2015/07/08

حتى لا نكتوي بناره !!!!

حتى لا نكتوي بناره !!!!


لم تكد تمضِ أسابيع قليلة على الإنفجارات التي هزت بعض المساجد في المملكة العربية السعودية الشقيقة، وأراقت دماء زكية بريئة لنفوس لم يكن ذنبها سوى أنها لبت نداء “حي على الصلاة”، حتى تكرر المشهد نفسه في دولة شقيقة أخرى وهي دولة الكويت، زهقت فيها نفوس مؤمنة. لم يحترم من خطط ونفذ لإخراج هذا المشهد حبل التواصل الممدود بين الضحايا وبين خالقهم وهم سجود في صلاتهم ليوم الجمعة وفي شهر الله، فتناثرت دماؤهم وأشلاؤهم وارتفعت أرواحهم إلى بارئها متسائلة بأي ذنب قتلت. ونحن أيضا نتسائل بأي ذنب أزهقت هذه النفوس.
ما حدث قبل أيام كان متوقعا حدوثه ليس في الكويت فحسب بل في أي مكان في العالم. ففي ظل الجو الملوث بكافة أنواع الشحن المذهبي والطائفي البغيض العابر للقارات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والسكوت المريب إن لم يكن مساهمة بعض الحكومات والمؤسسات في خلق هذا الجو الملوث، كان لابد لبعض العقول المتحجرة وبعض الأفكار السوداء أن تجد حاضنة مناسبة لتفرخ فيها وتنمو وتترعرع وتتجرد من أدنى مظاهر الإنسانية، فتتحول إلى غول طائفي ومذهبي شرس يقتات على أشلاء البشر وينهل من دمائهم، بحيث لا يفرق بين مذهب ومذهب أو دين ودين أو قبيلة وقبيلة أو مسجد وكنيسة ورقص، والكارثة المفجعة أن الغول المتمثل بهيئة البشر، والبشر منه براء، يزداد ضخامة وتوحشا وفتكا رافعا راية الإسلام الذي لم يدخل قلوب الناس إلا بالحكمة والموعظة الحسنة.
لو تمعنا قليلا في الأحداث الأخيرة، لوجدنا أن معظمها وقعت في أيام الجمعة، أي في يوم عبادة المسلمين وفي وقت واحد تقريبا وهو وقت صلاة الجمعة، وهو اليوم الوحيد من أيام الأسبوع الذي خصه الله سبحانه وتعالى بسورة في القرآن الكريم واختصه بصلاة خاصة به، في حين أن مجزرة مسجد الكويت وقعت في شهر رمضان المبارك. لذا وفي سياق هذه الحيثيات، من الغبن الشديد بل ومن الطامة الكبرى أن يصدق المرء بأن من قام بهذه الجرائم مسلم أو موحد أو حتى إنسان، لأنه حتى الحيوان في الغابة لا يقتل إلا إذا لم يجد ما يسد به جوعه، فكيف لمسلم أن يتجرأ لقتل مسلم في مكان مقدس وفي يوم مقدس وفي شهر مقدس وفي ضيافة الواحد الأحد. ليس هذا فحسب بل يحدث هذا باسم الإسلام وتحت راية الإسلام وبتكبيرة الإسلام. أي منطق هذا الذي يدعون وأي إسلام يعتنقون.
من الصعوبة بمكان، أن تُقدم فئة ما على عمل كهذا من دون أن يكون لها فكر نظري يؤسس لمثل هذه الأعمال، ويُنظر لها. وعندما أتحدث عن الأساس النظري والتنظير لهذا الفكر، لا أعني فئة دون أخرى، ولو رجعنا إلى تُراثنا الإسلامي لوجدناه لا يخلو من مشاهدَ العنف والقتل والدمار التي حدثت بين فترة وأخرى، ووجد من يدعو إليها بل وينظر لها. بل إن البعض منهم إدعى ولا زال أن الإسلام انتشر بالذبح، وهذا ما نسمعه في خطاباتهم ونقرأه في بياناتهم كقولهم “والصلاة والسلام على رسول الله الذي بعث “بالسيف” رحمة للعالمين”. لعمري كيف يكون القتل والذبح رحمة للعالمين. إلا أن هذه الجماعات المحسوبة على الإسلام وللأسف، تأبى إلا أن تعتنق القتل والذبح والتنكيل لنشر دعواهم زورا وبهتانا باسم راية إسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي بُعث رحمة للعالمين. فنراهم يتفننون في ابتكار وسائل وأساليب مرعبة للقتل والذبح والتنكيل لنشر الرعب والخوف بين البشر لا بل وحتى الشجر والحجر. وللأسف فقد وجد هؤلاء في بعض كتب التراث وفي فتاوى بعض علماء الفتنة مصادر للتنظير لأفكارهم التكفيرية وزودتهم بمبررات ففقهية مضلله لنشرها بتلك الأساليب التي أقل ما يقال عنها أنها لا إنسانية. وبالتالي فإن منابع هذا الإجرام وأهدافه المختلفة لا تمت إلى الإسلام بصلة لا من قريب ولا من بعيد، وإنما يتم استغلال الإنفعال الطائفي والمذهبي المنتشر في المنطقة مثل النار في الهشيم.
لذا نرى أن معالجة هذا البلاء يتم عن طريق حلول تُعطي الوقاية وتُقدم العلاج. من أهم الحلول لمواجهة هذه الأفكار والمعتقدات الضالة هو تنقية التراث الإسلامي من الإسرائيليات الإرهابية الدخيلة على دين الرحمة والتسامح. فوجود هذا الكم الهائل من الروايات والنصوص والأقوال والأحداث في التراث الإسلامي التي تدعو إلى العنف وإلغاء الغير وتكفيره بأي وسيلة كانت، كفيل بأن يشكل رافدا قويا لفئة فنها القتل، وهوايتها الذبح، وهويتها حز الرقاب.
وما أحوجنا اليوم إلى اجتماع الأمة وتوحيد جهودها من مشرقها إلى مغربها، لتنقية هذا التراث الجم من الشوائب التي  دخلت عليه سواء عن قصد أو غير قصد، عن طريق غربلة وتنقيح هذا التراث من الموضوعات. لا سيما وأن العقود القليلة الماضية شهدت موجات عنيفة من التكفير والتفسيق ابتداء من فتاوى الدم التي احترف على إصدارها علماء لا ينتمون إلى أمة إقرأ بل لا شك ولا ريب ينتسبون إلى أمة إذبح، وانتهاءً بالتراشق والتلاسن والسب على قنوات الفتنة بين من يدعون العلم وهم ليسوا إلا أباليس لفظتهم جهنم لشدة مرارة لحومهم.
إن الفتاوى التكفيرية والطائفية والمذهبية التي يصدرها علماء أعمتهم العصبية الجاهلية وشكلت الإسرائيليات الإرهابية الدخيلة على الدين الحنيف منهلا لمعتقداتهم أو غررت بهم الدولارات المشبعة برائحة البترول، مزقت حتى الآن أوصال أكثر من تسع دول عربية وإسلامية والحبل على الجرار. ولا أدري أية صعقة كهربائية أشد من تلك التي نكتوي بها الآن لكي نصحو وننقذ ما يمكن إنقاذه من البشر والحجر والشجر، والحمد لله فإن جهود بعض العقلاء في الأمة من حكام وساسة وعلماءدين ومثقفين، تشكل حتى الآن عنصر وقاية من الانحدار التام نحو العنف المذهبي المتبادل وإن كانت بوادر هذا الانزلاق تلوح في الأفق. وبالفعل فقد تنبه بعض المثقفين إلى هذه الحقيقة المرة، وبدأوا يرسلون رسائل تحذير من خلال كتاباتهم ومؤلفاتهم ولا بأس أن أشير هنا إلى رواية “فئران أمي حصة” للكاتب الكويتي سعود السنعوسي، والتي أنهيت قراءتها تزامنا مع تفجير مسجد الإمام الصادق في حي الصوابر بالكويت.
والسؤال المطروح والذي يفرض نفسه على من تبقى من عقلاء هذه الأمة حكاما ومحكومين، علماء دين ومثقفين وأثرياء ومعدومين، هل ننتظر جريان أنهار الدماء في شوارع عواصم ما تبقى من دولنا؟ هل ننتظر تجزئة ما تبقى من المجزء من دولنا؟ هل ننتظر تحويل ما تبقى من شعوبنا إلى سكان مخيمات اللاجئين في أوطانهم؟ ألا يكفي ما أنتجته أيدينا في أفغانستان وباكستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن من دمار وخراب؟ هل نريد أن نرى كل ما أنجزناه في العقود الماضية من تطور في العمران والبنية التحتية وشتى مجالات الحياة، هل نريد أن نرى كل ذلك ينهار أما أعيننا قاعا صفصفا؟ متى سنفهم أن الدمار إن حل في مكان فلن يفرق بين أبيض وأسود، بين قبيلة وأخرى، بين غني وفقير، إنه سوف يجرف الجميع بلا استثناء. إلى متى سنقف مكتوفي الأيدي ونحن نشاهد سونامي الإرهاب الجارف يقتلع بلدانا بأكملها على طريق طنجة جاكرتا.
حقا يحز علينا نحن في دول الخليج خاصة، أن نقف متفرجين ونحن نشاهد بأم أعيننا بلداننا، واحات الأمن والأمان، تتعرض لموجة إرهاب يقف أمامه الصهاينة والمغول والتتار خجلا لأنهم على فظاعة ما ارتكبوه لم يصلوا إلى مستوى إرهاب تتار ومغول عصرنا الذين صنعناهم وغذيناهم وللأسف بأيدينا ورميناهم في أحضان الصهيونية، فماذا نحن فاعلون إذاً لوقف هذا الزحف، وما دورنا لحماية دولنا من الخراب والدمار، والمحافظة على منجزاتنا من الضياع.
إن الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي مرت وتمر بها الأمة أوجدت في نفس كل واحد منا إرهابيا صغيرا ينتظر الأرضية الخصبة لينمو ويكبر. وليس شرطا أن تسلم لهذا الإرهابي سكينا أو بندقية ليفرغ بها شحنات الكبت والمعاناة  ضد الأبرياء، بل يكفي أن تلعب بعقله ليصبح صاحب فكر إقصائي تكفيري، صاحب فكر يُنظر للإرهاب ويقتات عليه. لذا فإن الدول والحكومات مطالبة بتصحيح الأوضاع، الأمر الذي سوف يساعد كل واحد منا لأن يتخلص من هذا الإرهابي الصغير الذي يقيم في نفسه أو على الأقل يوقف نموه الذي يعمل على إذكائه دون كلل بعض علماء الفتنة وعبيد المال ونافخوا الكير وبعض القنوات الفضائية.
وهنا يبرز دور العلماء الربانيين الأجلاء لتوجيه وتثقيف المجتمعات وتنقية أفكارهم وتقويمها بما يتفق مع تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. ولا ننسى دور الأسرة في هذا السياق وما يمكن أن تشكله من سد منيع يحول دون إنحراف الأجيال نحو طريق الفتنة والمذهبية والطائفية وإقصاء الآخر.
لقد كان حضرة صاحب الجلالة حفظه الله كعادته سباقا إلى الدعوة لتجنيب البلاد والأمة ويلات ما تمر به حاليا، فقد حذر صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – في إحدى كلماته السامية عندما قال: “إن التزمت في الفهم الديني لا يؤدي إلا إلى تخلف المسلمين، وشيوع العنف وعدم التسامح في مجتمعاتهم. وهو في حقيقة الأمر بعيد عن فكر الإسلام الذي يرفض الغلو، وينهى عن التشدد، لأنه دين يسر، ويحب اليسر في كل الأمور. وصدق الرسول عليه الصلاة والسلام إذ يقول: ((إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)) وليس بعد حديث الرسول من مقال”.
النقطة الأخرى التي يجب التركيز عليها هو حب الوطن والمواطنة. فها هو الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يربط حب الوطن بالإيمان فيقول: “حب الوطن من الإيمان”، فلنتخذ هذا الحديث الشريف عنوانا لحياتنا، وطريقا نتبعه في كل وقت وآن. وحق لي أن استشهد بمقولة لصاحب الجلالة السلطان قابوس – أيده الله – في هذا المضمار إذ يقول في إحدى خطبه السامية: “ومن ثم فإن على كل مواطن أن يكون حارسا أمينا على مكتسبات الوطن ومنجزاته التي لم تتحقق كما نعلم جميعا إلا بدماء الشهداء، وجهد العاملين الأوفياء، وألا يسمح للأفكار الدخيلة التي تتستر تحت شعارات براقة عديدة، أن تهدد أمن بلده واستقراره، وأن يحذر ويحذر من هذه الأفكار التي تهدف إلى زعزعة كيان الأمة، وأن يتمسك بلب مبادئ دينه الحنيف وشريعته السمحة التي تحثه على الالتزام بروح التسامح والألفة والمحبة”.
فإن أي مشكلة ستصيب الوطن، سأكون أنا أول المصابين بهذه المصيبة، أما الذين يعيشون معي في هذا الوطن، أتفقنا أم اختلفنا فهم إخواني وأقاربي وجيراني، عرضهم عرضي، وما يؤذيهم يجب أن يؤذيني. هذه هي المواطنة، أن نكون يداً واحدا في مواجهة كل تطرف وغلو، وأن لا نسمح للأفكار المنحرفة بأن تدخل بيوتنا ومجالسنا ومجتمعاتنا.
وفي الحقيقة فإن مواقف حضرة صاحب الجلالة حفظه الله وسياسات حكومته الرشيدة ومنذ فجر النهضة المباركة رسمت لعماننا الحبيبة لوحة فسيفساء رائعة لم توفر أية مساحة للتعصب والطائفية والمذهبية وإنما تزينت بأجمل ألوان المواطنة والحب والأخوة والتعايش واحترام الآخر. ووسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية النزيهة تتسابق في تقديم شهادات التقدير والاحترام لما تتمتع به السلطنة من بيئة يحسدنا عليها الكثيرون والتي ما كانت لتتوفر لولا حكمة عاهل البلاد المفدى والتلاحم المخلص بين الوطن والمواطن.
لا شك أن الإرهاب الذي هز دولة الكويت الشقيقة والضحايا الأبرياء الذين سقطوا، أدمعت عيوننا وأدمت قلوبنا، ولكن المواساة كانت في التلاحم الذي ظهر بين الحكومة ومختلف فئات الشعب الكويتي. وما موقف سمو أمير الكويت الذي وصل إلى موقع الحدث والدموع في عينيه وهو يردد “هذول عيالي”، إلا دليلا على عمق العلاقة والمحبة بين أمير البلاد وشعبه. لقد تعاضد أبناء الشعب الكويتي، وأنصهر الجميع بمختلف طوائفهم وقبائلهم ومناطقهم تحت راية الكويت وفي بوتقتها. ورأينا كيف كان التشييع والدفن مهيبا. كل ذلك سدد ضربة مميتة للإرهاب ووقف حائلا دون تحقيق أهداف الفكر التكفيري التي كانت متوقعة من هذا العمل الإرهابي ألا وهو خلق الفتنة بين مكونات الشعب الكويتي، الأمر الذي نزل بردا وسلاما واطمئنانا ليس على قلب الشعب الكويتي بل أبناء الخليج كلهم.
هذا هو المطلوب منا جميعا، الوحدة الوطنية، والتعاضد والتكافل بين أبناء الوطن الواحد. إنه كفيل بتحقيق الوحدة بين الأمة جميعها، ويجب أن يكون هذا التلاحم والتعاضد في جميع الظروف والأوقات والأزمنة، في الحرب والسلم، في السراء والضراء، في حالة الخوف أو في حالة الأمن، فكلنا معرضون لمثل هذه الأفعال الإجرامية، وكلنا في مرمى الخطر دون استثناء، فالإرهاب أيا كان مصدره ولونه، فإنه لا دين له ولا إنسانية ولا مذهب ولا أخلاق ولا ضمير.
وللأسف إنما يجري على أرضنا العربية والإسلامية، يقرح القلوب، ويدمع العيون، فالمآسي كثيرة، والشهداء والجرحى أكثر، والمعاناة شديدة. ترى ماذا يُراد لنا من كل ما حصل ويحصل، وإلى أين سنصل؟ ولكن كلي يقين بأن الوحدة الوطنية هي الحل، فإن كنا متحدين كالجسد الواحد فسنصمد كالبنيان المرصوص، وإن تفرقنا لا قدر الله فالسقوط مآلنا. نسأل الله أن يكشف هذه الغمة عن هذه الأمة إنه سميع مجيب.