2013/11/24

وللحكاية الأولى تتمة

وللحكاية الأولى تتمة


تمضي الأيام وأنا اتدرب في المستشفيات لتحقيق حلم طال انتظاره، وكعادتي أذهب إلى المستشفى لقضاء الوقت مع المرضى في أيام الإجازة الاسبوعية، حتى اتمكن من معرفة تاريخهم المرضي ومعاناتهم بشكل يومي. وبينما أنا اتابع حالة أحد المرضى، فاجأني أحد أقاربه قائلا: "دكتور، عندي سؤال عن حالة أخي المرضية، فهل لك أن تخبرني بخفاياها". أجبته كعادتي في مثل هذه المواقف "إنني ما زلت طالبا ولا أستطيع الإجابة على تساؤلاتك ولكنني سوف استشير أحد الأطباء المناوبين هذا اليوم". ذهبت إلى غرفة الأطباء وشاهدت طبيبا – أجنبيا - يقوم بعمله في تلك الأثناء، قدمت له التحية وعرفته بنفسي ثم أخبرته: "دكتور أخ المريض الفلاني .....". قاطعني الطبيب وقال لي بعصبية:" أنا هنا لأن لدي بعض الأعمال لأنجزها، اليوم ليس يوم مناوبتي، فلا تسألني عن أي مريض، لا أعلم عنهم شيئا"، وأكمل عمله كأن شيئا لم يكن. أما أنا فبقيت صامتا لا ألوي على شيء. ذهبت إلى الرجل وأخبرته بأن الطبيب مشغول وأنني سوف أبحث عن طبيب آخر ليشرح لك حالة أخيك.

لقد تعلمنا منذ الأيام الأولى لنا في كلية الطب بأن للمريض وأهله حق في معرفة تفاصيل المرض، وأن احترام المرضى وكذلك احترام زملاء المهنة واجب أيضا، وكذلك أخبرونا وكانوا يزرعون في أنفسنا أن نضحي بما نملك من أجل أن نلبي حاجة مريض أو نجيب على سؤال قد تبادر إلى أذهان هؤلاء الأقارب. لكن هذا الطبيب باسلوبه القاسي قد نسف كل هذا وتركه هباء منثورا. لحسن الحظ أن هذا لم يكن أمام المريض، ولحسن الحظ أنني لا زلت اعتقد أن هذا الأسلوب ما هو إلا أسلوب شاذ غريب عن أساليب وطرق بقية الأطباء، وأنهم – وبحمد الله – لهم أساليب أفضل في التعامل مع المرضى.

وعلى النقيض من هذا الموقف، كنت ذاهبا إلى المستشفى صباح أحد الأيام وللأسف كنت متأخرا بعض الشيء، وصلت إلى القاعة التي يُعقد فيها الاجتماع الصباحي لجميع الأطباء، ولكني لم أجد أحدا هناك، سألت الممرضات في القسم، فأجابتني أحدهم:" إن حادثا مروعا وقع صباح اليوم وتم نقل جميع المصابين إلى هذا المستشفى، وقد ذهب أغلب الأطباء لقسم الطوارئ للمساعدة هناك". التضحية عند هؤلاء الأطباء وصلت بهم إلى أن يذهب الجميع لانقاذ مصابين بسبب حادث سير، ذهبوا إلى هناك لمساعدة أطباء الطوارئ والعمل معهم بروح أخوية وكفريق واحد لانقاذ ما يمكن انقاذه. ولم يقل أحدٌ منهم إن اليوم ليس يوم مناوبتي أو لا استطيع، الكل ذهب ليقدم المساعدة، وهذا ما تعلمته منذ أيامي الأولى في كلية الطب. للإشارة فقط، فإن حوادث السير تتضاعف يوما بعد يوم، وكم اتمنى أن يكون لنزيف الدم الذي يتكرر كل يوم وكأننا في حرب شعواء مع أنفسنا، أن يكون له نهاية.

أستمر في التدريب كل يوم وأتعلم في كل يوم معلومة جديدة، سوف تساعدني هذه المعلومة بالتأكيد في خدمة المرضى مستقبلا. ولكن ما أتعلمه بشكل أكبر هو كيفية التعامل مع المرضى، الحديث معهم، شرح الحالة المرضية للمريض نفسه، كل ذلك برفقة الطبيب المسؤول. يصحح لي أخطائي، ويرشدني إلى الطريق السليم لإيصال المعلومة الكاملة بالطريقة المناسبة من دون أن اتسبب في الأذى للمريض؛ لكي ينطبق عليَّ المثل القائل "الرجل المناسب في المكان المناسب".




رضا بن عيسى اللواتي
مسقط - سلطنة عمان
نُشرت في مجلة "نبض" - كلية الطب والعلوم الصحية
جامعة السلطان قابوس
لقراءة الحكاية الأولى إضغط هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق