2014/11/27

#فرحة_تخرج2014

#فرحة_تخرج2014


بهذا الوسم (الهاشتاق) شارك خريجوا الدفعة الـ25 من طلاب جامعة السلطان قابوس بعضهم البعض فرحتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وسرعان ما انتشر وسم "#فرحة_تخرج2014" بين طلاب جامعة السلطان قابوس، فراح كل واحد يدلي بدلوه ويعبر عن فرحته بهذا الإنجاز الكبير على طريقته الخاصة، مستعرضين شريط الذكريات طوال سنوات الدراسة في الجامعة. فبعضهم إستذكر المواقف المحرجة التي تعرض لها في السنة الأولى من دراسته في الجامعة، والبعض الآخر تحدث عن المواد الدراسية ومعمعة الامتحانات، وآخرون وجدوها فرصة لتذكر زملاء الدراسة والأوقات التي قضوها معا. إختلفت الأمور التي تداولوها في تعليقاتهم، لكن جميعهم إتفقوا على أن سنوات الدراسة الجامعية وذكرياتها لا يُمكن أن تُمحى من الذاكرة أبدا.

ومن حسن الطالع فقد تزامن حفل تخرج الدفعة الـ25 مع الإطلالة الكريمة لمولانا حضرة صاحب الجلالة – حفظه الله ورعاه - التي أثلجت القلوب والكلمة السامية التي تفضل بها، فأدخل بكلماتها الفرح والطمأنينة على قلوب محبيه، وجاءت إحتفالات البلاد بالعيد الوطني الـ44، لتضاعف فرحة الخريجين وهم يستلمون شهادات التخرج. الكل كان يشعر بالغبطة والفرح والسرور، فلا شك ولا ريب أن الكل بذلوا جهودا جبارة والكل تعب وسهر من أجل هذه اللحظة التي انتظروها طويلا وكانوا يحلمون بها وهم يشاهدون من سبقهم من طلاب هذه الجامعة في مثل موقفهم هذا.

ما أحلى أن يذوق المرء حلاوة النجاح، فكلما كانت المعاناة أكبر في سبيل تحقيق هذا النجاح كانت حلاوة النجاح أعذب. لا شك أن الكل تعب والكل سهر وربما عانى البعض ألم البعد عن ذويهم وأحبائهم ولكن كل ذلك يهون في سبيل العلم. أيام وليالٍ صعبة مرت عليهم، ولكنهم باجتهادهم وعزيمتهم استطاعوا التغلب على كل الصعاب التي وقفت في طريقهم، فاستحقوا أن يقفوا على منصة التتويج، تتويج مرحلة الجد والعمل المتواصل بشهادة البكالوريوس، كلٌ في مجاله. كم كان المنظرمؤثرا ونحن نشاهد دموع الفرح تلمع في مآقي أمهات وآباء الخريجين وكأنها لآلئ إستحقها هؤلاء ثمنا لوقوفهم خلف أبنائهم يشدون من عزيمتهم ويوفرون لهم سبل الراحة والإستقرار طوال فترة الدراسة. وكم كانت ابتسامات الغبطة والفرح المرسومة على وجوه الخريجين مبشرة بأن هذا الوطن معطاء والمستقبل فيه زاهر لكل مخلص ومجد من أبنائه.

إن أكثر ما شدني في فعاليات هذا الحفل الفسيفساء التي تشكلت من فئات المجتع العماني بقبائله ومناطقه وطبقاته وكأنها تقول: هذه هي عمان الأم الرؤوم، خيراتها تشمل الجميع دون إستثناء، ومعايير الإستمتاع بهذه الخيرات هي الكفاءة والإستحقاق والإنتماء لهذا الوطن فقط. وأضافت التخصصات المختلفة التي تخرج فيها هؤلاء لمسة إضافية إلى هذه الفسيفساء فمنحتها زاوية جمالية أخرى.
وأنا أتفحص في مآقي الأمهات والآباء أستمتع بمنظر اللآلئ المتجمعة في عيونهم وأسلي عيني بتلك الإبتسامات المرسومة على شفاه الخريجين قلت في نفسي لقد كانت الدولة على مستوى عالي لتحقيق هذا الإستحقاق فقامت بتوفير كل ما يلزم ليقف أبناؤها على منصة التتويج هذه، ولكن هذه المرحلة مهمة من حياة أبنائها وبناتها وقد انتهت، إلا أن المرحلة القادمة أهم وأخطر ألا وهي مرحلة العمل والعطاء. ولا بد أن تستلم جهة أخرى هذه الأمانة وتعبر بها إلى المرحلة التالية وتُعيِّن هؤلاء الجنود في مواقع قتالية مناسبة وصحيحة حتى تكون معركة البناء، بناء هذا الوطن الغالي كما يجب وكما خطط لها قائدها المفدى حفظه الله ورعاه.

لا شك أن الجامعة أدت ما عليها من إستحقاق للمرحلة التي إنتهت، إلا أن رسالتها ورسالة الجامعات الأخرى لا تنتهي عند هذه الحلقة، بل لابد من التأكد من أن جهودها لا تذهب سدى وأن الشتلات التي رعتها طوال السنوات الماضية سوف تُزرع في تربة مناسبة وأنها تعطي ثمارا شهية حيثما تُزرع. فالطلبة الذين خرجتهم الجامعة من كلية الزراعة والعلوم البحرية لابد وأنها علمتهم بأن الشتلات التي تزرع في تربة غير مناسبة أو تلك التي تبقى خارج التربة تموت ويصبح ضررها أكبر من نفعها. وتجارب السنوات الماضية وأرقامها تؤكد بأن بعض الشتلات التي أعدتها هذه الجامعة أو غيرها من الجامعات إما أنها قد زُرعت في تربة غير مناسبة أو لا زالت خارج التربة لعدم وجود التربة المناسبة التي تستوعبهم. وحتى تكون الإستفادة كاملة من الجهود والأموال التي تبذلها الدولة فمن الضروري أيضا وجود جهاز مستقل يتابع مخرجات هذا الصرح العلمي العتيد والمؤسسات التعليمية الأخرى ويوجه من حين إلى آخر نحو طرح تخصصات جديدة يحتاجها سوق العمل أو إلغاء تخصصات لا زال حاملوها يبحثون عن عمل على الرغم من مرور سنوات على تخرجهم ولا زالوا يشكلون عبأً على أهلهم بدل أن يكونوا عونا لهم، ناهيك عن الآثار السلبية الأخرى لمثل هذه الحالات.

لاشك أن يوم التخرج يُعد يوما مفصليا في حياة جميع الخريجين الجامعين، فمع غروب شمس هذا اليوم تُطوى صفحة مهمة من كتاب حياته، وهي صفحة الحياة الدراسية بحُلوها ومرها، ويَفتح الخريح صفحة جديدة يتأمل بين سطورها فيتخيل مستقبله ويتمنى أن تبحر سفينة آماله إلى بر الأمان حسب ما خطط له وأن يكون لبنة سليمة وفي المكان المناسب من نهضة هذا البلد المعطاء.

مبارك لنا جميعا تخرجنا من هذا الصرح العلمي، مبارك لنا حصولنا على ثمرة اجتهادنا وعملنا، ولنتطلع جميعا لأن نكون يدا واحدة، نعمل معاً من أجل بناء هذا الوطن الغالي.

2014/11/17

إطلالة القائد البهية

إطلالة القائد البهية

لم أكن متواجدًا بالسلطنة عندما ألقى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس - حفظه الله ورعاه - كلمته السامية إلى أبناء شعبه الأوفياء وإلى القوات المسلحة المدافعة عن الوطن في الثغور. كنت أتصفح وسائل التواصل الاجتماعي وإذا بي أرى جموع الشعب العماني على وسائل التواصل الاجتماعي يعلقون بأنّ هناك خبرًا مهماً سوف يذاع بعد قليل على التلفزيون الرسمي للسلطنة. لم أكن أعلم ماهية هذا الخبر وما الذي سوف يُعلن فيه، حتى إذا ما انتهت تلكم الدقائق القليلة، وإذا بصور صاحب الجلالة وهو يلقي خطابه تتصدر مواقع التواصل الاجتماعي، ونصوص خطابه يتم تناقلها على واتس أب وتويتر وفيس بوك، وما هي إلا دقائق معدودة حتى شاهدت الخطاب كاملا على موقع يوتيوب، وخلال سويعات من الخطاب وصل عدد المشاهدين لخطاب جلالته - أيّده الله - إلى أكثر من 250 ألف مشاهد.

في الحقيقة، فرحت كما فرح إخواني في هذا الوطن بسلامة القائد - أبقاه الله - وحديثه في تلكم الدقائق القليلة، كانت هذه الكلمات المقتضبة كالماء الزلال الذي سقى وروى عطش العمانيين. لقد فرحنا جميعًا بسلامة صاحب الجلالة السلطان قابوس - حفظه الله ورعاه - كما لم نفرح من قبل، فقد جاءت هذه الكلمة السامية لتطمئن الجميع على صحة جلالة السلطان - حفظه الله ورعاه -.

ومن على البعد شاركت في هذه الفرحة من بعيد، مع بعض من أبناء الوطن الأوفياء الذي كانوا في خارج البلد، ينتظرون الأخبار السارة، ويستمعون لخطاب صاحب الجلالة - رعاه الله-.

إنّ الإطلالة السامية لصاحب الجلالة، كان لها الأثر العميق في نفوس أبناء هذا الوطن الغالي، وكم كنت أتمنى أن يكون هذا الخطاب مبكرًا حتى نُكحل أعيننا برؤية صاحب الجلالة - أيّده الله-. وإذ أحمد الله سبحانه وتعالى - على سلامة صاحب الجلالة وأتمنى أن يمد الله - عزّ وجل - في عمره وأن يديم عليه موفور الصحة والعافية من أجل هذا الوطن الغالي، ومن أجل أبناء عمان.

من هذا المنبر، أوجه رسالة إلى أبناء الشعب العماني الأوفياء، لقد أراد صاحب الجلالة - حفظه الله - من خلال هذا الخطاب، أن يوحد كلمتنا لإكمال مسيرة التنمية والعطاء، خدمة لعمان الغالية، ليعمل كل إنسان عماني من موقعه، حسب طاقته، من أجل أن يرتقي هذا الوطن الغالي. لنتحمّل هذه المسؤولية الملقاة على عاتقنا لترتقي كل عمان، ولنقم بدورنا على أكمل وجه، فهذه الأرض الطيّبة بحاجة إلى جهود كل إنسان يعيش عليها.

وأخيرًا، يحق لنا الاحتفال بمناسبة سلامة صاحب الجلالة، ويحق لنا كذلك الاحتفال بالعيد الوطني المجيد. ولتكن احتفالاتنا عاكسة لشخصية الإنسان العماني، وعاكسة للثقافة العمانية على مر العصور.

ختاما، أتمنى من الله العلي القدير، أن يُعيد صاحب الجلالة - حفظه الله - إلى أرض الوطن سالمًا معافى، وأن يبقيه ذخرًا لعمان وأبناء عمان، وأدعو الله تعالى أن يديم على الشعب العماني نعمة الأمن والأمان والاستقرار والتطوّر والرقي تحت قيادة صاحب الجلالة - حفظه الله ورعاه -.


نشرت في جريدة الرؤية يوم الأحد 16/11/2014

2014/11/12

الهندسة الوراثية .. صناعة المستقبل

الهندسة الوراثية .. صناعة المستقبل


لقد أمر الله سبحانه وتعالى الإنسان بأن يتفكر في هذا الكون وفي خلقته، وأن يطلق العنان لعقله بالتأمل والبحث والاستقصاء حتى يصل إلى كنه عظمة الله سبحانه وتعالى وقدرته في خلق هذا الكون اللامتناهي، فقال سبحانه وتعالى: "وفي الأرض أيات للموقنين، وفي أنفسكم أفلا تبصرون" ]سورة الذاريات – الأية 20،21[. وقد حث القرآن الكريم الإنسان لأن يبحث في نفسه ويتفكر في خلقته التي تتجلى فيها قدرة الخالق وعظمته فقال الله سبحانه وتعالى: "فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماء دافق، يخرج من بين الصلب والترائب، إنه على رجعه لقادر" ]سورة الطارق – الآيات 5-8[. وقد عمل المسلمون الأوائل بهذه الأوامر القرآنية المباركة، فجدوا واجتهدوا في البحث والتفكر وطلب العلم وعملوا بوصايا النبي الأعظم صلى الله عليه واله وسلم حيث روي عنه أنه قال: "أطلبوا العلم ولو في الصين".

واستمرت في هذه البيئة مسيرة العلم في التطور والنمو منذ ذلك الوقت، فكانت مذكرات العلماء الأوائل وملاحظاتهم وما خطوه بأقلامهم هي البداية، ثم جاءت الأبحاث العلمية لتكمل مسيرة تطور العلم، وقد تبنى عدد من العلماء بعض النظريات العلمية الدقيقة والتي ساهمت في تطور الأرض والإنسان. حيث أننا نسمع كل يوم عن إنجاز علمي جديد في مجال أو آخر من مجالات العلوم المختلفة، ونقرأ عن تطور جديد شهدته الساحة العلمية، ولمسنا الكثير من هذه الإنجازات خاصة في العقود القليلة الماضية. ومما لا شك فيه أن التطور في المجالين الهندسي والطبي ساهم كثيرا في زيادة رصيد هذه الإنجازات العلمية، فهذين المجالين الواسعين قد انتجا معاً ما يُسمى بـ "الهندسة الوراثية" أو "هندسة الجينات" والتي يُتوقع أن تكون لها مساهمة كبيرة على صعيد العلوم النظرية والتطبيقية.


ما هي الهندسة الوراثية؟
يُعرف العلماء الهندسة الوراثية بأنها "العلم الذي يهتم بدراسة التركيب الوراثي الجيني DNA للمخلوقات بشتى أنواعها، لمعرفة كيفية تناقل الصفات الوراثية من جيل إلى آخر، بهدف التدخل في تلك الصفات في مرحلة لاحقة وتعديلها لإصلاح الخلل الذي قد يطرأ عليها". ويُعرفها اتحاد العلماء المهتمين بالعلوم الوراثية في موقعهم على الأنترنت بأن "الهندسة الوراثية هي التقنيات التي تُستخدم لتطوير المواد الوراثية (الجينات) الموجودة في الخلايا من خلال نقل هذه الجينات إلى كائنات حية من نفس النوع أو نقلها إلى كائنات حية أخرى لتطوير وتحسين هذه الكائنات. وتعتبر هذه الوسائل من التقنيات المعقدة المستخدمة لمعالجة المواد الوراثية والحيوية والكيميائية في الخلايا". (1)

لقد كانت البكتيريا هي أول الكائنات التي تم التعديل على موادها الوراثية هندسيا وكان ذلك في العام 1973 للميلاد، ومن خلال ذلك تم انتاج هرمون الإنسولين من هذه البكتريا وتم لاحقا الإستفادة منه في عملية تسويقية لعلاج مرض السكري، وكانت الفئران هي ثاني الكائنات الحية التي يتم تعديل جيناتها هندسيا وكان ذلك في العام 1975 للميلاد. وقد تبع ذلك أبحاثا كثيرة في الهندسة الوراثية جرت على الحيوانات البرية وخاصة الخنازير.


ما هي خطوات الهندسة الوراثية؟
من المهم جدا معرفة الخطوات التي تمر بها الهندسة الوراثية قبل الدخول في تطبيقاتها واستخداماتها، لأن ذلك سوف يساعد على الفهم الصحيح لهذه التطبيقات والاستخدامات، ولا أريد الدخول هنا في التفاصيل العلمية الدقيقة لعملية الهندسة الوراثية، ولكن سوف اتحدث في هذا المقال عن الخطوات الأساسية والمهمة جدا وبشكل مبسط وسهل للغاية وهي أربعة خطوات رئيسية:
الخطوة الأولى: يتم خلالها عزل الجين المطلوب استنساخه عن طريق تحديد الجين أو العامل الوراثي الذي نرغب بإدخاله إلى الخلايا المستهدفة، ويمكن معرفة العامل الوراثي المطلوب استنساخه عن طريق معلومات سابقة عن المورثات، ومن ثم يتم استنساخه عن طريق عمل نسخ للـ DNA بتفاعلات معينة.

الخطوة الثانية: يتم خلالها إدخال الجين المستنسخ إلى حامل مناسب مثل الحوامل الفيروسية أو البلازميدية، وهي كائنات صغيرة لا تُرى بالعين المجردة.

الخطوة الثالثة: إدخال ما نتج من الخطوة الثانية إلى الخلايا التي يُراد تعديلها.

الخطوة الرابعة: يتم عزل وفصل هذه الخلايا التي تم تعديلها وراثيا عن الخلايا الطبيعية، ومن ثم تنشيطها وإجراء عمليات التكاثر عليها.

وبعد الانتهاء من هذه الخطوات يتم دراسة الخلايا التي تم تعديلها وراثيا بنجاح، ومقارنتها بالخلايا الطبيعية ومعرفة الفروقات بينهما.


تطبيقات الهندسة الوراثية:
الحديث عن تطبيقات الهندسة الوراثية حديث متشعب وطويل جدا، إلا أنه يمكن تلخيص مجالات استخداماتها كالآتي:

المجال الزراعي: سابقا كان من الصعب جدا حماية النباتات من الأمراض الفيروسية، فكانت المحاصيل الزراعية تموت بسرعة كبيرة خصوصا في مواسم انتشار هذه الفيروسات، وكان المزارعون والعلماء المختصون بالهندسة الزراعية وتطوير المحاصيل الزراعية يقتصرون في تحصين هذه النباتات من الفيروسات على التخلص من بقايا المحاصيل السابقة التي قد تكون عائلا للفيروسات، أو استعمال المبيدات الحشرية القاتلة للحشرات التي تقوم بنقل هذه الفيروسات، وقد كان لهذه الإجراءات نتائج محدودة جدا. ولكن مع نشأة علوم الهندسة الوراثية وتطورها أصبحت مقاومة النباتات للأمراض الفيروسية أقوى من ذي قبل وأفضل بكثير، بحيث يتم أخذ عينة من الفيروسات التي تقتل النباتات ويتم تضعيفها بعد ذلك باستخدام تطبيقات الهندسة الوراثية ومن ثم حقنها في النباتات – كما هو حاصل في التحصين عند الإنسان – وبالتالي تتمكن النباتات من مواجهة هذه الفيروسات والدفاع عن نفسها.

إنتاج نباتات مقاومة للحشرات كان الإنجاز الثاني لتطبيقات الهندسة الوراثية في المجال الزراعي، حيث يتم بموجبه أخذ بروتينات تنتجها نوع من البكتيريا النباتية، ومن ثم عزلها وتطويرها ثم وضعها في المبيدات الحشرية، وتساهم هذه المبيدات المحتوية على هذا النوع من البروتينات في قتل بعض أنواع الحشرات، وقد أثبتت الدراسات أنه لا يوجد أي تأثير سلبي لهذه المبيدات الحشرية الخاصة على الثديات عند تناولها لهذه النباتات.

المجال الحيواني: إن أول تطبيقات الهندسة الوراثية في المجال الحيواني كانت انتاج هرمونات تساعد على زيادة سرعة النمو في الحيوانات، لأهمية ذلك من الناحية التجارية، خاصة وأنه تم استخدام هرمونات النمو المعدلة في الفئران منذ فترة طويلة وقد أثبتت جدواها وكفاءتها، ولكن التجارب التي أجريت على الحيوانات الأخرى وبالخصوص الخنزير لم تعطي نتائج جيدة، فكانت نتائج الأبحاث متضاربة من منطقة لأخرى. ونظرا لما لنجاح هذا التطبيق من أهمية كبيرة تجاريا فلا زالت المحاولات والأبحاث والتجارب مستمرة إلى يومنا هذا.

أما التطبيق الثاني في مجال الإنتاج الحيواني فقد تركز على محاولات لإنتاج حليب بقري شبيه بالحليب البشري وذلك لتحسين خواص الحليب المقدم لتغذية الأطفال، ولا زالت الدراسات والأبحاث قائمة في هذا المجال، إلا أنه لم يتوصل العلماء حتى الآن إلى تحضير حليب بقري مشابه في خواصه للحليب البشري تماما.

المجال الطبي: لقد استطاع العلماء من خلال الهندسة الوراثية إنتاج هرمون الانسولين وهرمونات النمو البشري (Growth hormone)، كما استطاع العلماء من خلال هذه التقنيات الحديثة من صناعة اللقاحات وغيرها من الأدوية. كما استطاع العلماء من تعديل بعض الجينات المعطوبة من خلال تغيير هذه الجينات بجينات أخرى معدلة وراثيا، وربما تكون الأمراض المناعية هي أهم الأمراض التي تم فيها الاستفادة من الهندسة الوراثية لمعالجة المرضى المصابين بها، ومع ذلك فإن هذه العلاجات تتم في مراكز متخصصة جدا حتى يتم تفادي أي أثر سلبي لهذه العمليات.

كما أن تطبيقات الهندسة الوراثية تستخدم في تشخيص مختلف الأمراض الوراثية التي تصيب الإنسان، ومعرفة مدى تأثيرها على مستقبل الفرد من خلالها. كذلك قد يكون باستطاعة الفرد أن يستخدم الخريطة الوراثية لاختيار زوجة مناسبة أو زوج مناسب لانجاب أطفال أصحاء في ضوء معلومات مخزنة في بطاقة الكترونية صغيرة.


سلبيات استخدام الهندسة الوراثية:
من الوهلة الأولى، يبدو الحديث عن الهندسة الوراثية والتطور الكبير الذي أحدثته رائعا جدا، وأن هذه التطبيقات سوف تجلب السعادة للبشرية، ولكن وُجد من خلال الأبحاث المستفيضة في هذا المجال والملاحظات المقدمة من العلماء أن للهندسة الوراثية عددا من المخاطر والسلبيات فيما لو تمت إساءة استخدام هذه التقنيات الحديثة. فأول هذه المخاطر هي أن التجارب التي تجري حاليا في مجال الهندسة الوراثية على الرغم من أنها تجارب مبسطة وغير معقدة، فقد شكلت هذه النقلة النوعية، ولكن ما الذي سوف يحدث إذا ما أجريت التجارب الأكثر تعقيدا والتي قد تغير الخريطة الوراثية أو التركيب الوراثي للإنسان، وحيث أنه لا توجد أي دراسات حديثة في هذا المجال فلا يمكن الجزم بنتائج التجارب المعقدة، والتي قد يكون لها تأثيرات سلبية على الإنسان.

ثانيا، يقول بعض العلماء أن أي خطأ قد يحدث في إجراء تجارب الهندسة الوراثية فإنه خطأ غير معكوس أي لا يمكن العودة إلى نقطة البداية، وبالتالي فإن هذه الأخطاء قد تُنتج سلالات جديدة من المخلوقات الحية نتيجة دمج المواد الوراثية لكائنات مختلفة وهذا الأمر قد يشكل خطرا على التوازن البيئي للكرة الأرضية.

وقد أجرت جامعة القاهرة دراسة نشرت نتائجها في جريدة "المصري اليوم" بعددها الصادر في يوم الأحد بتاريخ 12/8/2012 للميلاد ملخصها أن فئران التجارب التي تناولت الأطعمة المعدلة وراثيا قد أصابتها أمراض مناعية ومشاكل في الجهاز الهضمي بالإضافة إلى فقدان قدرتها على الإنجاب وسرعة شيخوختها مقارنة بفئران التجارب التي تناولت الأطعمة الغير معدلة وراثيا، وهذه النتائج جاءت مطابقة لبعض الدراسات التي أجريت على فئران التجارب في مختلف دول العالم (2).


الرؤية الشرعية حول الهندسة الوراثية:
وبسبب وجود هذه المشاكل والعواقب والأخطار المتوقعة والتي ذكرناها سابقا، كان لابد من معرفة وجهة النظر الشرعية حول عمليات الهندسة الوراثية لأجل معرفة رأي الشرع في مثل هذه المواضيع المهمة في ضوء فوائدها العديدة وفي الوقت نفسه سلبياتها الكثيرة. وقد وجدنا أن علماء الفقه والأصول قد انقسموا إلى ثلاثة أقسام، فبعضهم يؤيد استخدام تطبيقات الهندسة الوراثية بجميع أشكالها مهما كانت، باعتبارها وسيلة مهمة لتطوير المجتمع البشري ومجالا رحبا لطلب العلم خاصة وأنه يمكن الاستفادة منها في علاج الأمراض المستعصية، وقسم آخر يحرم استخدام تقنيات الهندسة الوراثية باعتبارها تدخلا غير مرغوب فيما خلقه الله تعالى الذي خلق فسوى، واستنادا لما ورد في القرآن الكريم على لسان ابليس: "ولآمرنهم فليغيرن خلق الله" ]سورة النساء – الأية 119[، والقسم الثالث من العلماء يجيز استخدامها في مجالات الخدمة الإنسانية ويحرمها إذا كان فيها تغييرا لخلقة الإنسان أو الحيوان.


ختاما، ومن خلال ما استعرضنا حول تطبيقات الهندسة الوراثية وبعض مخاطرها والرؤية الشرعية بخصوصها، فإن عمليات وتقنيات الهندسة الوراثية قد تؤدي إلى تطور كبير في العلم الحديث كما هو حاصل الآن، وقد تُحدث نقلات نوعية كبيرة في المجالات المختلفة التي تم تطبيقها عليها، وما قد يتم تطبيقه مستقبلا، إلا أن الحذر الشديد مطلوب عند استخدام هذه التطبيقات والذي يجب أن يتم بعد إجراء أبحاث دقيقة ومتأنية حتى تكون في صالح المجتمع الإنساني والكون بأسره.






نشرت في العدد الثاني من مجلة #شرق_غرب الثقافية العمانية