2013/05/26

السمنة عبء على مجتمعاتنا


السمنة عبء على مجتمعاتنا

           داء انتشر في مجتمعاتنا بصورة كبيرة وغريبة للغاية، حيث أصبح الصغير والكبير مصابين بهذا الداء على حد سواء، ومع طريقة الحياة العصرية والتطور التكنولوجي زادت نسبة المصابين بهذا الداء. هذا الداء هو السمنة أو بتعبير آخر، زيادة الوزن عن المعدل الطبيعي للشخص، ويعود السبب في زيادة الوزن بهذا الشكل إلى فقدان التوازن بين الطاقة الداخلة إلى الجسم عن طريق الطعام والطاقة الخارجة من الجسم أو المستهلكة بأنواعها المختلفة.
          
           في هذا النطاق، أجرى الباحثون عددا من الدراسات تهدف إلى تحديد نسبة المصابين بالسمنة حول العالم، فوجدوا أن نسبة المصابين بهذا الداء تزيد مع مرور الزمن. فعلى سبيل المثال، أجريت دراسة في الولايات المتحدة الأمريكية لتحديد مدى تفشي هذا الداء في المجتمع الامريكي، فأوضحت الدراسة أن نسبة المصابين بالسمنة كانت 15% من المجتمع الأمريكي بين عامي 1976-1980م وزادت هذه النسبة لتشكل حوالي 33% من المجتمع الأمريكي بين عامي 2003-2004م، كل ذلك حدث في غضون 20 سنة أو أقل، وتوقعت الدراسة زيادة هذا العدد في الأعوام المقبلة. أما في سلطنة عمان فقد أوضحت الدراسات بأن نسبة السكان المصابين بالسمنة وزيادة الوزن قد وصلت إلى 50% من المجتمع العماني، ومما لا شك فيه فإن هذه النسبة كبيرة للغاية ولها تأثيراتها السلبية على المدى القريب فضلا عن المدى البعيد.#

          بعد هذا العرض الموجز عن الإحصائيات المتعلقة بالسمنة، ننتقل إلى أسبابها، والسبب الأول والرئيس في الإصابة بالسمنة هو النظام الصحي للفرد. حيث أن زيادة نسبة الطاقة الداخلة للجسم عن طريق الطعام وبالخصوص من المواد السكرية أو الدهنية يشكل طاقة إضافية يجب التخلص منها عن طريق ممارسة الرياضة، ولو بنصف ساعة من المشي يوميا. من جانب آخر فإن أسلوب الحياة الجديد من حيث قلة الحركة وزيادة الوقت الذي يقضيه الفرد في مشاهدة التلفاز واستخدام الأجهزة الإلكترونية يتسبب في تقليص كمية الطاقة المستهلكة من الجسم، وبالتالي زيادة نسبة المواد الدهنية المتراكمة فيه، وقد قيل قديما "في الحركة بركة".

          وقد يتسائل البعض، هل للعامل الوراثي دور في إصابة الفرد بالسمنة؟. في الحقيقة إن هذا السؤال أثار العديد من النقاش بين العلماء والمتخصيين في هذا المجال، حيث ذكر البعض من المتخصصين بأن للعامل الوراثي دور في الإصابة بالسمنة بالإضافة إلى ما ذكرناه أعلاه، بينما ركز البعض في دراساته على العامل الوراثي فقط دون الرجوع إلى بقية الأسباب خصوصا إذا ما كان الحديث عن بعض المتلازمات النادرة. جدير بالذكر أن العلماء قد اكتشفوا 41 تركيبا جينيا في المادة الوراثية للإنسان لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالإصابة بالسمنة بشرط توافر العوامل الأخرى، وقد كان ذلك في عام 2006م، ولكن هذه الاكتشاف المبهر بحاجة إلى مزيد من الدراسة والتنقيح لأجل التوصل إلى معلومات أكثر دقة وفائدة للعاملين في هذا المجال والمصابين بالسمنة.

          السؤال الأهم، ما هي تأثيرات السمنة على صحة الإنسان؟. في هذا الإطار أجرى العلماء ابحاثا عديدة وواسعة شملت العديد من الأشخاص وفي فترات متباعدة، أكدت على أن للسمنة تأثيرات سلبية على الحالة الصحية للإنسان المصاب بالسمنة، خصوصا الجهاز الدوري والقلب، الجهاز التنفسي والجهاز العضمي للإنسان. أما عن الجهاز الدوري والقلب، فقد أثبت العلماء أن السمنة ترفع من معدلات الإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم، كما تساهم بشكل كبير في إصابة الفرد بالسكتة القلبية. كما أن للسمنة تأثيرا على الجهاز التنفسي، فأوضحت الدراسات بأن مرض الربو منتشر أكثر عن الأشخاص المصابين بالسمنة. من ناحية آخرى فقد أوضحت التقارير الطبية بأن مرض السمنة تزيد من إصابة النساء بمرض الإكتئاب.

          وقد أكدت المصادر الطبية على أن داء السكري له علاقة وطيدة بارتفاع الوزن لدى الشخص المصاب به، كما أن السمنة تزيد من إحتمال اصابة الفرد بالجلطة الدماغية أو الصداع النصفي. بالإضافة إلى ذلك، فقد أكدت هذه التقارير والأبحاث على أن هناك بعض العلاقة بين ارتفاع الوزن والسمنة وبين العقم سواء كان ذلك للرجل أو المرأة، إلى غير ذلك من المشاكل والتأثيرات السلبية على صحة الإنسان.

          وفي دراسة اجريت في الولايات المتحدة الأمريكية، وجد من خلالها أن نسبة الوفيات لدى المصابين بالسمنة المفرطة تشكل ضعف النسبة مقارنة بالأشخاص الغير مصابين بالسمنة في دراسة أجريت على الإناث البالغين من العمر 16 سنة وأكثر. كما أجريت دراسة أخرى أثبتت أن السمنة تنقص من العمر المتوقع للفرد بمقدار 6-7 سنوات كاملة. يذكر، أن نسبة 8% من مجمل الوفيات في القارة الأوروبية تعود إلى السمنة وأثارها السلبية على صحة الإنسان.

          ولهذا عكف العلماء على إيجاد حلول لهذه المشكلة الكبيرة ووجدوا بأن أفضل دواء للسمنة وأفضل طريقة للتخلص منها، هي تغيير النظام الغذائي للفرد وجعله أكثر صحيا وملائمة للشخص ولطبيعة جسمه، بالإضافة إلى التمارين الرياضية والإنتظام فيها. وقد أثبتت الدراسات أن الإنتظام الغذائي والرياضة يشكلان العنصر الأساسي للمساعدة على إنقاص الوزن بصورة سريعة والمحافظة عليه. كما تحدثت بعض الدراسات عن بعض الأدوية التي من الممكن أن تساعد على إنقاص الوزن ولكن ذلك يتم على المدى البعيد ولها عدد من التأثيرات الجانبية الغير محبذة. أما بالنسبة للسمنة المفرطة فإن العملية الجراحية هي الحل الأمثل إن لم يستطع المصاب بالسمنة أن ينتظم في طعامه وممارسة الرياضة، وعلى كل حال فإن لها بعض الاثار الجانبية التي لا يحبذها المصاب.

          ختاما، فإن مرض السمنة يتزايد بشكل مفرط في مجتمعاتنا العربية والخليجية على وجه أخص، ويجب على الأفراد والمسؤولين معا العمل على علاج المصابين بها، ووقاية الجيل الجديد من الإصابة بهذا المرض خصوصا وأن "الوقاية خير من العلاج".

رضا بن عيسى اللواتي
طالب بكلية الطب والعلوم الصحية
ملف المسار .. نشرة المسار .. دائرة العلاقات العامة والإعلام .. جامعة السلطان قابوس
20/مايو/2013

2013/05/02

سلامة المعتقَد وأثره على سلوك الإنسان


سلامة المعتقَد وأثره على سلوك الإنسان

          عندما خلق الله تعالى الإنسان جعله في أحسن تقويم وأفضل صورة، فكوَنه من عنصرين مترابطين ألا وهما الروح والجسد، فالأول هو مرتع الإيمان والإعتقاد، والثاني هو المظهر الخارجي الذي تظهر عليه علامات الإيمان والإعتقاد أياً كانت، سليمة مرتبطة بالله تعالى أو سقيمة مرتبطة بغيره جل وعلا. وللوهلة الأولى، يظن الإنسان بأن المعتقد هو كل ما يرتبط بالإيمان بالله تعالى وتنفيذ تشريعاته، ولكن في الحقيقة إن المعتقَد أشمل من ذلك بكثير وإن كان الإيمان بالله تعالى يمثل الجزء الأكبر من المعتقد لدى الإنسان، ولكنه في الواقع يشمل كل ما يعتقده الإنسان من أفكار ويتخذ من قرارات ويقوم به من أفعال وقد يدافع عنها بكل شراسة ويعتقد بخطأ من يخالفه فيها.

          من هنا نستطيع القول بأن للمعتقًد تأثيرا كبيرا على سلوك الإنسان وأسلوب حياته وعلاقته مع أقرانه من بني البشر. بل ربما نرتقي في ذلك، ونقول بأن المعتقَد هو الذي يصوغ علاقة الإنسان مع ربه، ومع نفسه، ومع مجتمعه وبيئته، بل حتى مع المجتمعات الأخرى. ولنا في ذلك أمثلة كثيرة، فعلى مر العصور اعتبر اليهود أنفسهم بأنهم "شعب الله المختار"، فخرج من بينهم فرعون الذي أفرط في هذا الإعتقاد، وأعلنها واضحة على الملأ "أنا ربكم الأعلى"، وخرج من بينهم قارون الذي وجَّه نداءً صارخا "إنما أوتيته على علم عندي".

          وعلى النقيض تماما، فإن الإعتقاد الذي اعتقدته أسية بنت مزاحم زوجة فرعون بأن الله تعالى هو الملك وهو الرب جعلها تقول بملء فمها "رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين"، وعندما نأتي إلى قضية النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم، وحياته في المجتمع القرشي الذي كثر فيه الفساد والإنحراف، وكيف عاش النبي صلى الله عليه وسلم بمعتقادتٍ سامية وعبادة خالصة متحديا الإنحراف القرشي حتى سُمي لديهم "بالصادق الأمين" وأنزل الله تعالى فيه قوله "وإنك لعلى خلق عظيم"، وقالت زوجته عائشة: "كان خلقه القرآن".

          ولو جئنا إلى أقوال علماء الغرب حول سلامة المعتقد وأثره على سلوك الإنسان وحياته، فإننا نشاهد أن العديد منهم قد كتبوا في هذا المضمار، ولنا في الدكتور هينري لينك طبيب الأمراض النفسية المشهور في الولايات المتحدة الإمريكية خير مثال، فقد ألف هينري لينك كتابا أسماه "العودة إلى الإيمان"، متحدثا فيه عن عودته إلى الدين وأسبابها وما للدين من أثر على سلوك الإنسان، بل وذهب إلى أن الدين يُعد وسيلة مهمة وحساسة للحفاظ على العلاقات البشرية بل وحمايتها من الأخطار.

          في النهاية، إن كل ما تم ذكره يعد قطرةً من ماء محيط في بيان أثر المعتقد على سلوك البشر، وأنه بغياب المعتقد السليم فإن الإنسان لا يسلم من عواصف الإشكاليات المعقدة ورياح الشبهات الكثيرة.

رضا بن عيسى اللواتي
مسقط – سلطنة عمان
نشر في جريدة الرؤية في عددها الصادر في يوم الخميس الموافق 2/5/2013