2021/10/03

مشاهد من ٢٠٠٧م و ٢٠٢١م

 مشاهد من ٢٠٠٧م و ٢٠٢١م


كل هذه المشاهد من أمطار وأودية ومجازفات لعبورها تذكرني بعام ٢٠٠٧ للميلاد، عندما أعلنت الجهات المعنية أن إعصارا سيمر بالسلطنة وقد سُمي *جونو*. كنا حديثي عهد بالأعاصير، فلم يمر علينا إعصار قبلها ولكن سمعنا عنها وقرأنا أيضا عن أعاصير تضرب الهند وأمريكا وغيرها من الدول.


اسئلة واستفهامات كثيرة، كيف سيكون، بل ماهي الأضرار المحتملة، ضج الناس كلهم بالدعاء لأن ينجي الله عمان وأهلها من شر جونو وغير جونو. لكن هيهات، فالأمر قد حُسم، وجونو يقترب رويدا رويدا من بلانا الغالية.


خرج البعض من منازلهم والتي كانت قريبة من البحر أو مجاري الأودية دونما أمرٍ بالإخلاء وكنا منهم، وجازف البعض الآخر بأن بقي في منزله، حتى خرج من خرج منهم عندما لم يكن لديه خيار آخر، فكان مكرها لا بطلا.


كنت حينها في الصف ال١١ أو الثاني الثانوي بالمسمى القديم، وأتذكر إن لم تخني ذاكرتي الضبابية بأننا كنا قد إنتهينا من أربعة امتحانات من امتحانات نهاية الفصل الثاني وبقيت ثلاثة، خرجنا من منزلنا وأخذنا معنا كل غالٍ ونفيس وما تمكنا من إخراجه، ويممنا شطرنا نحو مكان بعيد عن البحر أو الوادي، وكان كل همي هو الامتحانات ليس إلا.


لن أتحدث كثيرا عما حدث، فالذاكرة الضبابية لا تسعفني أبدا، ولكنها كانت أياما ثقيلة جدا، كنا جميعا حينها جالسين أمام شاشات التلفاز على قناة سلطنة عمان، نتابع الأحداث أولا بأول، الأثار الناتجة، السيارات المكسورة، الأودية الجارفة، الأرواح والإصابات، كل شيء على مدار الساعة، ولم نكن نعلم متى نعود إلى منزلنا.


حتى ما إذا سكنت الرياح وخفت الأمطار، وأُعلن عن نهاية الأنواء المناخية، خرجنا من مخبئنا ومأوانا، نظرنا حولنا وإذا الوضع غير الوضع الذي كان قبل *جونو*، لكنه أشعلنا حماسا، فقد هب الجميع بدون اسثناء صغارا وكبارا، جيشا وشرطة ومدنيين، مواطنين ومقيمين من أجل إصلاح وإنقاذ ما يمكن إنقاذه في تكاتف مبهر ورائع أخرج المعدن الحقيقي والصلب لمن سكن هذه الأرض الطيبة.


لا أزال كلما شاهدت الصور من هنا وهناك أتذكر تلكم الأيام، ولقد مرت علينا أعاصير وأنواء مناخية أخرى مثل فيت وميكونو والآن #شاهين إلا أن جميعها تنحني أمام هذه الأرض وصلابة وقوة وعزيمة من سكن عليها.


٣/أكتوبر/٢٠٢١م

عند مرور إعصار شاهين على أرض السلطنة

د. رضا عيسى اللواتي

2021/09/24

ملحمة الطف الخالدة

ملحمة الطف الخالدة

ملحمة الإمام الحسين عليه السلام في سنة ٦١ للهجرة لم تكن مجرد حرب بين فئتين غير متكافئتين، أو صراعا بين قبيلتين، أو معارضة سياسية أو كما يُروج البعض بأن الإمام الحسين عليه السلام كان يريد السلطة السياسية.

كانت هذه الملحمة منذ بدايتها وأعني بذلك منذ أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله عنها منذ ولادة الإمام الحسين بن علي عليه السلام في سنة ٣ للهجرة. هي حركة قيام وثورة - سمها ما شئت - حركة تغيير للأمة الإسلامية مرتبطة بالدين نفسه ولولا ذلك لما أخبر النبي صلى الله عليه وآله عنها!

فلمَ يتحدث النبي صلى الله عليه وآله منذ ولادة الإمام الحسين عليه السلام عند قضية مقتله في كربلاء ويذكر على ذلك علامات ودلالات! بل لم يفوت النبي صلى الله عليه وآله أي فرصة دون الحديث عن هذا الأمر.

حتى إذا ما شارفت سنة ٦٠ للهجرة النبوية على الانتهاء، حمل الحسين عليه السلام أهله وعياله وبعض أصحابه وأنصاره واتجه إلى مكة المكرمة وأعلنها مدوية أنه يقف في وجه الظلم ووجه تغيير الدين، في وجه كل طاغية متجبر حتى قال ليكون مثالا لكل أحرار العالم: "ومثلي لا يبايع مثله".

ولما أن خرج يوم التروية من مكة المكرمة حيث يفد الحجيج إليها، أعلن لكل العالم أجمع أنه لو استمرت تلكم الطريقة فلن يكون لحجكم أو صلاتكم أو صيامكم أي معنى بل ستكون مجرد حركات تقومون بها، وتوجه إلى بيته الأبدي كربلاء.

ولما أن صار يوم عاشوراء، كان كل شيء ينظر لهؤلاء النفر الأبيض منهم والأسود، الحر والعبد، المسلم والنصراني، الصغير والكبير، الطفل والشاب والشيخ، الرجل والمرأة، ٧٠ رجلا وعدد من النساء والأطفال يقودهم الإيمان والإسلام المحمدي كله متمثلا في الحسين بن علي عليه السلام ضد كل الشر والكفر والنفاق والإسلام المنحرف.

نعم، لقد كان خط الإسلام المحمدي العلوي في وجه الإسلام المنحرف، إسلام هوى النفس، إسلام الطغاة، ودليل ذلك أنه عليه السلام أوقف الحرب حتى يصلي هو وأنصاره في أول وقت الصلاة كما كان أبوه أمير المؤمنين عليه السلام يفعل ففي ليلة الهرير عندما قام للصلاة وسأله الناس هل هذا وقت الصلاة أجاب علام نقاتلهم؟. نعم لقد حارب الحسين عليه السلام تلك الفئة من أجل إقامة ما اعوج من الإسلام. 

لقد تجسدت في تلكم السويعات، كل أنواع الإيمان والتضحية والفداء والبذل والحهاد في سبيل الله من كل من كان في معسكر الحسين عليه السلام، ضحى الموجودون في ذلك المعسكر من أجل أن يبقى الإسلام الذي جاء به رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ليبقى هذا الخط مرسوما ممتدا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

كانت ملحمة العشق، والذوبان في حب الله تعالى، وتصديقا لرسوله المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإيمانا ويقينا بالقائد الحسين بن علي عليه السلام، حتى قال قائلهم: "أكلتني السباع حيا إن أنا تركتك" وقال أصحابه وفدائيوه وأهله مثل هذه المقولات العظام ما قالوا.

لقد تركت لنا كربلاء نموذجا واقعيا لكل الصفات الحميدة والخصال الحسنة، وأبقت لنا كربلاء وأبقى لنا ظهر عاشوراء خط الإسلام المحمدي الأصيل، ووصل إلينا خاليا من الشوائب ونقيا طاهرا، ولولا ذلك لكنا الآن لا نعلم من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه.