2012/03/25

فكر .. لأجل عُمان


فكر .. لأجل عُمان

في كل صباح ومع قرائتي لأخر أخبار السلطنة، أتوقف بضع لحظات على الأخبار المتعلقة بحوادث المرور، فأجد أن نزيف الدم لا يزال مستمرا، وأن الضحايا من مختلف الفئات العمرية وأكثرهم مما لا ذنب لهم في وقوع الحادث وإصابتهم أو وفاة أحدهم سوى أنهم وقفوا أمام طيش الشباب، أو خطأ سائق شاحنة، وربما سرعة جنونية أودت بحياة صاحبها وغيره. ومع استمرار نزيف الدم هذا، فإن بلادنا الحبيبة تفقد طاقات مهولة قد تساهم يوما ما في تطور النهضة العمانية وصنع مستقبل أفضل لغد مشرق لأبناءنا الأعزاء، ولكن شاءت الأقدار أن يفقد المرء أهله كلهم في لحظة طيش أو قلة وعي.

لا أريد الحديث عن الإحصائيات والأرقام المهولة من الإصابات والوفيات التي تدمي القلوب من جراء هذه الحوادث، ولكن لأجل إيصال فكرة متواضعة عن ما يحدث أضع بين يديكم أحدث إحصائية حصلت عليها وأكتفي بها ألا وهي إحصائية بداية العام 2012 والتي هي بنفسها كفيلة بالحديث عن ما يحصل في أرضنا الحبيبة حيث بلغ عدد الحوادث في الفترة ما بين 1/1/2012م – 5/2/2012م قرابة 700 حادث أودى بحياة 81 شخصا وإصابة أكثر من ألف شخص. هل نحن في حرب عالمية شعواء، أم أننا في العراق أو أفغانستان ونحن لا ندري؟. هل أن الأمان الخارجي الذي نعيشه جعلنا نعيش في حرب مع أنفسنا، حيث يقتل الرجل أخاه في الوطن، ويقتل المرء أهله وأطفاله بسبب حادث سير.

كثرة الحوادث وقلة الحلول التي من شأنها أن تخفف من وطأة ما يحدث، تؤدي بنا إلى مهالك عظيمة وتهدر طاقات جبارة تستطيع بسواعدها الفتية أن تبني نهضةً وتساهم في تكملة ما تم بناءه. ولكننا نجد هدرا عظيما لهذه الطاقات بإنعدام "ثقافة الطريق" عند السائقين سواء اكانوا من المواطنين أو الأجانب، حيث نجد أن الكثير منهم يتعامل مع الطريق وكأنه لا يوجد بها أحد سواه واستذكر هنا مقولة لأحدهم حين قال لي عن "ثقافة الطريق" الخاصة به:" إذا أردت أن تقود بأمان في الطريق فعليك أن تفكر في أن الجميع مجانين وأنك الوحيد العاقل". ربما تكون هذه الثقافة صحيحة إلى حد ما، وتساهم بشكل كبير في الحد من حوادث المرور إن تمكن ذلك السائق من أن يقود سيارته بحذر وتأنٍ، مبتعدا عن ما يسبب إثارة طيش الشباب أو المشاكل المرورية مع الآخرين. وربما إن تمسك بعض السائقين بهذه الثقافة سيؤدي ذلك إلى انخفاض عدد الحوادث بشكل كبير. لذا أقول إن أهم ما يجب علينا أن نعمل عليه في الوقت الراهن هو تثبيت "ثقافة الطريق" في نفوس السائقين.

بالإضافة إلى ذلك، فإن عملية إنشاء ورصف الطرق يجب أن تكون وفقا لأحدث وأفضل المقاييس والمعايير العالمية. ولا ننكر هنا ما تقوم به الجهات المعنية من عمل جبار لخدمة الوطن والمواطن. أما عن جانب التوعية المرورية وهو الذي يجب أن يأخذ الحيز الأكبر من العمل في الوقت الراهن، حيث يجب أن تكون البداية من المدارس من خلال تعليم أبناءنا الطلاب "ثقافة الطريق"، وإقامة المحاضرات والحصص التربوية التي تعلمهم هذه الثقافة، وإضافة هذه الثقافة إلى مناهج الطلاب لتقدم لهم دروسا وعبرا لمستقبلهم. وأحب أن أنوه هنا إلى معهد السلامة المرورية الذي أقامته شرطة عمان السلطانية من أجل توعية طلاب المدارس في المراحل الدنيا وتعريفهم بهذه الثقافة الهامة في حياتهم المستقبلية. إلى جانب ذلك، فعلى الجامعات والمعاهد استحداث مناهج خاصة لتعليم طلابها أساليب حماية أنفسهم وغيرهم من حوادث المرور، وإقامة الندوات والمحاضرات التوعوية في هذ المجال.

ولمّا كان للإعلام الدور البارز في حياة الشعوب، فإنه من الواجب على الإعلام العماني التدخل للوقاية من هذه الظاهرة الأليمة، حيث يجب إقامة الندوات الإجتماعية وبثها على الإذاعة والتلفاز لتستفيد أكبر شريحة من المجتمع من هذه الندوات لتكون وسيلة هامة للحد من تكاثر الوفيات والإصابات نتيجة لمثل هذه الحوادث. من جانب آخر، فإن إقامة البرامج التوعوية ورصد الأخطاء المرورية ضرورة ملحة لتوعية الناس في كيفية تفادي الأضرار الناتجة عن الأخطاء المرورية والحوادث القاتلة. ومع ذلك كله، فإني أتوجه بالشكر الجزيل لما يقوم به الإعلام العماني من محاولات توعوية - وإن كانت على استحياء – للوقاية من الحوادث المرورية.

ولأن الإنسان هو محور عملية التنمية، وهو الأساس في تطور المجتمعات، فإن عليه مهمة جسيمة للحد من حوادث المرور. فيجب على المواطن والمقيم على حد سواء العمل على تنمية "ثقافة الطريق" في أنفسهم، فقد أولاها الإسلام إهتماما بالغا حيث أشارت إليه بعض الآيات القرآنية من قبيل قوله تعالى:" سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون" وصرحت به بعض الأحاديث الشريفة كقوله (ص):" إماطة الأذى عن الطريق صدقة". وما أشد حاجة مجتمعنا إلى إماطة الأذى عن الطريق ومعناه في أيامنا هذه هو الإلتزام بالقواعد المرورية وعدم التهاون في تطبيقها، وتعليم أبناءنا وبناتنا "ثقافة الطريق"، حتى لا نكون في يوم من الأيام كقوله تعالى:" من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل النّاس جميعاً".

وقد قامت كلية الطب والعلوم الصحية بجامعة السلطان قابوس مشكورة ببادرة طيبة، حيث أنشأت حملة طلابية توعوية بعنوان "فكر .. لأجل عُمان"، هدفها الأساسي والوحيد هو وقف نزيف الدم الذي لا زال يؤرق مضاجعنا. وأنهي مقالتي بهذه المعلومة، حيث وصلت نسبة الوفيات جراء حوادث المرور في عام 2010م في دولة السويد إلى الصفر (0)!، وضع ألف خط أحمر تحت (صفر). فهل نملك أن نكون مثل هؤلاء، أم أن "ثقافة الطريق" لا نعرفها ولا يمكن أن تكون في يوم من الأيام جزءا من ثقافتنا وخليطا مع ما نعلمه لأبناءنا وبناتنا؟.


رضا بن عيسى اللواتي
مسقط - سلطنة عمان

2012/03/05

هل أمة إقرأ لا تقرأ بالفعل ؟


هل أمة إقرأ لا تقرأ بالفعل؟


نعيش هذه الأيام في ظلال أكبر فعالية ثقافية في سلطنة عمان، ألا وهي معرض مسقط للكتاب. كم ينتظر عشاق الكتاب هذه الفعالية الكبرى، وللأسف هي لا تُقام إلا مرة واحدة كل عام وهذا قليل بحق هؤلاء المثقفين. كنت أقرأ قبل أيام في الصحف المحلية عن زيادة عدد دور النشر في هذه النسخة من المعرض، فاستبشرت خيرا بهذا الخبر الرائع بالفعل، ورأيت أنه هذا القرار ذو فائدة كبيرة على المثقفين في السلطنة، حيث سيتمكن هؤلاء من تنويع مصادر ثقافتهم. ولكن هل يزداد عدد هؤلاء المثقفين والقراء في كل عام، أم تنطبق علينا مقولة "أمة إقرأ لا تقرأ"؟

نحن أمة إقرأ، وأول ما نزل على رسولنا الكريم (ص) كانت أية "إقرأ باسم ربك الذي خلق"، فهل نحن كذلك، هذه الأسئلة لابد أن نحصل على إجابة لها، فتطور الأمم ونهوضها ما هو إلا بثقافتها وثقافة أبناءها. ولن يتطور العقل المودع في بني آدم إلا بالقراءة ثم القراءة. وفي مثل هذه الفعاليات الثقافية العالمية حري بنا أن نبحث عن اجابات لمثل هذه الاسئلة، لنُقيم مدى تطورنا الثقافي والحضاري بين الأمم التي ما فتئت تتطور يوما بعد يوما وجيلا بعد جيل.

كما يتحرق الكثيرون لحضور الندوات الأدبية والثقافية التي تُقام على هامش فعاليات معرض مسقط للكتاب، فهذه الندوات لها فوائد كثيرة حيث تصقل امكانيات المرء وتطور من مواهبه الأدبية وتزيد من ثقافته؛ وذلك عن طريق الإحتكاك المباشر بأفضل من أنجبتهم الساحة الثقافية والأدبية في المنطقة. كما يمثل المعرض فرصة كذلك لانتقاء الكتب الأدبية والثقافية وبعضا من الكتب الدينية، ومناقشتها مع جملة من الأصدقاء المثقفين لإستخلاص أكبر فائدة من هذه الكتب.

وفي الأخير، أتمنى - وربما تكون نفس هذه الأمنية لكثير من المثقفين والأدباء – أن تُقام مثل هذه الفعاليات العلمية الثقافية أكثر من مرة في العام وفي أماكن مختلفة في السلطنة وأن لا تكون حكرا على محافظة مسقط حتى يتمكن الجميع تحقيق الاستفادة القصوى من هذه المعارض. كما أتمنى أيضا أن يبحث المسؤولون عن امكانية إنشاء مكتبة عامة لتوفير أحدث أنواع الكتب المطروحة على الساحة، بالإضافة إلى إقامة ندوات ثقافية وعلمية في تلكم المكتبة وكلي ثقة في نظرة حكومتنا الرشيدة لحاجتنا إلى مثل هذه المكتبات.


رضا بن عيسى اللواتي
نشرت في جريدة الرؤية العمانية ليوم الإثنين بتاريخ 5/مارس/2012