لو أن فاطمة بنت محمد
إن لفاطمة الزهراء الحوراء الأنسية سلام الله عليها مقاما عاليا جدا، فقد ظهرت مناقبها وفضائلها وكراماتها منذ ولادتها عليها السلام، إضافة إلى أن النبي صلى الله عليه واله وسلم لم يألوا جهدا في الحديث عن بضعته وحبيبته فاطمة الزهراء سلام الله عليها. وقد نعجز الآن عن إدراك مناقبها الجمة وفضائلها الكثيرة وكراماتها الباهرة، ولكن أن لا يستطيع من عاصرها وعاش في زمانها إدراك كنه حقيقتها فإن ذلك شيء عجيب، على الرغم من تواتر الأحاديث النبوية الشريفة التي تتحدث عن كرامات هذه المرأة الجليلة القدر الرفيعة المنزلة.
وهذا واحد من أهم كتبهم يروي حديثا عن النبي الاكرم صلى الله عليه واله وسلم يوضح الحقيقة العالية لابنته الزهراء عليها السلام وهو قوله صلى الله عليه واله وسلم: “فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني” [صحيح البخاري 3/1144]. وليس رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يعطي الامتيازات لمن شاء، بل هو يعطيها لمن يستحقها. وقد رووا حديثا عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بأن: “أول من يدخل الجنة فاطمة” [كنز العمال ١٢:١١٠ / ٣٤٢٣٤] ولا أجد حديثا أفضل من هذا لبيان منزلتها وخصوصيتها، وما ذكرته هنا هو غيض من فيض، ولا سبيل إلا للاختصار.
لعمري، كيف لم يستطع القوم معرفة الحقيقة الجلية الواضحة لفاطمة الزهراء عليها السلام، وكيف غابت عنهم أنوار هذه الشمس الساطعة في وضح النهار، وكيف قام هؤلاء بظلم الزهراء عليها السلام. حيث أن مظلوميتها سلام الله عليها لم تكن وليدة الحقبة الزمنية التي تلت استشهاد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إلى حين استشهادها هي سلام الله عليها فحسب، بل ولم تكن مظلوميتها في غصبها فدكا أو إسقاط جنينها المحسن سلام الله عليه فقط، ولكن مظلومية بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كانت ابتداءً من عدم معرفة القوم بحقها وقدسيتها عليها السلام.
عودا على بدء، فإن هؤلاء القوم لم يكتفوا بما فعلوه بها فقط، بل قاموا بقتل وتشريد وذبح كل من ينتمي إلى فاطمة الزهراء سلام الله عليها نسباً أو ولاءً لها ولأهل بيت النبي صلى الله عليهم وسلم، ثم قاموا بسبي بناتها وقتل أطفالهم. ثم تنحية العترة الطاهرة من نسل فاطمة الزهراء عليها السلام عن كل أمور الدين والدنيا، وتغييب الحقائق عن أعين الناس بعد ذلك، ومن ثم إنكار مناقبها عليها السلام.
أما ما يُجري الدمعة ويُؤلم النفس، فإن المسلمين قد أصبحوا – ونحن في العصر الرابع عشر للهجرة النبوية الشريفة – لا يعرفون غير حديث واحد يتحدث عن فاطمة الزهراء عليها السلام، ولو سألتهم عن فاطمة الزهراء عليها السلام لأجابوك بحديث واحد: “وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها” [صحيح البخاري: رقم الحديث 6788]. ولست هنا في صدد البحث في هذا الحديث الذي لم تروه كتب الشيعة قط، فقد كتب فيه بعض علماءنا وتحدث عنه آخرون.
لم يعرف المسلمون عن فاطمة الزهراء عليها السلام غير هذا الحديث، ولم تهتم الجهات المعنية بتعليم أطفالهم وشبابهم عن الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام أبدا، ولم يتحدثوا في خطبهم ومن على منابرهم عن حياتها وعلمها. ولنا في خطبتها الفدكية دليلا بالغا على غزارة علمها وفقهها، وهنا أقول ليس من المهم أن يخبروا الناس بكامل خطبتها، فإن فيها ما يكشف الكثير من الخفايا والأسرار التي ما فتئوا يخفونها عن أعين العامة من الناس، ولكن يحدثونهم عن كلامها في التوحيد، وهم كما يسمون أنفسهم دعاة للتوحيد، ففي خطبتها الفدكية أسرار التوحيد وعلومه، ولو أخذوا بها لاستغنوا عن غيرها.
كما أنهم لم يتحدثوا عن عبادتها سلام الله عليها، ولم يتحدثوا عن حب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لها، وأخفوا من الأمور الكثيرة جدا، ما لو عرفها الناس لوضعوا فاطمة الزهراء عليها السلام في منزلتها التي اختارها الله لها، ولم يهملوا جانبا مهما جوانب العقيدة الحقة.
فأي مظلومية أعظم من إخفاء حقيقة فاطمة الزهراء عليها السلام عن الناس، وعدم اخبارهم بالحقائق وإخراجها للعلن، ولماذا لا يتحدث مشايخ القوم عن فضائل فاطمة الزهراء عليها السلام ولا يخبرون عامتهم بحقيقتها؟ رغم امتلاء صحاحهم ومسانيدهم بفضائلها عليها السلام. ولكن “وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ” [التوبة:32].
نشرت في مدونون
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق