2012/11/30

بين كربلاء وغزة .. حكاية لا تنتهي



          تمضي الدهور والأزمنة ولا تزال ذكرى كربلاء عالقة في أذهان المسلمين، بل ويتفاعل معها غيرهم من معتنقي الديانات الأخرى، وذلك لأن هذه الواقعة حملت جانبين مهمين ألا وهما الجانب العاطفي والإنساني والجانب الأخر وهو المهم في حديثنا وهو جانب المقاومة ورفض الظلم والعدوان والعمل على إصلاح الأمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وبواقعة كربلاء فإن كثيراً من القواعد العملية والأسس المهمة لعملية المقاومة قد أسستها هذه الواقعة المهمة والمفصلية في تاريخ الأمة الإسلامية. وبفضل هذه المقاومة وهذه الثورة قامت ثورات عديدة ومقاومات للظلم والعدوان بعد واقعة كربلاء ولا تزال مستمرة إلى يومنا هذا.

         إن قضية كربلاء  وثورة الحسين بن علي حفيد الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم لم تكن من أجل كرسي رئاسة أو ملك زائل، بل كانت نهضةً من أجل مقارعة الظلم والعدوان ولإحقاق الحق ودحض الباطل وفي ذلك يقول الحسين بن علي:" إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالما ولا مفسدا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي ابن أبي طالب". وسيرة النبي صلى الله عليه واله وسلم وأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب معروفة لدى القاصي والداني. ولذا فإن مقاومة الحسين للظلم كانت نموذجا يُحتذى به في الثورات والنهضات التي لحقت واقعة كربلاء، ولا تزال نهضة الحسين بن علي أهم النماذج التي سطرها لنا التاريخ فيقول الزعيم الهندي غاندي إبان الإحتلال على الهند:" إذا أرادت الهند أن تنتصر فعليها الإقتفاء بسيرة الحسين"، وقال في بعض خطبه:" علمني الحسين كيف أكون مظلوما فأنتصر".

          ونجد أن المستشرقين فضلا عن العرب والمسلمين قد تحدثوا عن مقاومة الحسين بن علي للظلم والعدوان وأن مراده كان إعلاء راية التوحيد وإعلاء الدين الإسلامي فقال المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون:" أخذ الحسين على عاتقه مصير الروح الإنسانية، وقُتل في سبيل العدل بكربلاء". ويقول الباحث الإنجليزي جون أشر:" إن مأساة الحسين بن علي تنطوي على أسمى معاني الإستشهاد في سبيل العدل الإجتماعي". وأخيرا يقول الكاتب العربي لبيب بيضون:" ما أظن أن إنساناً في مسرح التاريخ والبطولة، استطاع أو يستطيع أن تكون له مثل هذه الكفاءات العالية والمواهب الفريدة النادرة غير الإمام الحسين (عليه السلام) ليمثل هذا الدور الجوهري الخطير في قيادة حركة الإيمان وإحياء دعوة الإسلام". ولست هنا بصدد ذكر ما قالته الجموع عن حركة الإمام الحسين وإنما أكتفي بذكر بعضها فقط، وفيها إشارات واضحة إلى أن حركة الإمام الحسين كانت ملهمة ومؤسسة لكثير من النهضات التي تلت تلك الحقبة التاريخية.

          ومن رحم الثورة الحسينية والمقاومة التي خاضتها تلك الأنفس الزاكية في كربلاء، ولدت المقاومة الإسلامية في غزة، لتكون إحدى الحركات المقاومة التي انبعثت من ثورة كربلاء ومن مقاومة الحسين بن علي للظلم والعداون. فنجد أن إخوتنا في غزة رغم كل الظروف وتكالب الأمم عليهم، ورغم قلة عددهم وخذلان الناصر – وهو شبيه بما حصل في كربلاء – فإنهم يبدون شجاعة ليس لها مثيل في سبيل رد العدوان وإحقاق الحق وتمييز الطيب من الخبيث. فكما كانت واقعة كربلاء – والأمثال تضرب ولا تقاس – مفصلا مهما في تاريخ الأمة الإسلامية قديمة، فإن ما يحصل في أرض فلسطين هو أيضا قضية مفصلية في تاريخ المسلمين حديثا، وبها نُميز الحق من الباطل ونصل إلى نتائج ووقائع سوف يحفظها التاريخ للأجيال اللاحقة.

          إن الذي يجري اليوم في أرض أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، والدماء التي تسيل على هذه الأرض الطاهرة استوحت الدورس واستوحت نهج المقاومة من ثورة الحسين بن علي في كربلاء حين قال:" ألا إن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة، وهيهات من الذلة". وأهل غزة كانوا ولا زالوا يقولون "هيهات منا الذلة"، نفس المنطق ونفس الهدف ونفس الطريق. وكما كانت كربلاء ثورة "انتصار الدم على السيف" ستكون غزة "ثورة انتصار الدم على السيف" فلا تغرن قلة عددهم وخذلان اخوانهم لهم، فإنما هو قد ولدوا من رحم كربلاء. وستبقى الحكاية بين كربلاء وغزة مستمرة.

رضا بن عيسى اللواتي
مسقط – سلطنة عمان
نشرت في جريدة القدس العربي بتاريخ 30/11/2012

2012/11/16

دعوة للحوار بين المذاهب الإسلامية

دعوة للحوار بين المذاهب الإسلامية
          


قبل زمن ليس بالبعيد، اقترح الملك السعودي في قمة الدول الإسلامية إقامة مركز خاص يُعنى بالحوار بين المذاهب الإسلامية، ويكون الهدف منه حوارا سلسا شفافا بين علماء هذه المذاهب وعُقلائها للوصول إلى نتيجة توحد المسلمين تحت راية التوحيد، وكأخوة في هذا الدين الحنيف. في الحقيقة، راقَ هذا الاقتراح للعديد من العوام من الناس الذين تعبوا بل ربما استسلموا للحرب الشعواء القائمة بين فرق المسلمين والتي أنتجت العديد من المشاكل بين الأخوة من البلد الواحد، بل وصل الأمر في بعض هذه البلاد إلى التناحر والقتال بحجة رفع كلمة الإسلام عالية خفاقة، ولست أدري هل بهذا العمل ترتفع كلمة الإسلام أم تُسحق بيد الطائفية والإرهاب الأمر الذي أعطى للإسلام سُمعة سيئة لدى العالم الغربي.

عندما نتحدث عن الحوار بين المذاهب الإسلامية بشكل عام أو بالخصوص بين السنة والشيعة في الفترة الراهنة، فإننا يجب أن نستعبد بعض الفئات التي أضحت ترمي بقية المسلمين بأبشع التهم، وتكفرهم على كل صغيرة وكبيرة، وربما دعت بعض هذه الفئات إلى قتل بعض المسلمين بناءً على مذاهبهم التي يعتنقونها أو أفكار يتمسكون بها. وفي هذا يقول النبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم:"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"، وهؤلاء ليس منهم من سلم المسلمين من السنتهم وأيديهم. ووجود هذه الفئة يزيد الطين بلة ويُسَعِّر النار بما يقولون ويفعلون.

إن لمثل هذه الأفكار والأطروحات – أي مسألة التقارب بين المذاهب الإسلامية -  إيجابياتٍ كثيرة وأهمها هو حماية دم الإنسان المسلم من نيران الطائفية البغيضة وجهل الجهلاء الذين وصلت بهم الحال إلى بيع دمائهم مقابل أحلام زواجهم من "الحور العين"، ولكن هذا البيع والشراء إنما هي تجارة خاسرة وضياع للنفس والمال وتضييع للأهل والولد إضافة إلى مقتل الكثير من الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى اعتناق فكرة واعتقاد لا يحبه هذا القاتل أيا ً كان.

بالإضافة إلى ذلك، فإنه في حال تطبيق هذه الفكرة ووضعها حيز التنفيد من شأنه أن يُنقي التراث الإسلامي من الكثير من الإسرائيليات والمغالطات التي دخلت عليه خلال القرون الماضية والتي أدخلها بعض وُعَّاظ السلاطين ومن باعوا دينهم ودنياهم لأجل أموال زائلة أو حماية لنفسه وأهله من القتل والتنكيل والتعذيب. وقد جاءت الإساءة لنبي الرحمة محمد صلى الله عليه واله وسلم بسبب هذه الإسرائيليات والمغالطات التي انتشرت وللأسف الشديد في كتب المسلمين. وإني أطلب من علماء المسلمين ووجهاءهم ومن له صوت مسموع بينهم أن يبدأوا بتنظيف وتنقيح كتب المسلمين التاريخية والروائية وغيرها من هذه المغالطات والتي يستخدمها بعض من يريد الفتنة بين المسلمين لتشويه صورة النبي الأعظم صلى الله عليه واله وسلم.

كذلك، فإن من ثمار التقارب الفكري بين المذاهب الإسلامية هو تقدمها العلمي والتكنولوجي والثقافي كأمة واحدة في مقابل التطور السريع الذي يشهده العالم الغربي. إذ نجد أن بعض البلاد الإسلامية متقدمة عن بلاد أخرى في التكنولوجيا الحديثة بل وتسابق العالم الغربي في ذلك، ونجد بلادا أخرى متقدمة بقية البلاد الإسلامية في ثقافتها وعلومها النظرية. ولكن إن تقاربت هذه البلاد المختلفة في مذاهبها الدينية فكريا وعقائديا فإن علماءها والعقول المنيرة فيها يمكنها من أن تتقارب في التجارب العلمية فتُخرج لنا أجيالا من العلماء بدل أن تتجه طاقاتنا لخدمة الغرب.

وأما الجانب الإقتصادي فسوف ينال حيزا من الإهتمام المتبادل وخصوصا في ظل الظروف الإقتصادية الراهنة التي ما فتئت تعصف بالكثير من المجتمعات العالمية. في حين أنه لو تقاربت الدول الإسلامية وأصحبت تفكر كمجتمع واحد بعيدا عن الطائفية فإنه من الممكن جدا أن تستثمر مواردها الطبيعية - والمعلوم أن الدول الإسلامية تمتلك مواردا طبيعية هائلة قل نظيرها في أماكن أخرى من هذا العالم – في النهوض بالأمة الإسلامية وتطوير البنية التحتية والخدمية لهذه المجتمعات.

أخيرا، إن المُطّلع على ما يجري في البلاد الإسلامية قاطبة، يرى بأن مسألة التقارب الفكري بين المذاهب الإسلامية أصبحت أمراً لا مفر منه ولا يُمكن الإستغناء عنها بتاتاً. ليس فقط لأجل إيقاف نزيف الدم في البلاد الإسلامية، ولكن لتوحيد كلمتهم وهدفهم لغاية أسمى ألا وهي نُصرة القضية الفلسطينية التي طالما أدعى العرب والمسلمون ولا زالوا يدعون بأنها الهدف الأكبر لهم منذ أن تم احتلالها. وليت شعري، كيف يمكنهم أن يُطهروا أرض أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين من دنس الإحتلال الصهيوني الغاصب وهم يتناحرون فيما بينهم، والأولى بهم ومنذ أمد بعيد أن تُجيش الجيوش لإعادة الحرية للشعب الفلسطيني وللأراضي الفلسطينية المحتلة، لا أن يقتل الرجل أخاه بحجة اختلاف مذهبه ومعتقده الديني.

وإنني من هذا المنبر أدعو جميع الدول الإسلامية إلى الإقتداء بتجربة سلطنة عمان في الوحدة الإسلامية والسير على نفس الخُطى التي سارت عليها السلطنة في سبيل توحيد البلاد تحت راية واحدة لخدمة الدين والوطن. كما أتمنى أن تُطبق فكرة العاهل السعودي وتدخل حيز التنفيد ويبدأ العمل بها قريبا جدا، لعلنا نشاهد توقفا سريعا لدماء المسلمين التي تسيل هنا وهناك بحجة الطائفية المقيتة وتطورا جذريا في هذه البلاد.


رضا بن عيسى اللواتي
سلطنة عمان
نشرت في جريدة القدس العربي بتاريخ 15/11/2012م