2013/11/24

وللحكاية الأولى تتمة

وللحكاية الأولى تتمة


تمضي الأيام وأنا اتدرب في المستشفيات لتحقيق حلم طال انتظاره، وكعادتي أذهب إلى المستشفى لقضاء الوقت مع المرضى في أيام الإجازة الاسبوعية، حتى اتمكن من معرفة تاريخهم المرضي ومعاناتهم بشكل يومي. وبينما أنا اتابع حالة أحد المرضى، فاجأني أحد أقاربه قائلا: "دكتور، عندي سؤال عن حالة أخي المرضية، فهل لك أن تخبرني بخفاياها". أجبته كعادتي في مثل هذه المواقف "إنني ما زلت طالبا ولا أستطيع الإجابة على تساؤلاتك ولكنني سوف استشير أحد الأطباء المناوبين هذا اليوم". ذهبت إلى غرفة الأطباء وشاهدت طبيبا – أجنبيا - يقوم بعمله في تلك الأثناء، قدمت له التحية وعرفته بنفسي ثم أخبرته: "دكتور أخ المريض الفلاني .....". قاطعني الطبيب وقال لي بعصبية:" أنا هنا لأن لدي بعض الأعمال لأنجزها، اليوم ليس يوم مناوبتي، فلا تسألني عن أي مريض، لا أعلم عنهم شيئا"، وأكمل عمله كأن شيئا لم يكن. أما أنا فبقيت صامتا لا ألوي على شيء. ذهبت إلى الرجل وأخبرته بأن الطبيب مشغول وأنني سوف أبحث عن طبيب آخر ليشرح لك حالة أخيك.

لقد تعلمنا منذ الأيام الأولى لنا في كلية الطب بأن للمريض وأهله حق في معرفة تفاصيل المرض، وأن احترام المرضى وكذلك احترام زملاء المهنة واجب أيضا، وكذلك أخبرونا وكانوا يزرعون في أنفسنا أن نضحي بما نملك من أجل أن نلبي حاجة مريض أو نجيب على سؤال قد تبادر إلى أذهان هؤلاء الأقارب. لكن هذا الطبيب باسلوبه القاسي قد نسف كل هذا وتركه هباء منثورا. لحسن الحظ أن هذا لم يكن أمام المريض، ولحسن الحظ أنني لا زلت اعتقد أن هذا الأسلوب ما هو إلا أسلوب شاذ غريب عن أساليب وطرق بقية الأطباء، وأنهم – وبحمد الله – لهم أساليب أفضل في التعامل مع المرضى.

وعلى النقيض من هذا الموقف، كنت ذاهبا إلى المستشفى صباح أحد الأيام وللأسف كنت متأخرا بعض الشيء، وصلت إلى القاعة التي يُعقد فيها الاجتماع الصباحي لجميع الأطباء، ولكني لم أجد أحدا هناك، سألت الممرضات في القسم، فأجابتني أحدهم:" إن حادثا مروعا وقع صباح اليوم وتم نقل جميع المصابين إلى هذا المستشفى، وقد ذهب أغلب الأطباء لقسم الطوارئ للمساعدة هناك". التضحية عند هؤلاء الأطباء وصلت بهم إلى أن يذهب الجميع لانقاذ مصابين بسبب حادث سير، ذهبوا إلى هناك لمساعدة أطباء الطوارئ والعمل معهم بروح أخوية وكفريق واحد لانقاذ ما يمكن انقاذه. ولم يقل أحدٌ منهم إن اليوم ليس يوم مناوبتي أو لا استطيع، الكل ذهب ليقدم المساعدة، وهذا ما تعلمته منذ أيامي الأولى في كلية الطب. للإشارة فقط، فإن حوادث السير تتضاعف يوما بعد يوم، وكم اتمنى أن يكون لنزيف الدم الذي يتكرر كل يوم وكأننا في حرب شعواء مع أنفسنا، أن يكون له نهاية.

أستمر في التدريب كل يوم وأتعلم في كل يوم معلومة جديدة، سوف تساعدني هذه المعلومة بالتأكيد في خدمة المرضى مستقبلا. ولكن ما أتعلمه بشكل أكبر هو كيفية التعامل مع المرضى، الحديث معهم، شرح الحالة المرضية للمريض نفسه، كل ذلك برفقة الطبيب المسؤول. يصحح لي أخطائي، ويرشدني إلى الطريق السليم لإيصال المعلومة الكاملة بالطريقة المناسبة من دون أن اتسبب في الأذى للمريض؛ لكي ينطبق عليَّ المثل القائل "الرجل المناسب في المكان المناسب".




رضا بن عيسى اللواتي
مسقط - سلطنة عمان
نُشرت في مجلة "نبض" - كلية الطب والعلوم الصحية
جامعة السلطان قابوس
لقراءة الحكاية الأولى إضغط هنا

2013/11/21

43 عاما من الإنجازات والرقي

43 عاما من الإنجازات والرقي
 
 
ها هي سلطنتنا الحبيبة تحتفي بذكرى العيد الوطني الـ43 المجيد، وها نحن أبناء عمان نقدم كل التحايا والامتنان والتقدير لباني نهضة عمان وقائدها المفدى صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله ورعاه بهذه المناسبة الخالدة. 43 عاما كانت كفيلة برفع اسم السلطنة عاليا خفاقا بين دول العالم، حتى أصبحنا نفتخر بانتمائنا إلى هذه الأرض المعطاء، بل ويتمنى الكثيرون لو أنهم كانوا من أبناء عمان.
 
أيام نستعيد فيها ذكرى الليالي الماضية، وكيف كانت سلطنتنا الغالية لا تُذكر بين الدول، بينما الآن أصبحت علما بين البلاد الأخرى، لها ثقلها الاقليمي والدولي. نتذكر كيف عاش أباؤنا وأجدادنا وكافحوا جنبا إلى جنب مع قائد مسيرة عمان حفظه الله، وكيف عانوا الأمرين حتى خرجت لنا أجيال متعلمة واعية قادرة على الاستمرار في بناء هذا الوطن وتكملة المسيرة مع قائدنا المفدى أعزه الله.
ولست أنسى تلك الحكايا من أجدادنا، عن صعوبة العيش في الماضي الغابر، وصعوبة إيجاد لقمة العيش وصعوبة إيجاد المأوى والمسكن، ولكن بالعمل الجاد تحت نظر صاحب الجلالة وتوجيهاته السامية أصبحنا نعيش الآن في رغدٍ من العيش، منعمين ومرفهين، نأكل من خيرات هذه الأرض الطيبة.
 
43 عاما، كانت كفيلة بأن تجعل من أرض عمان معلما سياحيا بارزا، يقصده الزوار والسياح من كل حدب ومكان، مع توجيهات صاحب الجلالة بالاهتمام بالسياحة وتطويرها لتكون أحد مصادر الدخل الوطني لعمان، وليستفيد شعب عمان من امكانيات هذه الأرض ومصادرها.
 
4 عقود بل تزيد، جعلت أبناء عمان يتعلمون كل أصناف العلوم ويمارسونها، فها هي جامعة السلطان قابوس تحتفل في هذه الأيام بتخريج الدفعة الـ24 من حملة البكالورويس والـ8 من حملة الماجستير والـ4 من حملة الدكتوراه، حتى قال صاحب الجلالة حفظه الله تعالى "نحن نفاخر بهذه الجامعة، ونفاخر بكم أيضا"، وحق لنا أن نفتخر بجلالته أمام الملأ لنعلنها مدوية نحن تلامذة هذا القائد المفدى.
 
في الختام، أبارك لصاحب الجلالة حفظه الله ورعاه العيد 43 المجيد، وأبارك لأبناء عمان الأوفياء هذا العيد الوطني، وأسأل الله تعالى أن يعيده علينا وصاحب الجلالة أعزه الله بكل خير وعافية والشعب العماني في مزيد من الخير والنماء.
 
 
رضا بن عيسى اللواتي
مسقط - سلطنة عمان

2013/11/16

ولزينب رب يحميها

ولزينب رب يحميها


تلك الليلة، كانت أصعب الليالي على قلب مولاتي العقيلة زينب عليها السلام، ليت شعري ما كان شعورها وما الذي كانت تعانيه، فحين يفقد المرء شخصاً واحداً من أحب الناس إلى قلبه فإنه يعاني كثيرا، ولنا في قصة يعقوب النبي عليه السلام حينما فقد ولده العزيز يوسف عليه السلام وهو يعلم أنه حي يرزق لعبرة لأولي الألباب. فكيف بقلب إمرأة فقدت في ساعة واحدة 17 رجلاً من أهل بيتها وأعز قرابتها، نجوم الأرض من آل عبدالمطلب، هذه المرأة هي زينب بنت أمير المؤمنين عليهما السلام، وحق للشاعر أن يقول "بأبي التي ورثت مصائب أمها ** فغدت تقابلها بصبر أبيها".

هي ليلة الحادي عشر من المحرم، التي أصبحت فيها مولاتنا العقيلة زينب الحامي والكفيل لليتامى والأرامل، من بعد أخيها سيد الشهداء عليه السلام حيث أنها كانت تنظم شؤونهم وترعاهم. ورغم كل ذلك، ورغم كل المصائب التي مرت عليها، لم تفقد صبرها وتجلدها، لكنها صلت ذلك اليوم صلاة الليل من جلوس. وفي اليوم الحادي عشر من المحرم كانت الرحلة الشاقة والعسيرة على قلب مولاتنا العقيلة زينب عليها السلام، حادي الظعن في تلك المسيرة هو الشمر عليه لعنة الله ويحوط موكب السبايا جيوش بني أمية. قلوبهم قاسية، وأيما صوت تصدره الهاشميات فالضرب المبرح هو ردة فعل أبناء الطلقاء.

أما رأس الحسين عليه السلام الذي نصبه أعداء الدين والإنسانية أمام موكب سبايا آل محمد عليهم السلام، وأمام عيني مولاتنا العقيلة زينب عليها السلام، كان ذلك تعذيبا نفسيا للأسرة الهاشمية العلوية، وحين كانت النساء يبكين لمنظر الرأس المنصوب على رمح طويل، تجلدت وصبرت بنت أمير المؤمنين ونفذت وصية أخيها الحسين عليه السلام حين أمرها بالصبر وعدم اظهار الأسى والحزن، بل وإكمال مسيرته عليه السلام.

وتجلى صبرها وعزيمتها في ثلاثة مواطن، في الكوفة، أمام ذلك الجمع الهائل من الناس، وبين يدي طاغية الكوفة والبصرة عبيدالله بن زياد، وعند ابن آكلة الأكباد في دمشق الشام. هناك ألقت الحراء زينب عليها السلام خطباً عظيمة من دون خوف أو انكسار، فاقشعرت لها أبدان الحاضرين وسقطت قطرات الدموع من أعينهم، وهم ممن امتلأت قلوبهم حقدا على آل بيت النبوة والرسالة، حتى قيل أنها قد أفرغت عن لسان أبيها أمير المؤمنين عليه السلام. لعمري، إن المصائب التي رأتها زينب عليها السلام كانت كفيلة بأن تهد الجبال الرواسي، ولكن لزينب رب يحميها.

وتخرج زينب عليها السلام من الشام مرفوعة الرأس منتصرة على أبناء الطلقاء، فتشاء القدرة الإلهية أن تعود مولاتنا زينب عليه السلام إلى هذه الأرض الظالم أهلها، بعد عامين مريضة ناحلة الجسم فيوارى بدنها في دمشق الشام. وهناك في أرض بني أمية ترتفع قبة مولاتنا العقيلة زينب الزاهرة لتناطح السحاب، ويزورها أفواج البشر في كل عام، وفي كل آن، يتوسلون عند ضريحها الطاهر، فكان ذلك عربونا لوفاءها وهدية من رب السماء لهذه المرأة الطاهرة التي ضحت بكل ما تملك من أجل إعلاء راية الحق وراية جدها رسول الله صلى الله عليه واله، ونصرة لأخيها الحسين عليه السلام.

ويأبى الطلقاء وأبناء الطلقاء إلا أن يطفئوا نور الله بأفواههم، فيأتون من كل حدب وناحية، لإسقاط راية العقيلة زينب، وهدم تلك القبة الشامخة، وإيقاف الأفواج البشرية الوافدة إلى تلك البقعة من الأرض التي تشرفت بالسيدة زينب عليها السلام في كل عام. ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون والمنافقون، فهاهي قبة زينب عليها السلام تعلو يوما بعد يوم، ورجال الله أقسموا "أن لن تسبى زينب مرتين"، وحقا لزينب رب يحميها.




رضا بن عيسى اللواتي

مسقط – سلطنة عمان

2013/11/12

#ويبقى_الحسين (3) | كذب الموت فالحسين مخلد

#ويبقى_الحسين (3) | كذب الموت فالحسين مخلد
#ويبقى_الحسين (3) | كذب الموت فالحسين مخلد (1)

كذب الموت فالحسين مخلد ** كلما أخلق الزمان تجدد


هكذا صدح أحد الشعراء الذين عرفوا وفهموا خلود ثورة وملحمة سيد الشهداء مولانا أبو عبدالله الحسين عليه السلام، وبهذا البيت كانت بداية قصيدته. نعم، كذب الموت، فالحسين عليه السلام لم يمت، ولم يفارق الدنيا، بل بعروج روحه المقدسة إلى خالقها عاش الحسين عليه السلام، وبصعود روحه الشريفة إلى جوار روح جده وأمه وأبيه وأخيه صلوات والله وسلامه عليهم أمتد ذكر الحسين عليه السلام وأصبح بهذا خالدا أبد الدهر. ولما رمى الحسين عليه السلام بدمه الشريف يوم العاشر من المحرم كان البقاء السرمدي والخلود الأبدي لهذا الإنسان المقدس الذي قال يوم العاشر من المحرم: "يا رب إن كان هذا يرضيك، فخذ حتى ترضى".

إن هذا الخلود والبقاء لثورة الحسين (ع) قد حير الكتاب والمفكرين واصحاب الثورات الكبيرة، فلو عدنا إلى الوراء لرأينا أن الثورة الوحيدة التي لا يزال العالم كله يتذكرها في كل عام هي ثورة الإمام الحسين (ع)، على الرغم من أن عددا كبيرا من الثورات قد قامت وانتهت بعد فترة وجيزة. فنرى ثورة المختار الثقفي للثأر من قتلة سيد الشهداء علبه السلام، وثورة زيد الشهيد، وثورة الحسين بن علي صاحب فخ، وثورة العباسيين ضد الحكم الأموي والتي رفعت شعار "الرضا من آل محمد". أما في العصر الحديث فنرى ثورة نابليون بونابرت، ثورة غاندي في الهند ضد الحكم البريطاني، ثورة مصر في عام 1953، والثورة الإسلامية في إيران وغيرها. كل هذه الثورات، بل وأكثر مما ذكرته، أفل نجمها، وأنطفأ وهجها بعد سنوات قليلة من انتهاءها، إلا ثورة الحسين عليه السلام فأن نجمها يزداد سطوعا كل عام، ويزداد بل ويتضاعف عدد الملتحقين بركبها كل عام.

فما السر اذا؟، ولماذا هذا الخلود والبقاء وقد مر على هذا الواقعة زهاء 1400 عام؟ ولماذا يتوقف الناس عن اتباع الثورات ويتوقفون عن التفاعل معها إلا ثورة الحسين عليه السلام، فإن إسمه رغم كل الحروب التي جرت لتهميشه وكل الأفكار المضادة التي نشأت لمحاربة فكره، فإن اسمه وفكره ومنهجه لا يزداد إلا علوا وشموخا. إن لهذا الشموخ والرفعة والمكانة الخاصة لثورة سيد الشهداء عليه السلام أسباب وعوامل عديدة ويمكن أن نختصرها في ثلاثة عوامل رئيسية سوف نتحدث عنها تباعا.

العامل الأول الذي ساهم في إبقاء النهضة الحسينية إلى يومنا هذا، هو الهدف من هذه النهضة، حيث يظهر لنا جليا أن خروج الإمام الحسين عليه السلام ضد حكم بني أمية الظالم لم يكن من أجل المنافسة على حكم البلاد الإسلامية أو من أجل الحصول على المال أو الجاه أو غيرها من فضول العيش، بل كان من أجل إعادة النظام إلى حياة الأمة الإسلامية وإعادة الشريعة الإسلامية إلى ما كانت عليه في أيام جده رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأبيه أمير المؤمنين عليه السلام. وفي هذا يقول الإمام الحسين عليه السلام: "ألّلهمّ إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان، ولا التماساً من فضول الحطام، ولكن لنري المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك" ] بحار الأنوار ج 97 ص 80[.

وبتنا نرى أن نظام بني أمية قد غير الكثير من معالم الإسلام وضربت بأحكامه عرض الحائط، فقد جعلوا الحكم والخلافة ملكا عضوضا يتناقلونها كسروية هرقلية، وساهمت في قتل العديد من المسلمين، واختلقت العديد من الروايات على لسان النبي صلى الله عليه واله وسلم، وأعطت سياستها هالة من القدسية وربطتها بالشريعة المقدسة، فحرمت الخروج على الحاكم الظالم حيث رووا عن النبي صلى الله عليه واله وسلم :"يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس؛ قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع الأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع". ]صحيح مسلم: ج 3 ص 1481 ح 1854 و ص 1476 ح 1847[. وغيرها من الروايات والاحاديث التي أعطت لحكم بني أمية هالة من القداسة.

ولهذا السبب كان خروج الإمام الحسين عليه السلام في تلك الثلة المؤمنة لكي يعي الجميع أن حكم بني أمية ما هو إلا حكم ظالم لا يمت إلى الإسلام بصلة، وأن على جميع الأمة الإسلامية أن تسعى سعيا حثيثا لمحاربة هذه الطغمة الظالمة التي أرادت نسف قيم ومعالم الإسلام المحمدي الأصيل.

العنصر والعامل الثاني من عناصر وعوامل خلود النهضة الحسينية المقدسة، هو الطبيعة المأساوية لثورة الإمام الحسين عليه السلام. فقد كان مقتل الإمام الحسين عليه السلام عبارة عن فاجعة كبيرة بحدث ذاتها، في جميع فصولها، منذ انطلاق الإمام الحسين عليه السلام من المدينة إلى مكة، وثم انطلاقه من مكة إلى كربلاء. وكانت الفاجعة العظمى يوم العاشر من المحرم، بل واستمرت تلك الفجائع والمصائب إلى يوم الأربعين وعودة سبايا آل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إلى أرض كربلاء.

وقد أشار سماحة الشيخ الدكتور عبدالله اليوسف في إحدى محاضراته إلى هذا المعنى فيقول: "قد كانت الثورة من بدايتها حتى نهايتها فاجعة مدوية تثير الألم والأسى والحزن العميق في القلوب والنفوس. فعندما نقرأ ما حدث للإمام الحسين  عليه السلام، وأهل بيته، وأنصاره وأصحابه من مآسٍ محزنة، ونهايات مؤلمة جعلها ذات جاذبية خارقة على المستوى الإنساني العام فضلاً عن بعدها الديني. فكل من يطلع على أحداث كربلاء -وإن لم يكن مسلماً- يتفاعل ويتضامن إنسانياً مع مظلومية الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه الذين استشهدوا بين يديه، ويستنكر ما تعرضت له النساء والأطفال من التشريد والأسر والأذى النفسي والجسدي بما يدمي القلوب ويثير الأسى والألم العميق". (1)

ولهذا فإننا نرى النبي صلى الله عليه واله وسلم يؤكد على مأساوية ثورة الإمام الحسين عليه السلام فيقول صلى الله عليه واله وسلم: "إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً". ]مستدرك الوسائل ج 10 ص 312[. وروري عن الإمام زين العابدين عليه السلام تأكيدا على هذا المعنى وهو قوله عليه السلام: "ولا يوم كيوم الحسين عليه السلام ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل، يزعمون أنّهم من هذه الأمّة كلّ يتقرّب إلى الله عزَّ وجلّ بدمه، وهو بالله يذكرهم فلا يتعظون، حتّى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً". ] أمالي الصدوق, 547[.
          العامل الثالث والأخير هو إعلام أهل البيت عليهم السلام، بداية من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وتأكيداته على مصاب الإمام الحسين عليه السلام، وانتهاء بصاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.

حيث أقام رسول الله صلى الله عليه واله وسلم العزاء على حفيده الحسين عليه السلام قبل استشهاده بنصف قرن، وقد تحدثت الروايات الكثيرة عن هذا الأمر. وسوف نستعرض واحدة من هذه الروايات التي ذُكرت في كتب بعض فرق المسلمين حيث ورد عن عائشة أنّها قالت: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أصحابه، والتربة في يده، وفيهم أبو بكر، وعمر، وعلي، وحذيفة، وعمار، وأبو ذر، وهو يبكي، فقالوا: ما يبكيك يا رسول الله ؟! فقال: "أخبرني جبرائيل، أنّ ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطفّ، وجاءني بهذه التربة، فأخبرني أنّ فيها مضجعه". ]مجمع الزوائد 9 / 188 ، المعجم الكبير 3 / 107[.

ثم جاء أمير المؤمنين عليه السلام وتحدث عن مصاب الإمام الحسين عليه السلام عند مروره بأرض كربلاء في طريقه إلى صفين حين قال: ".. ومصارع عشّاق شهداء، لا يسبقهم من كان قبلهم, ولا يلحقهم من بعدهم".] بحار الأنوار ج 41 ص 295[. ولا أنسى سيدتي ومولاتي زينب عليها السلام حينما تحدثت أمام أهل الكوفة عن خذلانهم وتقصيرهم في نصرة أبي عبدالله الحسين عليه السلام، وتجلدت ونطقت بلسان أمير المؤمنين عليه السلام في مجلس عبيدالله بن زياد ومجلس يزيد بن معاوية في الشام. ثم جاء الدور على أئمة أهل البيت عليه السلام، فهاهو الإمام زين العابدين عليه السلام يتحدث عن أهل بيت النبوة والرسالة أمام جمهور المسلمين في أرض الشام، وعند عودته إلى المدينة لا يأكل ولا يشرب حتى يخلط ذلك الطعام والشراب بدموع عينه.

وهكذا تحدث الأئمة عليهم السلام وأصدروا البيانات والأوامر والتشريعات لإقامة مواكب العزاء ومجالس العزاء على الإمام الحسين عليه السلام، وكتابة الشعر عن واقعة الطف، وفي الأخير زيارة الإمام الحسين عليه السلام ولنا في ذلك روايات كثيرة دلت على ذلك، وأبرزها قول الإمام الصادق عليه السلام: "من قال فينا بيت شعر بنى الله له بيتاً في الجنة". ]وسائل الشيعة 467:10[. وقول الإمام الرضا عليه السلام لدعبل الخزاعي: "يا دعبل، إرثِ الحسين عليه السلام فأنت ناصرنا ومادحنا ما دمت حيّاً فلا تقصّر عن نصرنا ما استطعت". ]جامع أحاديث الشيعة 567:12[.

وأما في الحث على البكاء فقد قال الإمام الرضا عليه السلام للريان بن شبيب: "يَا ابْنَ شَبِيبٍ: إِنْ كُنْتَ بَاكِياً لِشَيْ‏ءٍ فَابْكِ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ( عليه السَّلام )، فَإِنَّهُ ذُبِحَ كَمَا يُذْبَحُ الْكَبْشُ". ]وسائل الشيعة: 14 / 502[. وقول الإمام الصادق عليه السلام: "من ذَكَرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه دمعٌ مثل جناح بعوضة ، غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر". ]تفسير القمي ص616[. أما زيارة الإمام الحسين عليه السلام، فلها من الثواب الجزيل، وقد حث عليها أهل البيت عليهم السلام كثيرا، فيقول الإمام الصادق عليه السلام: "من أتى قبر الحسين عليه السلام تشوقاً إليه كتبه الله من الآمنين يوم القيامة، وأعطى كتابه بيمينه، وكان تحت لواء الحسين ابن علي –ع– حتى يدخل الجنة فيسكنه في درجته إن الله سميع عليم". ]وسائل الشيعة ج ١٤ ص ٤٩٧[.

ولذلك فإن العناصر الثلاثة أعلاه قد ساهمت كثيرا في إبقاء الثورة الحسينية المقدسة باقية خفاقة إلى يومنا هذا على عكس بقية الثورات على مر التاريخ، ولا تزال هذه الجموع الغفيرة من الموالين لأهل البيت عليهم السلام تُقيم مآتم العزاء والنياحة على مصاب أبي عبدالله الحسين عليه السلام، ولا تزال الملايين تزحف إلى أرض كربلاء لزيارة سيد الشهداء عليه السلام، وستبقى كذلك إلى انقضاء الساعة.



رضا بن عيسى اللواتي
مسقط – سلطنة عمان
نشرت في مدونة مدونون جـ1 و مدونون جـ2
نشرت ضمن حملة #ويبقى_الحسين

2013/11/02

ويبقى الحسين (ع) علما لكل جيل

ويبقى الحسين (ع) علما لكل جيل

ويبقى الحسين (ع) علما لكل جيل

“يا حسين”، كلمة كانت أمي ترددها على مسامعي دائما، في كل وقت، كانت فرحة أم حزينة، وكانت تقول لي إن أردت الفلاح والفوز فقل “يا حسين” دائما. لم أفهم سر هذه العلاقة بين أمي والإمام الحسين عليه السلام، ولم أعي سر هذا النداء، والجدير بالذكر أن نداء أمي للإمام الحسين عليه السلام كان متبوعا دائما بالبكاء والنحيب.
والدي أيضا، كان يرددها على مسامعي في كل مرة، وكان يقول لي “يا حسين” هي المفتاح لكل باب مغلق، فالحسين عليه السلام سر محمد وعلي صلوات الله وسلامه عليهما والهما فكما يقال “الفتى سر أبيه.
كبرت، وكبرت معي كلمة “يا حسين” حتى أصبحت أرددها دائما، في كل محفل، وفي كل وقت وآن. أصبحت لهذه الكلمة لذة خاصة، وعشق خاص، كما أصبحت لها معانٍ كثيرة وعذوبة مختلفة. عندما ننطق باسم الحسين عليه السلام نتذكر معنى الإصرار ومعنى التحدي ومعنى مواجهة الظلم، ومعنى الإباء وكل الصفات النبيلة، ومع ذكر الحسين عليه السلام تنهمر الدموع ويتفطر القلب حزنا والماً.
كان أبي وأمي يحدثانني عن الحكايا والمعجزات التي حصلت ولا تزال تحصل عند الضريح الطاهر لسيد الشهداء أبي عبدالله الحسين عليه السلام. في البداية لم أصدق ذلك، وكنت أعتقد أنها من أساطير الأولين، ليس لعدم إيماني بأهل البيت عليهم السلام، بل لصغر سني، وعدم معرفتي بحقائق الأمور. ولكن عندما كبرت وشاهدت عجائب الحسين عليه السلام بأم العين، همت عشقا في الحسين عليه السلام وازداد إيماني به وبأسراره عليه السلام.
وعندئذ قال لي والداي هذا سر “يا حسين” وسيبقى الحسين عليه السلام راية ومنبرا وعلما لكل جيل وزمان ومكان، وذلك مصداقا لقول السيدة زينب سلام الله عليها ليزيد بن معاوية: “فوالله لا تمحو ذكرنا“.
وما قولها للإمام السجاد عليهما السلام عند الخروج من كربلاء إلا إيمانا وتصديقا بأن الحسين عليه السلام باقٍ إلى أبد الآبدين حين قالت له: “مالي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي و أبي و إخوتي، فوالله إن هذا لعهد من الله إلى جدك وأبيك، ولقد أخذ الله ميثاق أناس لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض و هم معروفون في أهل السماوات، أنهم يجمعون هذه الأعضاء المقطعة والجسوم المضرجة فيوارونها وينصبون بهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره و لا يُمحي رسمه على كرور الليالي والأيام، وليجتهدن أئمة الكفر و أشياع الضلال في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا علواً.” [أدب الطف ـ الجزء الاول 242].


رضا بن عيسى اللواتي
مسقط - سلطنة عمان
2/11/2013
نشرت في مدونة مدونون