2021/09/24

ملحمة الطف الخالدة

ملحمة الطف الخالدة

ملحمة الإمام الحسين عليه السلام في سنة ٦١ للهجرة لم تكن مجرد حرب بين فئتين غير متكافئتين، أو صراعا بين قبيلتين، أو معارضة سياسية أو كما يُروج البعض بأن الإمام الحسين عليه السلام كان يريد السلطة السياسية.

كانت هذه الملحمة منذ بدايتها وأعني بذلك منذ أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله عنها منذ ولادة الإمام الحسين بن علي عليه السلام في سنة ٣ للهجرة. هي حركة قيام وثورة - سمها ما شئت - حركة تغيير للأمة الإسلامية مرتبطة بالدين نفسه ولولا ذلك لما أخبر النبي صلى الله عليه وآله عنها!

فلمَ يتحدث النبي صلى الله عليه وآله منذ ولادة الإمام الحسين عليه السلام عند قضية مقتله في كربلاء ويذكر على ذلك علامات ودلالات! بل لم يفوت النبي صلى الله عليه وآله أي فرصة دون الحديث عن هذا الأمر.

حتى إذا ما شارفت سنة ٦٠ للهجرة النبوية على الانتهاء، حمل الحسين عليه السلام أهله وعياله وبعض أصحابه وأنصاره واتجه إلى مكة المكرمة وأعلنها مدوية أنه يقف في وجه الظلم ووجه تغيير الدين، في وجه كل طاغية متجبر حتى قال ليكون مثالا لكل أحرار العالم: "ومثلي لا يبايع مثله".

ولما أن خرج يوم التروية من مكة المكرمة حيث يفد الحجيج إليها، أعلن لكل العالم أجمع أنه لو استمرت تلكم الطريقة فلن يكون لحجكم أو صلاتكم أو صيامكم أي معنى بل ستكون مجرد حركات تقومون بها، وتوجه إلى بيته الأبدي كربلاء.

ولما أن صار يوم عاشوراء، كان كل شيء ينظر لهؤلاء النفر الأبيض منهم والأسود، الحر والعبد، المسلم والنصراني، الصغير والكبير، الطفل والشاب والشيخ، الرجل والمرأة، ٧٠ رجلا وعدد من النساء والأطفال يقودهم الإيمان والإسلام المحمدي كله متمثلا في الحسين بن علي عليه السلام ضد كل الشر والكفر والنفاق والإسلام المنحرف.

نعم، لقد كان خط الإسلام المحمدي العلوي في وجه الإسلام المنحرف، إسلام هوى النفس، إسلام الطغاة، ودليل ذلك أنه عليه السلام أوقف الحرب حتى يصلي هو وأنصاره في أول وقت الصلاة كما كان أبوه أمير المؤمنين عليه السلام يفعل ففي ليلة الهرير عندما قام للصلاة وسأله الناس هل هذا وقت الصلاة أجاب علام نقاتلهم؟. نعم لقد حارب الحسين عليه السلام تلك الفئة من أجل إقامة ما اعوج من الإسلام. 

لقد تجسدت في تلكم السويعات، كل أنواع الإيمان والتضحية والفداء والبذل والحهاد في سبيل الله من كل من كان في معسكر الحسين عليه السلام، ضحى الموجودون في ذلك المعسكر من أجل أن يبقى الإسلام الذي جاء به رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ليبقى هذا الخط مرسوما ممتدا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

كانت ملحمة العشق، والذوبان في حب الله تعالى، وتصديقا لرسوله المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإيمانا ويقينا بالقائد الحسين بن علي عليه السلام، حتى قال قائلهم: "أكلتني السباع حيا إن أنا تركتك" وقال أصحابه وفدائيوه وأهله مثل هذه المقولات العظام ما قالوا.

لقد تركت لنا كربلاء نموذجا واقعيا لكل الصفات الحميدة والخصال الحسنة، وأبقت لنا كربلاء وأبقى لنا ظهر عاشوراء خط الإسلام المحمدي الأصيل، ووصل إلينا خاليا من الشوائب ونقيا طاهرا، ولولا ذلك لكنا الآن لا نعلم من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه.