوك والكفاءة والإخلاص.
ولو أمعنا النظر في المبررات التي يسوقونها لوجدنا أنها منطقية وتحتاج إلى حلول، فكثرة الإجازات في العام الدراسي تفرض على المدارس تقصير مدة الحصة الواحدة، ومع ارتفاع عدد الطلاب في الصف الواحد والذين تختلف قدرة الاستيعاب لديهم من طالب إلى آخر، لا تترك مجالا لمزيد من المناقشة والأخذ والعطاء بين الطالب والمعلم، لذلك فإن طول المنهج المقرر والذي على المعلم إنهاؤه كاملا تحت الظروف التي ذكرناها آنفا يزيد الطين بلة، فلا يبقى أمام المعلم سوى الإسراع والسباق مع الزمن لإنهاء المنهج، وفي كثير من الأحيان لا يبقى لديه وقت للمراجعة أو التدريب على حل أسئلة اختبارات السنوات السابقة.
أما المسؤولون عن التعليم فكان الله في عونهم، حيث يبدو أنهم في موقف لا ناقة لهم فيه ولا جمل، فليست عملية تعديل المناهج سهلة ولا السيطرة على تضخم الإجازات من صلاحياتهم. وبين هذا وذاك يجد الطالب نفسه لهذا السبب أو ذاك منقادا كالحمل الوديع إلى مقصلة الدروس الخصوصية، فيما ولي أمره يتبعه وهو يتحسس جيبه ليتأكد إذا ما كان قد تبقى فيه قرش أبيض لليوم الأسود.
نشرت في ملحق مرايا التابع لجريدة عمان في عددها الصادر بتاريخ 16/10/2014
وسوف يصدر الجزء الثاني من المقالة في الاسبوع المقبل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق