2014/11/27

#فرحة_تخرج2014

#فرحة_تخرج2014


بهذا الوسم (الهاشتاق) شارك خريجوا الدفعة الـ25 من طلاب جامعة السلطان قابوس بعضهم البعض فرحتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وسرعان ما انتشر وسم "#فرحة_تخرج2014" بين طلاب جامعة السلطان قابوس، فراح كل واحد يدلي بدلوه ويعبر عن فرحته بهذا الإنجاز الكبير على طريقته الخاصة، مستعرضين شريط الذكريات طوال سنوات الدراسة في الجامعة. فبعضهم إستذكر المواقف المحرجة التي تعرض لها في السنة الأولى من دراسته في الجامعة، والبعض الآخر تحدث عن المواد الدراسية ومعمعة الامتحانات، وآخرون وجدوها فرصة لتذكر زملاء الدراسة والأوقات التي قضوها معا. إختلفت الأمور التي تداولوها في تعليقاتهم، لكن جميعهم إتفقوا على أن سنوات الدراسة الجامعية وذكرياتها لا يُمكن أن تُمحى من الذاكرة أبدا.

ومن حسن الطالع فقد تزامن حفل تخرج الدفعة الـ25 مع الإطلالة الكريمة لمولانا حضرة صاحب الجلالة – حفظه الله ورعاه - التي أثلجت القلوب والكلمة السامية التي تفضل بها، فأدخل بكلماتها الفرح والطمأنينة على قلوب محبيه، وجاءت إحتفالات البلاد بالعيد الوطني الـ44، لتضاعف فرحة الخريجين وهم يستلمون شهادات التخرج. الكل كان يشعر بالغبطة والفرح والسرور، فلا شك ولا ريب أن الكل بذلوا جهودا جبارة والكل تعب وسهر من أجل هذه اللحظة التي انتظروها طويلا وكانوا يحلمون بها وهم يشاهدون من سبقهم من طلاب هذه الجامعة في مثل موقفهم هذا.

ما أحلى أن يذوق المرء حلاوة النجاح، فكلما كانت المعاناة أكبر في سبيل تحقيق هذا النجاح كانت حلاوة النجاح أعذب. لا شك أن الكل تعب والكل سهر وربما عانى البعض ألم البعد عن ذويهم وأحبائهم ولكن كل ذلك يهون في سبيل العلم. أيام وليالٍ صعبة مرت عليهم، ولكنهم باجتهادهم وعزيمتهم استطاعوا التغلب على كل الصعاب التي وقفت في طريقهم، فاستحقوا أن يقفوا على منصة التتويج، تتويج مرحلة الجد والعمل المتواصل بشهادة البكالوريوس، كلٌ في مجاله. كم كان المنظرمؤثرا ونحن نشاهد دموع الفرح تلمع في مآقي أمهات وآباء الخريجين وكأنها لآلئ إستحقها هؤلاء ثمنا لوقوفهم خلف أبنائهم يشدون من عزيمتهم ويوفرون لهم سبل الراحة والإستقرار طوال فترة الدراسة. وكم كانت ابتسامات الغبطة والفرح المرسومة على وجوه الخريجين مبشرة بأن هذا الوطن معطاء والمستقبل فيه زاهر لكل مخلص ومجد من أبنائه.

إن أكثر ما شدني في فعاليات هذا الحفل الفسيفساء التي تشكلت من فئات المجتع العماني بقبائله ومناطقه وطبقاته وكأنها تقول: هذه هي عمان الأم الرؤوم، خيراتها تشمل الجميع دون إستثناء، ومعايير الإستمتاع بهذه الخيرات هي الكفاءة والإستحقاق والإنتماء لهذا الوطن فقط. وأضافت التخصصات المختلفة التي تخرج فيها هؤلاء لمسة إضافية إلى هذه الفسيفساء فمنحتها زاوية جمالية أخرى.
وأنا أتفحص في مآقي الأمهات والآباء أستمتع بمنظر اللآلئ المتجمعة في عيونهم وأسلي عيني بتلك الإبتسامات المرسومة على شفاه الخريجين قلت في نفسي لقد كانت الدولة على مستوى عالي لتحقيق هذا الإستحقاق فقامت بتوفير كل ما يلزم ليقف أبناؤها على منصة التتويج هذه، ولكن هذه المرحلة مهمة من حياة أبنائها وبناتها وقد انتهت، إلا أن المرحلة القادمة أهم وأخطر ألا وهي مرحلة العمل والعطاء. ولا بد أن تستلم جهة أخرى هذه الأمانة وتعبر بها إلى المرحلة التالية وتُعيِّن هؤلاء الجنود في مواقع قتالية مناسبة وصحيحة حتى تكون معركة البناء، بناء هذا الوطن الغالي كما يجب وكما خطط لها قائدها المفدى حفظه الله ورعاه.

لا شك أن الجامعة أدت ما عليها من إستحقاق للمرحلة التي إنتهت، إلا أن رسالتها ورسالة الجامعات الأخرى لا تنتهي عند هذه الحلقة، بل لابد من التأكد من أن جهودها لا تذهب سدى وأن الشتلات التي رعتها طوال السنوات الماضية سوف تُزرع في تربة مناسبة وأنها تعطي ثمارا شهية حيثما تُزرع. فالطلبة الذين خرجتهم الجامعة من كلية الزراعة والعلوم البحرية لابد وأنها علمتهم بأن الشتلات التي تزرع في تربة غير مناسبة أو تلك التي تبقى خارج التربة تموت ويصبح ضررها أكبر من نفعها. وتجارب السنوات الماضية وأرقامها تؤكد بأن بعض الشتلات التي أعدتها هذه الجامعة أو غيرها من الجامعات إما أنها قد زُرعت في تربة غير مناسبة أو لا زالت خارج التربة لعدم وجود التربة المناسبة التي تستوعبهم. وحتى تكون الإستفادة كاملة من الجهود والأموال التي تبذلها الدولة فمن الضروري أيضا وجود جهاز مستقل يتابع مخرجات هذا الصرح العلمي العتيد والمؤسسات التعليمية الأخرى ويوجه من حين إلى آخر نحو طرح تخصصات جديدة يحتاجها سوق العمل أو إلغاء تخصصات لا زال حاملوها يبحثون عن عمل على الرغم من مرور سنوات على تخرجهم ولا زالوا يشكلون عبأً على أهلهم بدل أن يكونوا عونا لهم، ناهيك عن الآثار السلبية الأخرى لمثل هذه الحالات.

لاشك أن يوم التخرج يُعد يوما مفصليا في حياة جميع الخريجين الجامعين، فمع غروب شمس هذا اليوم تُطوى صفحة مهمة من كتاب حياته، وهي صفحة الحياة الدراسية بحُلوها ومرها، ويَفتح الخريح صفحة جديدة يتأمل بين سطورها فيتخيل مستقبله ويتمنى أن تبحر سفينة آماله إلى بر الأمان حسب ما خطط له وأن يكون لبنة سليمة وفي المكان المناسب من نهضة هذا البلد المعطاء.

مبارك لنا جميعا تخرجنا من هذا الصرح العلمي، مبارك لنا حصولنا على ثمرة اجتهادنا وعملنا، ولنتطلع جميعا لأن نكون يدا واحدة، نعمل معاً من أجل بناء هذا الوطن الغالي.

2014/11/17

إطلالة القائد البهية

إطلالة القائد البهية

لم أكن متواجدًا بالسلطنة عندما ألقى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس - حفظه الله ورعاه - كلمته السامية إلى أبناء شعبه الأوفياء وإلى القوات المسلحة المدافعة عن الوطن في الثغور. كنت أتصفح وسائل التواصل الاجتماعي وإذا بي أرى جموع الشعب العماني على وسائل التواصل الاجتماعي يعلقون بأنّ هناك خبرًا مهماً سوف يذاع بعد قليل على التلفزيون الرسمي للسلطنة. لم أكن أعلم ماهية هذا الخبر وما الذي سوف يُعلن فيه، حتى إذا ما انتهت تلكم الدقائق القليلة، وإذا بصور صاحب الجلالة وهو يلقي خطابه تتصدر مواقع التواصل الاجتماعي، ونصوص خطابه يتم تناقلها على واتس أب وتويتر وفيس بوك، وما هي إلا دقائق معدودة حتى شاهدت الخطاب كاملا على موقع يوتيوب، وخلال سويعات من الخطاب وصل عدد المشاهدين لخطاب جلالته - أيّده الله - إلى أكثر من 250 ألف مشاهد.

في الحقيقة، فرحت كما فرح إخواني في هذا الوطن بسلامة القائد - أبقاه الله - وحديثه في تلكم الدقائق القليلة، كانت هذه الكلمات المقتضبة كالماء الزلال الذي سقى وروى عطش العمانيين. لقد فرحنا جميعًا بسلامة صاحب الجلالة السلطان قابوس - حفظه الله ورعاه - كما لم نفرح من قبل، فقد جاءت هذه الكلمة السامية لتطمئن الجميع على صحة جلالة السلطان - حفظه الله ورعاه -.

ومن على البعد شاركت في هذه الفرحة من بعيد، مع بعض من أبناء الوطن الأوفياء الذي كانوا في خارج البلد، ينتظرون الأخبار السارة، ويستمعون لخطاب صاحب الجلالة - رعاه الله-.

إنّ الإطلالة السامية لصاحب الجلالة، كان لها الأثر العميق في نفوس أبناء هذا الوطن الغالي، وكم كنت أتمنى أن يكون هذا الخطاب مبكرًا حتى نُكحل أعيننا برؤية صاحب الجلالة - أيّده الله-. وإذ أحمد الله سبحانه وتعالى - على سلامة صاحب الجلالة وأتمنى أن يمد الله - عزّ وجل - في عمره وأن يديم عليه موفور الصحة والعافية من أجل هذا الوطن الغالي، ومن أجل أبناء عمان.

من هذا المنبر، أوجه رسالة إلى أبناء الشعب العماني الأوفياء، لقد أراد صاحب الجلالة - حفظه الله - من خلال هذا الخطاب، أن يوحد كلمتنا لإكمال مسيرة التنمية والعطاء، خدمة لعمان الغالية، ليعمل كل إنسان عماني من موقعه، حسب طاقته، من أجل أن يرتقي هذا الوطن الغالي. لنتحمّل هذه المسؤولية الملقاة على عاتقنا لترتقي كل عمان، ولنقم بدورنا على أكمل وجه، فهذه الأرض الطيّبة بحاجة إلى جهود كل إنسان يعيش عليها.

وأخيرًا، يحق لنا الاحتفال بمناسبة سلامة صاحب الجلالة، ويحق لنا كذلك الاحتفال بالعيد الوطني المجيد. ولتكن احتفالاتنا عاكسة لشخصية الإنسان العماني، وعاكسة للثقافة العمانية على مر العصور.

ختاما، أتمنى من الله العلي القدير، أن يُعيد صاحب الجلالة - حفظه الله - إلى أرض الوطن سالمًا معافى، وأن يبقيه ذخرًا لعمان وأبناء عمان، وأدعو الله تعالى أن يديم على الشعب العماني نعمة الأمن والأمان والاستقرار والتطوّر والرقي تحت قيادة صاحب الجلالة - حفظه الله ورعاه -.


نشرت في جريدة الرؤية يوم الأحد 16/11/2014

2014/11/12

الهندسة الوراثية .. صناعة المستقبل

الهندسة الوراثية .. صناعة المستقبل


لقد أمر الله سبحانه وتعالى الإنسان بأن يتفكر في هذا الكون وفي خلقته، وأن يطلق العنان لعقله بالتأمل والبحث والاستقصاء حتى يصل إلى كنه عظمة الله سبحانه وتعالى وقدرته في خلق هذا الكون اللامتناهي، فقال سبحانه وتعالى: "وفي الأرض أيات للموقنين، وفي أنفسكم أفلا تبصرون" ]سورة الذاريات – الأية 20،21[. وقد حث القرآن الكريم الإنسان لأن يبحث في نفسه ويتفكر في خلقته التي تتجلى فيها قدرة الخالق وعظمته فقال الله سبحانه وتعالى: "فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماء دافق، يخرج من بين الصلب والترائب، إنه على رجعه لقادر" ]سورة الطارق – الآيات 5-8[. وقد عمل المسلمون الأوائل بهذه الأوامر القرآنية المباركة، فجدوا واجتهدوا في البحث والتفكر وطلب العلم وعملوا بوصايا النبي الأعظم صلى الله عليه واله وسلم حيث روي عنه أنه قال: "أطلبوا العلم ولو في الصين".

واستمرت في هذه البيئة مسيرة العلم في التطور والنمو منذ ذلك الوقت، فكانت مذكرات العلماء الأوائل وملاحظاتهم وما خطوه بأقلامهم هي البداية، ثم جاءت الأبحاث العلمية لتكمل مسيرة تطور العلم، وقد تبنى عدد من العلماء بعض النظريات العلمية الدقيقة والتي ساهمت في تطور الأرض والإنسان. حيث أننا نسمع كل يوم عن إنجاز علمي جديد في مجال أو آخر من مجالات العلوم المختلفة، ونقرأ عن تطور جديد شهدته الساحة العلمية، ولمسنا الكثير من هذه الإنجازات خاصة في العقود القليلة الماضية. ومما لا شك فيه أن التطور في المجالين الهندسي والطبي ساهم كثيرا في زيادة رصيد هذه الإنجازات العلمية، فهذين المجالين الواسعين قد انتجا معاً ما يُسمى بـ "الهندسة الوراثية" أو "هندسة الجينات" والتي يُتوقع أن تكون لها مساهمة كبيرة على صعيد العلوم النظرية والتطبيقية.


ما هي الهندسة الوراثية؟
يُعرف العلماء الهندسة الوراثية بأنها "العلم الذي يهتم بدراسة التركيب الوراثي الجيني DNA للمخلوقات بشتى أنواعها، لمعرفة كيفية تناقل الصفات الوراثية من جيل إلى آخر، بهدف التدخل في تلك الصفات في مرحلة لاحقة وتعديلها لإصلاح الخلل الذي قد يطرأ عليها". ويُعرفها اتحاد العلماء المهتمين بالعلوم الوراثية في موقعهم على الأنترنت بأن "الهندسة الوراثية هي التقنيات التي تُستخدم لتطوير المواد الوراثية (الجينات) الموجودة في الخلايا من خلال نقل هذه الجينات إلى كائنات حية من نفس النوع أو نقلها إلى كائنات حية أخرى لتطوير وتحسين هذه الكائنات. وتعتبر هذه الوسائل من التقنيات المعقدة المستخدمة لمعالجة المواد الوراثية والحيوية والكيميائية في الخلايا". (1)

لقد كانت البكتيريا هي أول الكائنات التي تم التعديل على موادها الوراثية هندسيا وكان ذلك في العام 1973 للميلاد، ومن خلال ذلك تم انتاج هرمون الإنسولين من هذه البكتريا وتم لاحقا الإستفادة منه في عملية تسويقية لعلاج مرض السكري، وكانت الفئران هي ثاني الكائنات الحية التي يتم تعديل جيناتها هندسيا وكان ذلك في العام 1975 للميلاد. وقد تبع ذلك أبحاثا كثيرة في الهندسة الوراثية جرت على الحيوانات البرية وخاصة الخنازير.


ما هي خطوات الهندسة الوراثية؟
من المهم جدا معرفة الخطوات التي تمر بها الهندسة الوراثية قبل الدخول في تطبيقاتها واستخداماتها، لأن ذلك سوف يساعد على الفهم الصحيح لهذه التطبيقات والاستخدامات، ولا أريد الدخول هنا في التفاصيل العلمية الدقيقة لعملية الهندسة الوراثية، ولكن سوف اتحدث في هذا المقال عن الخطوات الأساسية والمهمة جدا وبشكل مبسط وسهل للغاية وهي أربعة خطوات رئيسية:
الخطوة الأولى: يتم خلالها عزل الجين المطلوب استنساخه عن طريق تحديد الجين أو العامل الوراثي الذي نرغب بإدخاله إلى الخلايا المستهدفة، ويمكن معرفة العامل الوراثي المطلوب استنساخه عن طريق معلومات سابقة عن المورثات، ومن ثم يتم استنساخه عن طريق عمل نسخ للـ DNA بتفاعلات معينة.

الخطوة الثانية: يتم خلالها إدخال الجين المستنسخ إلى حامل مناسب مثل الحوامل الفيروسية أو البلازميدية، وهي كائنات صغيرة لا تُرى بالعين المجردة.

الخطوة الثالثة: إدخال ما نتج من الخطوة الثانية إلى الخلايا التي يُراد تعديلها.

الخطوة الرابعة: يتم عزل وفصل هذه الخلايا التي تم تعديلها وراثيا عن الخلايا الطبيعية، ومن ثم تنشيطها وإجراء عمليات التكاثر عليها.

وبعد الانتهاء من هذه الخطوات يتم دراسة الخلايا التي تم تعديلها وراثيا بنجاح، ومقارنتها بالخلايا الطبيعية ومعرفة الفروقات بينهما.


تطبيقات الهندسة الوراثية:
الحديث عن تطبيقات الهندسة الوراثية حديث متشعب وطويل جدا، إلا أنه يمكن تلخيص مجالات استخداماتها كالآتي:

المجال الزراعي: سابقا كان من الصعب جدا حماية النباتات من الأمراض الفيروسية، فكانت المحاصيل الزراعية تموت بسرعة كبيرة خصوصا في مواسم انتشار هذه الفيروسات، وكان المزارعون والعلماء المختصون بالهندسة الزراعية وتطوير المحاصيل الزراعية يقتصرون في تحصين هذه النباتات من الفيروسات على التخلص من بقايا المحاصيل السابقة التي قد تكون عائلا للفيروسات، أو استعمال المبيدات الحشرية القاتلة للحشرات التي تقوم بنقل هذه الفيروسات، وقد كان لهذه الإجراءات نتائج محدودة جدا. ولكن مع نشأة علوم الهندسة الوراثية وتطورها أصبحت مقاومة النباتات للأمراض الفيروسية أقوى من ذي قبل وأفضل بكثير، بحيث يتم أخذ عينة من الفيروسات التي تقتل النباتات ويتم تضعيفها بعد ذلك باستخدام تطبيقات الهندسة الوراثية ومن ثم حقنها في النباتات – كما هو حاصل في التحصين عند الإنسان – وبالتالي تتمكن النباتات من مواجهة هذه الفيروسات والدفاع عن نفسها.

إنتاج نباتات مقاومة للحشرات كان الإنجاز الثاني لتطبيقات الهندسة الوراثية في المجال الزراعي، حيث يتم بموجبه أخذ بروتينات تنتجها نوع من البكتيريا النباتية، ومن ثم عزلها وتطويرها ثم وضعها في المبيدات الحشرية، وتساهم هذه المبيدات المحتوية على هذا النوع من البروتينات في قتل بعض أنواع الحشرات، وقد أثبتت الدراسات أنه لا يوجد أي تأثير سلبي لهذه المبيدات الحشرية الخاصة على الثديات عند تناولها لهذه النباتات.

المجال الحيواني: إن أول تطبيقات الهندسة الوراثية في المجال الحيواني كانت انتاج هرمونات تساعد على زيادة سرعة النمو في الحيوانات، لأهمية ذلك من الناحية التجارية، خاصة وأنه تم استخدام هرمونات النمو المعدلة في الفئران منذ فترة طويلة وقد أثبتت جدواها وكفاءتها، ولكن التجارب التي أجريت على الحيوانات الأخرى وبالخصوص الخنزير لم تعطي نتائج جيدة، فكانت نتائج الأبحاث متضاربة من منطقة لأخرى. ونظرا لما لنجاح هذا التطبيق من أهمية كبيرة تجاريا فلا زالت المحاولات والأبحاث والتجارب مستمرة إلى يومنا هذا.

أما التطبيق الثاني في مجال الإنتاج الحيواني فقد تركز على محاولات لإنتاج حليب بقري شبيه بالحليب البشري وذلك لتحسين خواص الحليب المقدم لتغذية الأطفال، ولا زالت الدراسات والأبحاث قائمة في هذا المجال، إلا أنه لم يتوصل العلماء حتى الآن إلى تحضير حليب بقري مشابه في خواصه للحليب البشري تماما.

المجال الطبي: لقد استطاع العلماء من خلال الهندسة الوراثية إنتاج هرمون الانسولين وهرمونات النمو البشري (Growth hormone)، كما استطاع العلماء من خلال هذه التقنيات الحديثة من صناعة اللقاحات وغيرها من الأدوية. كما استطاع العلماء من تعديل بعض الجينات المعطوبة من خلال تغيير هذه الجينات بجينات أخرى معدلة وراثيا، وربما تكون الأمراض المناعية هي أهم الأمراض التي تم فيها الاستفادة من الهندسة الوراثية لمعالجة المرضى المصابين بها، ومع ذلك فإن هذه العلاجات تتم في مراكز متخصصة جدا حتى يتم تفادي أي أثر سلبي لهذه العمليات.

كما أن تطبيقات الهندسة الوراثية تستخدم في تشخيص مختلف الأمراض الوراثية التي تصيب الإنسان، ومعرفة مدى تأثيرها على مستقبل الفرد من خلالها. كذلك قد يكون باستطاعة الفرد أن يستخدم الخريطة الوراثية لاختيار زوجة مناسبة أو زوج مناسب لانجاب أطفال أصحاء في ضوء معلومات مخزنة في بطاقة الكترونية صغيرة.


سلبيات استخدام الهندسة الوراثية:
من الوهلة الأولى، يبدو الحديث عن الهندسة الوراثية والتطور الكبير الذي أحدثته رائعا جدا، وأن هذه التطبيقات سوف تجلب السعادة للبشرية، ولكن وُجد من خلال الأبحاث المستفيضة في هذا المجال والملاحظات المقدمة من العلماء أن للهندسة الوراثية عددا من المخاطر والسلبيات فيما لو تمت إساءة استخدام هذه التقنيات الحديثة. فأول هذه المخاطر هي أن التجارب التي تجري حاليا في مجال الهندسة الوراثية على الرغم من أنها تجارب مبسطة وغير معقدة، فقد شكلت هذه النقلة النوعية، ولكن ما الذي سوف يحدث إذا ما أجريت التجارب الأكثر تعقيدا والتي قد تغير الخريطة الوراثية أو التركيب الوراثي للإنسان، وحيث أنه لا توجد أي دراسات حديثة في هذا المجال فلا يمكن الجزم بنتائج التجارب المعقدة، والتي قد يكون لها تأثيرات سلبية على الإنسان.

ثانيا، يقول بعض العلماء أن أي خطأ قد يحدث في إجراء تجارب الهندسة الوراثية فإنه خطأ غير معكوس أي لا يمكن العودة إلى نقطة البداية، وبالتالي فإن هذه الأخطاء قد تُنتج سلالات جديدة من المخلوقات الحية نتيجة دمج المواد الوراثية لكائنات مختلفة وهذا الأمر قد يشكل خطرا على التوازن البيئي للكرة الأرضية.

وقد أجرت جامعة القاهرة دراسة نشرت نتائجها في جريدة "المصري اليوم" بعددها الصادر في يوم الأحد بتاريخ 12/8/2012 للميلاد ملخصها أن فئران التجارب التي تناولت الأطعمة المعدلة وراثيا قد أصابتها أمراض مناعية ومشاكل في الجهاز الهضمي بالإضافة إلى فقدان قدرتها على الإنجاب وسرعة شيخوختها مقارنة بفئران التجارب التي تناولت الأطعمة الغير معدلة وراثيا، وهذه النتائج جاءت مطابقة لبعض الدراسات التي أجريت على فئران التجارب في مختلف دول العالم (2).


الرؤية الشرعية حول الهندسة الوراثية:
وبسبب وجود هذه المشاكل والعواقب والأخطار المتوقعة والتي ذكرناها سابقا، كان لابد من معرفة وجهة النظر الشرعية حول عمليات الهندسة الوراثية لأجل معرفة رأي الشرع في مثل هذه المواضيع المهمة في ضوء فوائدها العديدة وفي الوقت نفسه سلبياتها الكثيرة. وقد وجدنا أن علماء الفقه والأصول قد انقسموا إلى ثلاثة أقسام، فبعضهم يؤيد استخدام تطبيقات الهندسة الوراثية بجميع أشكالها مهما كانت، باعتبارها وسيلة مهمة لتطوير المجتمع البشري ومجالا رحبا لطلب العلم خاصة وأنه يمكن الاستفادة منها في علاج الأمراض المستعصية، وقسم آخر يحرم استخدام تقنيات الهندسة الوراثية باعتبارها تدخلا غير مرغوب فيما خلقه الله تعالى الذي خلق فسوى، واستنادا لما ورد في القرآن الكريم على لسان ابليس: "ولآمرنهم فليغيرن خلق الله" ]سورة النساء – الأية 119[، والقسم الثالث من العلماء يجيز استخدامها في مجالات الخدمة الإنسانية ويحرمها إذا كان فيها تغييرا لخلقة الإنسان أو الحيوان.


ختاما، ومن خلال ما استعرضنا حول تطبيقات الهندسة الوراثية وبعض مخاطرها والرؤية الشرعية بخصوصها، فإن عمليات وتقنيات الهندسة الوراثية قد تؤدي إلى تطور كبير في العلم الحديث كما هو حاصل الآن، وقد تُحدث نقلات نوعية كبيرة في المجالات المختلفة التي تم تطبيقها عليها، وما قد يتم تطبيقه مستقبلا، إلا أن الحذر الشديد مطلوب عند استخدام هذه التطبيقات والذي يجب أن يتم بعد إجراء أبحاث دقيقة ومتأنية حتى تكون في صالح المجتمع الإنساني والكون بأسره.






نشرت في العدد الثاني من مجلة #شرق_غرب الثقافية العمانية

2014/10/23

الدروس الخصوصية.. ضررها أكبر من نفعها «2-2»

الدروس الخصوصية.. ضررها أكبر من نفعها «2-2»

بعد أن بحثنا في أسباب ظاهرة الدروس الخصوصية، فمن المهم أيضا أن نبحث عن سلبيات تفشي هذه الظاهرة وآثارها على المجتمع العماني، فالواضح أن هذه الظاهرة تترك بصمات سلبية على أطراف عدة في المجتمع وهي الطالب والمعلم والمجتمع. فنلاحظ أنه عندما يستعين الطالب بالمدرس الخصوصي فإن اعتماده على النشاط الفصلي يتضاءل تدريجيا وقد ينعدم أحيانا، فتقل إنتاجيته في الصف الدراسي، وبالتالي تقل نسبة مشاركته في النشاط الصفي بل تكاد تنعدم مشاركته في الأنشطة المدرسية جميعها، الأمر الذي ينعكس سلبا على أداء المعلم الذي لا يجد في الفصل من يتجاوب معه ويهتم بما يقول وهذا بدوره ينعكس على بقية الطلاب الذين يتوقعون من المعلم عطاءً متزايدا يشبع إحتياجاتهم.
ولو علمنا ان أغلب من يعطون الدروس الخصوصية يركزون على تلقين المنهج للطالب، بل إن بعضهم يلقنهم أجوبة امتحانات الأعوام السابقة لعل وعسى أن تقع بعضها في اختبار العام الحالي، لذلك فإن الدروس الخصوصية وبالطريقة التي تعطى لا تتعدى عن كونها عملية تلقين الطالب للمنهج أو أسئلة الاختبارات، وهذه العملية تعتمد في مجملها على الحفظ فقط، دون الاهتمام بصقل شخصية الطالب وتكوينها، الأمر الذي يؤثر بشكل سلبي على أداء الطالب في مرحلة الدراسة الجامعية، لأن الدراسة الجامعية كما هو معروف لا تعتمد على مبدأ التلقين والحفظ، بل على القراءة والبحث والاستقصاء، ناهيك أن هذا الأسلوب يتعارض أيضا مع واحد من الأهداف الأساسية والرئيسية للمدرسة، ألا وهو صقل مهارات الطالب وتعليمه مبدأ الاعتماد على الذات في الحصول على المعلومة، وهذا ما لا يتحقق بسبب الدروس الخصوصية.
ومع تزايد عدد الطلاب الذين يتعاطون الدروس الخصوصية تصبح حاجتهم إلى المدرسة غير ضرورية، ربما لإثبات الحضور ليس إلا، وبالتالي تتناقص علاقتهم بها، بل ربما تنعدم، بل إن غياب بعضهم يصبح أفضل من حضورهم بحيث تتوتر علاقاتهم مع معلميهم، وإذا حضروا يثيرون الفوضى في الفصل الدراسي ولا يبدون أي جدية في الدراسة، الأمر الذي يؤثر سلبا وبشكل كبير على بقية الطلاب ممن يعتمدون بشكل كلي على المدرس في تحصيلهم العلمي.
بالإضافة إلى ذلك فإن لهذه الدروس الخصوصية تأثيرا سلبيا على أولياء الأمور أيضا، حيث إنها تشكل لهم عبئا ماديا واجتماعيا. فمن جهة فهي تستنزف أموالهم التي قد يكونون بحاجة إليها لمآرب أخرى، ومن جهة ثانية تشكل مضيعة كبيرة للوقت، حيث يضطر أولياء الأمور لتغيير برامجهم ومواعيدهم اليومية لإيصال أبنائهم إلى بيوت المدرسين، وهو ما يترتب عليه إلغاء بعض ارتباطاتهم العائلية وقد تكون مهمة وضرورية.
أخيرا فقد آن الأوان لكي ندق ناقوس الخطر بعد أن أصبحت ظاهرة الدروس الخصوصية سلعة تجارية بحتة، فبعد أن كانت الحصة الواحدة مقابل 10 ريالات، أصبحت الأن مقابل 15 – 20 ريالا للحصة الواحدة، وهي في زيادة مستمرة كل عام. كذلك فبعد أن كان عدد الطلاب المشاركين في الحصة الواحدة لا يتجاوز 4-5 طلاب في المجمل، أصبح عاديا بأن يقبل المعلم مشاركة 7-8 طلاب في المتوسط وربما أكثر من ذلك، علما بأن بعض المعلمين يستمرون في عملهم الخاص هذا إلى ساعات متأخرة من الليل.
وفي الحقيقة ليست هذه كل أضرار الدروس الخصوصية وسلبياتها، ولكن عرضنا الأكثر تأثيرا على الطالب، والمعلم في المدرسة، وأولياء الأمور، لذلك كان لابد من إيجاد حلول لهذه الظاهرة السلبية التي انتشرت بشدة في مجتمعنا العمانية ولا تقتصر عليه وإنما تعاني منها معظم الدول العربية أيضا.
وعليه فإنه من الأهمية بمكان وضع خطة طويلة الأمد لمعالجة هذه الظاهرة يمكن إيجازها في النقاط التالية:
– إعادة صياغة المناهج التعليمية بحيث تتناسب مع الزمن الدراسي في العام الواحد، وتتناسب أيضا مع التطور الحضاري والعلمي والتكنولوجي باستخدام آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا الحديثة في العملية التعليمية. ولا بد من أن تكون المقررات أكثر تشويقا وأبسط في الشرح حتى يكون في وسع ولي الأمر أو أي فرد من أفراد الأسرة مساعدة الطالب في فهم ما قد يكون فاته في المدرسة، إذ إن أسلوب الشرح الموجود في الكتب الحالية للمقررات لا يختلف كثيرا عن اللوغاريثمات التي يحتاج أولياء الأمر لمن يشرحها لهم أولا.
– العامل الآخر هو اعتماد أسلوب التقييم المستمر، وزيادة نسبة الدرجات الفصلية مقارنة بالإمتحانات النهائية، وبالتالي يكون الطالب ملزما بالحضور والمشاركة والاهتمام بالحصص الدراسية طوال السنة الدراسية، كما أن هذا التغيير سوف يساهم في زيادة الحافز لدى المعلم للاهتمام بالحصة الدراسية وزيادة الأنشطة الصفية فيها أيضا.
– العامل الثالث والأخير هو تطوير قدرات المعلمين ممن يحتاجون إلى ذلك، وتهيئة الظروف اللازمة لهم لتطوير أنفسهم والاستعانة بالطرق الحديثة لمواكبة العصر فيما توصل إليه من أساليب وطرق التدريس من خلال إقامة ورش تدريبية بين الحين والآخر، وإرسال هؤلاء المعلمين في دورات تدريبية في بعض الدول المتقدمة علميا وإطلاعهم على آخر ما توصلت إليه هذه الدول من تطورات في العملية التعليمية، ومن ثم تطبيقها في مدارسنا.
– أخيرا، فإن التوعية والتوجيه تلعب دورا مهما في هذا السياق، توعية المعلم في المدرسة، والطالب وولي الأمر، بأهمية الالتزام بالحصة الدراسية، وفائدتها، والتركيز على أنها الأساس في العملية التعليمية.
ختاما، لا بد من بذل كافة الجهود لوقف تنامي ظاهرة الدروس الخصوصية قبل أن يتسع الشرخ الذي أوجدته بين الطالب والمدرسة من جهة، وولي الأمر والمدرسة من جهة أخرى، وسوف تكون له عواقب وخيمة لو تم التراخي في إيقاف تنامي هذه الظاهرة السلبية التي باتت تنتشر بشدة في مجتمعنا العماني، ولابد من وقفة جادة ومسؤولة من قبل الجميع من أجل العودة إلى أن تكون المدرسة هي الأساس في العملية التعليمية والتربوية.

نشرت في ملحق مرايا التابع لجريدة عمان بتاريخ 23/10/2014م.

2014/10/22

الملكي والبلوغرانا .. كلاسيكو مبكر للغاية

الملكي والبلوغرانا .. كلاسيكو مبكر للغاية


لم يتبق الكثير من الوقت على بداية المعمعة الكروية بين قطبي الكرة الإسبانية، ممثل العاصمة مدريد الأبرز وممثل اقليم كاتلونيا الراغب في الانفصال الأقوى، هذا الكلاسيكو تجتمع فيه السياسة والاقتصاد مع كرة القدم، لتقدم لنا نكهة كروية مميزة للغاية. هذا اللقاء سوف يجمع بين أقوى خط هجوم في الليجا وربما في أوروبا مع أقوى دفاع في الليجا وربما في أوروبا أيضا.

ولكن قبل الدخول في تحليلات ما قبل المباراة، لابد من إحصائية سريعة عن مباريات الفريقين، مجموع المباريات الرسمية بين الفريقين 228 مباراة، فاز ريال مدريد في 91 مباراة، بينما تمكن برشلونة من التغلب على ريال مدريد في 88 مناسبة، وتعادل الفريقان في 48 مباراة. سجل الريال 385 هدفا في مجموع المباريات وتمكن برشلونة من تسجيل 371 مباراة.

لنبدأ مع ريال مدريد صاحب الضيافة والأرض، يدخل حامل لقب دوري أبطال أوروبا هذه المباراة بغيابات مؤثرة للغاية، جاريث بيل صاحب هدف الفوز في مسابقة كأس ملك إسبانيا الموسم الماضي، وربما سيرجيو راموس قلب الدفاع المؤثر للغاية، وغياب المبدع لوكا مودريتش سيكون له تأثير كبير على أداء ريال مدريد في المباراة. صحيح أن جاريث بيل لم يقدم الأداء المنتظر منه هذا الموسم على عكس الموسم الماضي، ولكن وجوده في المباراة له أثار إيجابية كثيرة، منها انهماك مدافعي برشلونة في مراقبته ومراقبة رونالدو بدلا من مراقبة رونالدو منفردا كما سيحدث في اللقاء القادم، بالإضافة إلى سرعته وقدرته على إحداث الفارق في لحظات، ولكن يبدو أن كارلو انشلوتي سوف يُعول على تألق خيميس رودريجز في المباريات الأخيرة.

غياب سيرجيو راموس سيكون له تأثير على مستوى دفاع النادي الملكي، خصوصا مع انهيار واضح لهذا الخط في المباريات الماضية، على الرغم من عدم تلقيهم للأهداف في المباريات الأخيرة ولكن رباعي خط دفاع ريال مدريد يعاني كثيرا، فعدم وجود لاعب خط وسط مدافع بقيمة تشابي الونسو الراحل إلى بايرن ميونخ، وعدم عودة قائد الفريق كاسياس إلى مستواه المعهود بالإضافة إلى عدم التزام الأظهرة بواجباتهم الدفاعية سوف يشكل مشكلة كبيرة في الكلاسيكو، ولكن ربما ستكون لكارلو انشلوتي كلمة عليا في الكلاسيكو.

أما المشكلة الأخيرة فهي تتمثل في غياب الكرواتي لوكا مودريتش، صاحب التمريرات الحاسمة والأهداف الصاروخية من خارج منطقة الجزاء، غياب مودريتش سيكون له تأثير كبير على خط وسط ومقدمة ريال مدريد، ومن المتوقع أن يشرك كارلو أنشلوتي إيسكو بدلا من لوكا مودريتش أو أياراميندي لسد هذه الثغرة ولكن كلاهما ليس في مستوى لوكا مودريتش. 

أما الضيف برشلونة، فهو يدخل هذه المباراة بمشكلة في خط دفاعه، ألا وهي عدم التفاهم بين قلبي الدفاع، هذه المشكلة لم تكن كبيرة للغاية في الدوري الإسباني، لأن الفريق الكتلوني لم يلعب ضد أندية قوية إلا ملقا القوي نسبيا، وقد قدم ملقا أداءً رائعا، وسبب مشاكل متنوعة للعمق الدفاعي في برشلونة. كما أن مباراة باريس سان جيرمان والتي خسرها برشلونة بنتيجة 3-2 أظهرت مواطن الخلل في العمق الدفاعي، ولعل أبرز الأسباب التي أدت إلى هذا الخلل هو استخدام لويس انريكي لأسلوب المداورة، فقد لعب مارك بارترا وجيرارد بيكيه وماتيو وخافيير ماسكيرانو في هذا المركز.

أما المشكلة الأخرى، والتي قد تؤثر على اختيارات المدرب لويس انريكي، فهي ما تناقلته وسائل الإعلام الإسبانية حول رفض ميسي الخروج من الملعب في المباراة الأخيرة أمام إيبار المغمور، وقد فسرته وسائل الإعلام بأنها بداية لمشاكل بين نجم الفريق الكتلوني ليونيل ميسي ومدرب الفريق الجديد لويس انريكي، الطريف في الأمر أنها ليست المرة الأولى التي يرفض فيها ميسي الخروج من أرضية الملعب للتبديل.

لربما يكون ما ذكرناه سابقا أبرز نقاط الضعف في الفريقين، ولكن ماذا عن نقاط القوة التي يمتلكها الفريقان؟. بداية بالضيف برشلونة، الإنسجام الواضح الذي أظهره ميسي مع نيمار خصوصا مع مركز ميسي الجديد كصانع العاب، ميسي يصنع ونيمار يسجل أو العكس، ومع وصول ميسي إلى الـ250 والـ21 هدف في مرمى ريال مدريد، فإنه يسعى إلى زيادة نصيبه من الأهداف وتحطيم رقم النجم الإسباني زارا بـ252 هدفا، وتسجيله أهدافا أخرى في مرمى إيكر كاسياس المتراجع المستوى. وكذلك نيمار البرازيلي، فإنه يسعى إلى سطوع نجمه أكثر وأكثر والحصول على مركز أساسي دائم مع برشلونة.

عودة لويس سواريز إلى المباريات بعد غياب طويل بسبب عقوبة الإتحاد الدولي الفيفا، سوف يكون لها تأثيرها الإيجابي على الفريق الكتلوني، ربما لن يلعب مباراة كاملة، ولكنه بالتأكيد سيكون له حصة ولو بسيطة في هذه المباراة ليسجل إسمه في أول مباراة رسمية مع برشلونة. أخيرا، فإن كلاوديو برافو الذي لم يتلقَ أي هدف طوال الـ8 مباريات الماضية، يسعى لأن يحافظ على نظافة شباكه أمام أقوى هجوم في الليجا الإسبانية، وأمام هدافها كرستيانو رونالدو، وسيكون تحديا خاصا جدا، حيث أن رونالدو سجل في مرمى برافو 9 أهداف في المواسم الأربعة الماضية.

أما ريال مدريد، فتألق رونالدو الواضح هذا الموسم، وتسجيله لـ15 هدفا في الليجا في مبارياتها الـ8، أي أكثر من 16 فريق في الليجا الإسبانية، وتألقه اللافت لأنظار الجميع، سيكون له تأثيره الإيجابي والكبير جدا، خصوصا وأنه سيكون أول لاعب يسجل على برشلونة في هذا الموسم. كما أن رونالدو يطمح إلى الحصول على الكرة الذهبية، وبالتالي فإن تسجيله في مباراة برشلونة مهم للغاية لرونالدو نفسه وللفريق المدريدي بشكل عام. كما أن خيميس رودريغز بدأ بالإنسجام مع الفريق المدريدي، وبدأ هداف كأس العالم بتسجيل الأهداف مع الريال وكذلك صناعة الفرص لزملاءه في الفريق، وقد يشكل رونالدو وخيميس ثنائيا رائعا مع مرور الأيام.

كاسياس سوف يحاول الحفاظ على نظافة شباكه، بعد الانتقادات التي وُجهت له منذ خروج اسبانيا خالية الوفاض من الدور الأول في كأس العالم، كما أن كاسياس استقبل العديد من الأهداف عندما يلعب أمام برشلونة وخصوصا من ليونيل ميسي. ولذلك فإن محافظة كاسياس على نظافة شباكه سيكون لها تأثير نفسي كبير عليه وعلى النادي الملكي أيضا.

المباراة مرتقبة من الملايين عاشقي الساحرة المستديرة، والجميع في انتظار ما ستؤول إليه المباراة، والصراعات الفردية بين اللاعبين على أرضية الملعب، فالكل يطمح إلى مشاهدة "كلاسيكو الأرض" وربما لأكثر من مرة في الموسم الواحد. لن نستبق الأحداث وسننتظر بداية المباراة لنستمتع بالمشاهدة والتحليل والتعليق.


نشرت في موقع حلل معنا

2014/10/19

قرعة دوري الأبطال الأوروبي .. حقيقة أم ثمثيل ؟؟ (مقالات سابقة بقلمي ..3) لم تنشر !!

ملاحظة: كتبت هذه المقالة قبل سنتين .. بتاريخ 17/3/2014 .. ولم أرسلها للنشر ..


قرعة دوري الأبطال الأوروبي
حقيقة أم ثمثيل ؟؟


قبل أن تُقام قرعة دوري الأبطال الأوروبي لتحديد الفرق المتنافسة في دور الـ8 من المسابقة، خرجت بعض الأقلام من هنا وهناك وبعض القنوات الفضائية قائلة أن قرعة دوري الأبطال الأوروبي التي تتم إقامتها بعد كل دور ما هي إلا تمثيل بحت، وأن القرعة الأصلية تجري في الخفاء بعيدا عن أعين المشاهدين وبعيدا عن عدسات الإعلام. وأما عن الأسباب فمن قال إن بلاتيني يريد أن يجعل برشلونة – فريقه المفضل – هو الذي يصل إلى اللقب، ومنهم من ذكر أن فلورينتنو بيريز قد اتفق مع بلاتيني على أن يكون طريق ريال مدريد هذا الموسم سالكا نحو اللقب العاشر. والبعض الآخر من المتابعين ذكر أن بلاتيني يريد أن يرى النادي الفرنسي باريس سان جيرمان حاملا للقب هذه البطولة. وكتبت الأقلام كثيرا حول هذا الموضوع.

هذا الموسم كانت الفرق المتأهلة إلى دور الـ 8 فرقا مختلفة عن الأعوام الماضية إذا ما استثنينا ريال مدريد، برشلونة وبايرن ميونخ وبنسبة قليلة يوفنتوس الإيطالي. ففريق جالاتسراي التركي، ملقا الإسباني، باريس سان جيرمان الفرنسي، دورتموند الألماني ربما تكون هذه مشاركتهم الأولى في دور الـ8 منذ أعوام وربما أحد هذه الأندية لم يصل حتى إلى دور المجموعات أبدا.

الأقلام التي كتبت حول هذا الموضوع رددت إسم بلاتيني رئيس الإتحاد الأوروبي اليويفا في كل شيء، حتى اعتقد الكثيرون أن بلاتيني هو من يجري القرعة، والكل قد تحدث عن بلاتيني وكأنه هو الرجل الأوحد عند إجراء القرعة. والجدير بالذكر أنها ليست المرة الأولى التي يتحدث الجمهور وعشاق الساحرة المستديرة عن موضوع قرعة دوري الأبطال الأوروبي، فكثيرا ما تحدثوا عن هذه القرعة في السنوات الماضية، ولكنها كانت خالصة لبرشلونة، أي أن بلاتيني يريد لبرشلونة أن يتسلق إلى اللقب، لا بل أن يصل إلى اللقب بأسهل طريق ممكن وأقلها من ناحية العقبات والموانع.

أما بالنسبة لهذا الموسم، فإن إسم بلاتيني لا يزال يتردد، ولكن الفرق الذي يشجعه بلاتيني يتغير وفقا لكاتب الخبر أو صاحب البرنامج التلفزيوني، فمرة ريال مدريد ومرة اليوفي السيدة العجوز وأخرى برشلونة وربما باريس سان جيرمان. لست أدري هل من الممكن أن يفعل اليويفا هذا الشيء ويضيع سمعة الإتحاد الطيبة من أجل رغبات بلاتيني، وإن كان كذلك، لماذا لا تتقدم الأندية المتضررة بطلب بإعادة القرعة وأن يقيمها شخص آخر غير الذي تم تعيينه مسبقا.

كل شيء يجري أمام عدسات وكاميرات الإعلام بل وأعين الصحفيين، وأستبعد أن يجري شيء في الخفاء بمعزل عن كل الحضور من لاعبين ومدربين وصحفيين ورؤوساء أندية ومساعديهم. ولكن يبقى كل شيء واردا، والسؤال المطروح للمتابع الكريم: هل قرعة دوري الأبطال الأوروبي .. حقيقة أم تمثيل؟؟

رضا بن عيسى اللواتي 
مسقط – سلطنة عمان

2014/10/16

الدروس الخصوصية .. ضررها أكبر من نفعها (1/2)

الدروس الخصوصية .. ضررها أكبر من نفعها (1/2)


مع بداية كل عام دراسي جديد تعلن معظم الأسر حالة الطوارئ في منازلها، خصوصا تلكم الأسر التي ينتقل أبناؤها إلى الصف الثاني عشر أي امتحانات الدبلوم العام. وحيث إن حصاد هذه السنة الدراسية يحدد مصير الجهود التي يبذلها الطالب خلال الأحد عشر عاما التي تسبق هذا العام، يحبس أولياء الأمور أنفاسهم ويضعون أياديهم على صدورهم وهم يقضون هذا العام ما بين خوف وترقب وأمل وتفاؤل. ونظرا لمحدودية توفر الفرص الجيدة، وإن كان عددها في تزايد مستمر، وشدة المنافسة في ظل النسب العالية المطلوبة، يبتهل الجميع إلى الله سبحانه وتعالى لأن يكون ابنه أو ابنته من بين أولئك الذين سوف يوفقون في الحصول على فرصة الالتحاق بمؤسسة تعليمية مرموقة سواء في السلطنة أو خارجها. إلا أنه في الآونة الأخيرة برز تصرف غريب في الوسط الطلابي وأخذ يتنامى حتى أصبح يشكل ظاهرة يكاد أغلب الطلاب يتهافتون عليها، ألا وهي ظاهرة الدروس الخصوصية. هذه الظاهرة التي إلى جانب أنها تستنزف جيوب أولياء الأمور، فإن لها سلبيات أخرى كثيرة تكاد أن تلحق ضررا كبيرا بطبيعة النظام التعليمي في السلطنة.

الجدير بالذكر أن هذه الظاهرة لم تعد حكرا على الطلاب أصحاب المستوى المتوسط والمتدني، بل يلجأ إليها الطالب المُجيد أيضا، كما أنها عند البعض تغطي جميع المواد وبالأخص المواد العلمية. والحقيقة أن هذه الظاهرة ليست وليدة اللحظة، ولكن خطورتها تكمن في أنها آخذة في الانتشار المخيف ليس بين طلاب مرحلة الدبلوم العام فحسب بل أخذت تغري طلاب المراحل الأخرى دون هذه المرحلة. وللحقيقة فإنني لا أُبرئ نفسي من ممارسة هذا السلوك، فقد كنت أحد الذين لجأوا للدروس الخصوصية استعدادا لاختبارات الدبلوم العام، إلا أنني حينها لم أنظر إلى الأمر من جميع جوانبه، وإنما لم يتجاوز أفق تفكيري نتائج الاختبارات التي كنت أصبو إليها. ولكن بعد أن أصبحت في وضع يسمح لي بالنظر إلى الموضوع من مختلف جوانبه تبادرت إلى ذهني تساؤلات عدة: ترى ما هي أسباب ومبررات هذه الظاهرة؟ وما هي أسباب تزايد أعداد الطلبة الذين يلجأون لها؟ وما هي آثارها على العلاقة بين الطالب والمدرسة وكذلك المعلم؟ وما هي آثارها الاجتماعية والمادية على الأسرة؟ وما السبيل إلى محاربة هذه الظاهرة؟.

لوحظ أن هناك عدة أسباب تدفع بالطالب إلى الاستعانة بالدروس الخصوصية، فقد يكون السبب الرئيسي لذلك تدني مستوى الطالب في الفهم والاستيعاب والتحصيل لعوامل في ذاته أو ظروف أسرته أو بيئته، وقد يكون تدني مستوى المعلم وقدرته على توصيل المعلومة إلى الطالب سببا آخر لتفشي هذه الظاهرة. وتبدو هذه الأسباب مبررة إلى حد ما لكي يلجأ الطالب إلى الدروس الخصوصية، ولكن عندما تتحول هذه الحالة إلى ظاهرة ويلجأ إليها حتى الطلاب المجيدين، فإن الأمر يحتاح إلى مزيد من البحث والتمحيص، فقد تكون هناك عوامل أخرى تساهم في استفحال هذه الظاهرة.ولو رجعنا قليلا إلى الوراء، لوجدنا أن الجهات المعنية بنشاط التعليم في السلطنة كانت حتى وقت قريب تعتبر هذه الحالة غير قانونية وتحظر على المعلمين التورط فيها وتتوعدهم بأقصى العقوبات، لذا كانت العملية تتم بين المعلم والطالب بسرية تامة وكانت الحالات محدودة. ولكن يبدو الآن أن الجهات المعنية تغض الطرف عن هذا السلوك لحاجة في نفس يعقوب حتى تحولت إلى ظاهرة كما أسلفنا، لذا لا بد من إلقاء مزيد من الضوء على هذه الظاهرة، حيث كان الموضوع محل أخذ ورد بين المعلمين والطلاب والمسؤولين.

ففي حين يدافع الطلاب عن موقفهم قائلين إن المعلمين يحاولون إنهاء أجزاء كبيرة من المنهج في حصة واحدة، وبالتالي يمرون على محتوياته مرور الكرام ولا يسمح الوقت للطالب لمزيد من الاستيضاح والمشاركة، وبالتالي تنتهي الحصة فيما تبقى الاستفسارات التي لديه دون إجابة، فإذا لم يستعن الطالب بالمعلم الخصوصي فإن هذه التساؤلات سوف تتراكم مع مرور الأيام وتتحول إلى قنبلة موقوتة مع اقتراب موعد الامتحانات. أما المعلمون فلديهم أسبابهم لتبرير هذه الحالة، وإن كان بعضهم (وهم قلة) لا يشملهم هذا التبرير، حيث إن العلة فيهم من حيث السلوك والكفاءة والإخلاص.

ولو أمعنا النظر في المبررات التي يسوقونها لوجدنا أنها منطقية وتحتاج إلى حلول، فكثرة الإجازات في العام الدراسي تفرض على المدارس تقصير مدة الحصة الواحدة، ومع ارتفاع عدد الطلاب في الصف الواحد والذين تختلف قدرة الاستيعاب لديهم من طالب إلى آخر، لا تترك مجالا لمزيد من المناقشة والأخذ والعطاء بين الطالب والمعلم، لذلك فإن طول المنهج المقرر والذي على المعلم إنهاؤه كاملا تحت الظروف التي ذكرناها آنفا يزيد الطين بلة، فلا يبقى أمام المعلم سوى الإسراع والسباق مع الزمن لإنهاء المنهج، وفي كثير من الأحيان لا يبقى لديه وقت للمراجعة أو التدريب على حل أسئلة اختبارات السنوات السابقة.

أما المسؤولون عن التعليم فكان الله في عونهم، حيث يبدو أنهم في موقف لا ناقة لهم فيه ولا جمل، فليست عملية تعديل المناهج سهلة ولا السيطرة على تضخم الإجازات من صلاحياتهم. وبين هذا وذاك يجد الطالب نفسه لهذا السبب أو ذاك منقادا كالحمل الوديع إلى مقصلة الدروس الخصوصية، فيما ولي أمره يتبعه وهو يتحسس جيبه ليتأكد إذا ما  كان قد تبقى فيه قرش أبيض لليوم الأسود.


نشرت في ملحق مرايا التابع لجريدة عمان في عددها الصادر بتاريخ 16/10/2014
وسوف يصدر الجزء الثاني من المقالة في الاسبوع المقبل

2014/09/22

أمراض الدم الوراثية .. الفحص الطبي قبل الزواج هو الحل

أمراض الدم الوراثية ..
الفحص الطبي قبل الزواج هو الحل 


نظمت اللجنة الوطنية لأخلاقيات البيولوجيا بالتعاون مع مجموعة التبادل البحثي بجامعة السلطان قابوس مؤخرا ملتقىً فكرياً بعنوان "الفحص الطبي قبل الزواج". وكان من أبرز ما توصل إليه هذا الملتقى من نتائج هو أن "60% من سكان سلطنة عمان يحملون جينات لأمراض الدم الوراثية". ولا شك أن هذه النسبة العالية من سكان السلطنة ممن يحملون جينات لأمراض الدم الوراثية كالثلاسيميا وأنيميا الخلايا المنجلية (السكلسل) وأنيميا الفول (G6PD deficiency) تجعل مجتمعنا العماني عرضة لخطر الإصابة بهذه الأمراض، وقد تكون هناك أمراض وراثية أخرى لم يتم التطرق إليها خلال هذا الملتقى، الأمر يستدعي وقفة من قبل الجميع بدءاً من الفرد نفسه ومرورا بالمجتمع وانتهاءً بالدولة.

إن هذه النسبة الكبيرة من سكان السلطنة الذين يحملون جينات لأمراض الدم الوراثية، تبين لنا خطورة هذه الحالة على مستقبل الأفراد، والعائلات، والمجتمع العماني وبالخصوص إذا علمنا أن المجتمع العماني مجتمع فتي، أي أن نسبة الشباب فيه أكثر من غيره. كذلك فإن تبعات هذه الحالة تطرح على كاهل الدولة أيضا أعباءً مالية كبيرة تتمثل في مصاريف علاج المصابين وتوفير الرعاية الصحية اللازمة لهم.

ما هي أعراض أمراض الدم الوراثية؟

 من المهم جدا معرفة أعراض أمراض الدم الوراثية، حتى نعرف السبب من وراء هذا الحرص على الوقاية من هذه الامراض. فبالنسبة لأنيميا الخلايا المنجلية أو فقر الدم المنجلي والذي يكثر في هذه البقعة من العالم، فإن من أهم أعراض هذا المرض الآلام الشديدة التي تحصل عند المصابين به خصوصا في الأطراف ومنطقة الظَهر. كما أنه يمكن أن تتجلط خلايا الدم في الرئتين ويؤدي ذلك إلى آلام شديدة في الصدر ومشاكل في التنفس، وقد تتجلط خلايا الدم في المخ ويؤدي ذلك إلى الإصابة بالجلطة الدماغية، ولتفادي حدوث المضاعفات يتكرر دخول المريض إلى المستشفى لتلقي العلاج، من قبيل المضادات الحيوية، وأدوية التقليل من الالام، وأيضا من أجل نقل الدم في بعض الحالات.

بالانتقال إلى مرض الثلاسيميا أو ما يسمى بفقر دم حوض البحر الأبيض المتوسط، فهنا تكون خلايا الدم الحمراء غير قادرة على أداء وظيفتها على أكمل وجه، وبالتالي فإن المريض يعاني من فقر دم حاد، وشحوب، وتعب، بالإضافة إلى تضخم الكبد والطحال. وهذا الأمر يتطلب نقل الدم للمصاب بشكل شهري للتخفيف من هذه الأعراض، بالإضافة إلى إعطاء المريض  دواءً آخر لتجنب زيادة نسبة الحديد في الجسم بسبب النقل المتكرر للدم. كما يصاب المريض أيضا بتشوهات في عظام الرأس والوجه ومشاكل في الأسنان على المدى البعيد، بالإضافة إلى تأخر في النمو الجسدي والعقلي وتأخر في البلوغ. ولا يُخفى على أحد ما لهذه الأعراض من تأثيرات سلبية على المريض نفسه وعلى عائلته.

أما مرض نقص الخميرة، والذي ينتج بسبب نقص خميرة G6PD، والتي تحافظ على جدار كريات الدم الحمراء من الانحلال والتكسر عند تعرضها لمواد كيميائية، فإنها تُعد الأقل خطورة من بين هذه الأمراض إلى حد ما، وذلك لأن أعراض هذا المرض لا تظهر إلا حينما يتناول المصاب بعض أنواع الأطعمة كالفول مثلا أو بعض المضادات الحيوية، حيث أن تناول هذه الأطعمة والمضادات الحيوية يتسبب في كسر جدار كريات الدم الحمراء وانحلالها، الأمر الذي يؤدي إلى فقر دم حاد وهبوط مستوى الهيموجلوبين في الدم وتحول لون البول إلى اللون الداكن.

كيف تنتقل أمراض الدم الوراثية؟

لقد ذكرنا سابقا ثلاثة أمراض دم وراثية منتشرة في المجتمع العماني بكثرة، ولكن من المهم جدا معرفة كيفية انتقال هذه الأمراض الثلاثة من جيل إلى آخر، لأن كل مرض منهم يختلف في طريقة انتقاله عن طريقة إنتقال المرض الآخر.

فمثلا أنيميا الخلايا المنجلية والثلاسيميا عبارة عن أمراض ذو جين متنحي، أي إذا كان الزوجان حاملان للمرض، فإن إمكانية إصابة 
الطفل بالمرض تصل إلى 25% في كل حمل، في حين تصل إمكانية أن يكون الطفل حاملا للمرض إلى 50% بينما تصل إمكانية أن يكون المولود خاليا تماما من المرض ولا يحمل جيناته نسبة 25%. أما إذا كان أحد الطرفين مصابا والآخر سليما من المرض، فإن فرص الإصابة بالمرض تكون 50% في كل حمل، وإمكانية أن يكون الجنين حاملا للمرض تكون أيضا 50% في كل حمل.
الأب \ الأم
A
a
A
AA
Aa
a
Aa
aa
الجدول (1)

ولمزيد من التوضيح لهذه العملية، إذا كان الأب حاملا للمرض أي (Aa) والأم حاملة للمرض أيضا أي (AaA يكون جينا سليما، وa جينا مصابا بالمرض، بالتالي تكون النتيجة حسب الموضح في الجدول (1). وكما مر علينا آنفا بأن 60% من سكان السلطنة حاملين لهذه الجينات، فلنتخيل نسبة المصابين بهذه الأمراض الوراثية على المدى البعيد.
الأب \ الأم
X
x
X
XX
Xx
Y
XY
xY
الجدول (2)

أما بخصوص مرض أنيميا الفول أو G6PD deficiency، فهو مرض جيني مرتبط بالجنس، أي أن الأم (Xx) تنقله إلى الذكر فيكون مصابا، ولكن إذا نقلته إلى ابنتها فتكون حاملة للمرض فقط، أما الرجل (Xy) فينقله لابنته ولكن لا ينقله لابنه، لأنه ينقل له جين الذكورة (Y) فقط. وفي الجدول (2) توضيح للعملية.

عوامل إنتشار أمراض الدم الوراثية والآثار المترتبة على ذلك!

تُعد الأمراض السالفة الذكرمن أهم الأمراض الوراثية المنتشرة في عُمان، إن كان ذلك من حيث إصابة الأفراد بها أو من ناحية حملهم للجين الوراثي المسبب للمرض. ومن خلال دراستها للنتائج التي تترتب على زواج أولئك الذين يحملون أمراض الدم الوراثية، لاحظت الجمعية العمانية لأمراض الدم الوراثية "أن بعض الأزواج الذين يعانون من أمراض الدم الوراثية والذين يُرزقون بأطفال مصابين بالمرض، يؤول بهم الحال إلى الطلاق لما لهذه الأمراض من تأثير على حياة الأفراد من الناحية الجسدية والنفسية". كما أن معاناة الأطفال أنفسهم نتيجة تكرر زياراتهم للمستشفى وبالتالي بقائهم بعيدا عن المدرسة تسبب لهم ضغوطات نفسية وعصبية تؤدي إلى انخفاض مستوى التحصيل الدراسي لديهم.

كما أن بعض الدراسات توصلت أيضا إلى أن أهم سبب لانتشار هذه الأمراض في المجتمع هو زواج الأقارب وهي ظاهرة منتشرة في المجتمع العماني. وأنا هنا لا أدعو إلى إصدار تشريعات لمنع زواج الأقارب، ولكن نظرا لما يترتب على تفشي مثل هذه الظاهرة من إنتشار لمثل هذه الأمراض بين أفراد المجتمع وما تخلفه هذه الأمراض من آثار سلبية وعملا بالحكمة القائلة: "الوقاية خير من العلاج"، فإنه يصبح من الضروري بل من الواجب الدعوة إلى إجراء فحص طبي قبل الزواج في مثل هذه الحالات وذلك للحد من إنتشار هذه الأمراض والتقليل من آثارها السلبية، خصوصا إذا علمنا بأن نسبة الطلاق في المجتمع العماني مرتفعة نوعا ما، بسبب هذه الظاهرة أو غيرها.

ماذا نعني بالفحص الطبي قبل الزواج؟

الجواب على هذا السؤال قدمته لنا الجمعية العمانية لأمراض الدم الوراثية حيث عرفته بأنه "إجراء الفحص للشريكين المقبلين على الزواج لمعرفة ما إذا كانا مصابين أو حاملين لبعض الامراض الوراثية وطرح الخيارات والبدائل أمام الشريكين من أجل التخطيط لبناء أسرة سليمة وصحية". الأمر الذي يتطلب بالتأكيد حضور الشريكين إلى المركز الصحي لتحديد حالتهما فيما يتعلق بهذه الأمراض وهي كما ذكرنا سابقا ثلاسيميا الدم، أنيميا الخلايا المنجلية وتسمى أيضا بالسكلسل، وأنيميا الفول أو نقص الخميرة.

والجدير بالذكر أن تسهيلات إجراء هذه الفحوصات متوفرة في المراكز الصحية في مختلف ولايات السلطنة. كما قامت وزارة الصحة في السلطنة بإعداد عيادات خاصة متنقلة لهذا الغرض في جميع محافظات وولايات السلطنة. كذلك فإن إجراءات عمل هذه  الفحوصات سهلة وبسيطة، حيث يأخذ الأطباء عينة الدم من الشريكين، ويتم إرسالها للمختبر حيث تظهر النتيجة بعد اسبوعين. وفي ضوء نتيجة الفحوصات يجلس المختصون في المركز الصحي مع الشريكين لإخبارهما بكافة الإحتمالات وكذلك البدائل المتاحة أيضا.

والآن وبعد معرفة أعراض هذه الأمراض الثلاثة المنتشرة في مجتمعنا العماني وكذلك بعد معرفة آثارها السلبية على الفرد و الأسرة والمجتمع بأسره ناهيك عن العبء المادي الذي يرهق كاهل الدولة التي لا تجد مفرا من تقديم الرعاية الصحية المناسبة للمصابين بهذه الأمراض، الأمر الذي يستقطع جزءاً لا بأس به من موازنة وزارة الصحة. ألا يستحق الأمر بعد كل هذا الوقوف عنده والعمل بموجب الحكمة القائلة "درهم وقاية خير من قنطار علاج" وذلك عن طريق إجراء الفحوصات الطبية قبل الزواج وهي في الوقت الذي تحصن المواطن ضد الأمراض المذكورة وتجنبهم المآسي المترتبة على تلك الأمراض، فهي لا تكلف الدولة كثيرا مقارنة بتكاليف علاج الأمراض التي قد تصيب المواطن في حالة عدم إجراء هذه الفحوصات.

إذاً هي دعوة لكل مقبل ومقبلة على الزواج، لاسيما ممن يتواجد في عوائلهم مصاب أو حامل للمرض، بإجراء هذا الفحص الطبي، حتى لا يتفاجؤوا فيما بعد بهذه الأمراض وبالتالي يجنبوا أنفسهم وأبناءهم والمجتمع الآثار السلبية لهذه الأمراض، هي دعوة أيضا لكي نطبق حديث النبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم: "تخيروا لنطفكم"، حتى يكون مجتمعنا العماني سليما خاليا من الأمراض، لنُكمل مسيرة التنمية والعطاء.

قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز: "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" ]سورة التين – الأية 4[. كما قال جل جلاله: "وصوركم فأحس صوركم" ]سورة غافر - الآية 64[، ]سورة التغابن – الآية 3[. والمعنى: أنّ اللّه سبحانه وتعالى جعل صورة الإنسان صورة حسنة، وخَلَقه في أحسن تقويم، والتقويم معناه جعل الإنسان ذا قوام، وقوام الشيء هو ما يقوم به الشيء ويثبت، فالآيات تريد أن تبيّن أن صورة الإنسان بشكل عامّ صورة حسنة، وأنّ هذا النوع من الكائنات الحيّة يمتلك أحسن قوام بحسب الخلقة. من هنا لم يكن غريبا هذا الإهتمام الكبير من قبل الإسلام بالإنسان وتكوينه وخلقته من خلال التشريعات التي توجه هذا الإنسان وترشده إلى كل ما يمكنه من المحافظة على قوامه في أحسن صورة وأحسن تقويم.

ولا شك أن الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم بصفته المعلم الأول في الإسلام كان يَعلم بأن عملية تشكيل قوام الإنسان تبدأ وهو جنين في بطن أمه متأثرا بعوامل وراثية مكتسبة من أبيه وأمه، لذا بادر إلى توجيه المسلمين نحو الإهتمام بهذه المرحلة من الحياة فجاء قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس" وأتبعها بسلسلة من الأحاديث حول هذا السياق. ومن هذا المنطلق أرجو أن يكون هذا المقال مساهمة متواضعة مني في هذه الجهود من خلال إلقاء الضوء على طبيعة هذه الأمراض والآثار المترتبة على المصابين بها وأُسرهم وكيفية تجنب الإصابة بها.



نشرت في مجلة شرق غرب العمانية في عددها الأول