أسبوع الوحدة الإسلامية .. بين الأمل والألم
لا يخفى على الصغير فضلا عن الكبير، ولا على الجاهل فضلا عن العالم ما آلت إليه
أمور المسلمين وتشتت شملهم وتفرقهم، وهذا الكلام ليس بحاجة إلى بيان أو تفصيل. فما
نشاهده اليوم على الساحة لهو كفيل بأن يضع الأمور في نصابها ويبين للعالم أن أمة
'كنتم خير أمة أخرجت للناس' أصحبت أمة سيئة بل لا أبالغ إن قلت أسوأ أمة أخرجت
للناس.
ولأجل أن تعود مكانة المسلمين إلى سابق عهدها، اجتهد العديد من العلماء
والمفكرين، وبرعوا في أفكارهم وكتاباتهم وأطروحاتهم. وعمل الكثير منهم لتوطيد
العلاقات بين شعوب الأمة الإسلامية، وساهموا كثيرا في درء الفتن والمخاطر عن
المسلمين بعملهم وأرائهم السديدة والصحيحة. ولعل من أبرز مفاهيم هذا الإبداع وهذه
الأطروحات هو 'أسبوع الوحدة الإسلامية' الذي نادى به السيد الخميني مؤسس الثورة
الإسلامية في إيران.
عندما رأى السيد الراحل أن الطوائف الإسلامية اختلفت في
رواياتها وتأكيدها لتاريخ مولد النبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم، فكانت الأولى
في 12 من شهر ربيع الأول والثانية في 17 من شهر ربيع الأول، وحتى تبدأ وحدة
المسلمين من إختلافهم هذا، ويكون إختلافهم في تحديد تاريخ المولد النبوي الشريف
مبعثا لائتلاف المسلمين ووحدتهم، كانت له أطروحة 'أسبوع الوحدة الإسلامية' وهي في
الحقيقة رؤية بسيطة في مبدئها ولكنها عميقة في فكرها وبعدها الثقافي
والديني.
وقد كان هذا الأسبوع منارا للمسلمين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم،
ومحطة تلاقٍ بين أبناء الدين الواحد، ونقطة التقاء فكري وتعايش سلمي حضاري فيما
بينهم. قد لاقت هذه الفكرة فيما بعد وإلى الآن رواجا في مختلف الدول الإسلامية بل
والدول العالمية أيضا، فهاهي الندوات والمؤتمرات تُقام في كل عام وفي أكثر من بقعة
من أرجاء هذه المعمورة، ويشارك فيها المسلمون بمختلف مدارسهم العقائدية والفكرية،
بل ويعرضون أطروحاتهم الفلسفية والفكرية لمناقشتها وأخذ ما يفيد المسلمين ويعمل على
توحيدهم.
ولكن السؤال الأهم، هل حقق 'أسبوع الوحدة الإسلامية' المطلوب منه، وهل
كان السيد الخميني يهدف إلى إقامة الندوات والمؤتمرات فقط؟ أم كان يهدف إلى أمر
أبعد وأخطر من ذلك بكثير؟ في الحقيقة، إن الجواب على هذا السؤال مؤلم حقا، فما كان
يطمح إليه السيد الخميني أبعد من مجرد إقامة الإحتفالات وعقد الندوات وتجمع
المسلمين في مكان واحد لطرح أفكارهم وأراءهم. كان السيد الخميني يطمح - وهو طموح كل
مسلم غيور - إلى إعلاء شوكة المسلمين ورايتهم وأن يستطيعوا مواجهة أمواج الحياة
المادية المتلاطمة وأمواج الفكر الدخيل على مجتمعنا، بل والأكثر من ذلك، كان طموحه
هو 'القدس' وعودتها إلى أحضان الأمة الإسلامية.
هذا الطرح العميق من السيد الخميني
في جعل الإحتفال بالمولد النبوي الشريف أسبوعا كاملا عوضا عن إحتفال كل طائفة
باليوم الذي أثبت فيه علماءها تاريخ ولادة النبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم
لهو من الفلسفات العميقة، فالإيمان بنبوة النبي المصطفى - صلى الله عليه واله وسلم
- هو الأساس في الدين الإسلامي بعد التوحيد، وتذاكر سيرته ودراستها بحذافيرها بما
يتناسب مع متطلبات العصر والظروف الراهنة أمر مهم للغاية، فهو الذي ضحى بكل ما يملك
وقد عُرض عليه الجاه والمال والسلطان وعُرضت عليه الدنيا آنذاك، ضحى بكل شيء ليقوم
هذا الدين وتقوى شوكة المسلمين وتتحد رايتهم تحت راية واحدة خفاقة، تخوض بها بحار
ملذات الدنيا والأفكار الشيطانية والفكر الغربي المادي البحت. ولو كان بيننا الآن
ورأيناه بشخصه لكان حزنه على ما آلت إليه أمته كبيرا جدا، ولعتب علينا لما وصلنا
إليه من حال.
وختاما، إن أسبوع الوحدة الإسلامية يحيى في نفوس المسلمين الأمل في
الوصول إلى غاية عُظمى وأمنية سامية عالية تهفو إليها القلوب، ولكن الأمر الواقع
يبعث على الألم والحسرة والتأسف على الواقع المر الذي نعيشه. وكم أتمنى أن يكون
'أسبوع الوحدة الإسلامية' منطلقا إلى ما هو أبعد من ذلك، إلى سنوات من الوحدة
الإسلامية بل قروناً من الوحدة الإسلامية، وهذا ما طمح إليه السيد الخميني من
أطروحته الخالدة 'أسبوع الوحدة الإسلامية.
رضا بن عيسى اللواتي
مسقط - سلطنة عمان
مسقط - سلطنة عمان
جريدة القدس العربي
تاريخ ٥/٢/٢٠١٣
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق