2013/10/18

ويبقى الحسين .. جمرة مشتعلة

ويبقى الحسين .. جمرة مشتعلة




لم يتبق على بداية شهر الحزن والأسى إلا أيام معدودة، فها هو شهر محرم الحرام قد أقبل، حاملا معه نداءً عاشوريا صادحا "ومثلي لا يبايع مثله". هذا النداء كان قُبيل انطلاق الثورة الحسينية، أعلنها الحسين عليه السلام إعلانا مدويا أمام الجميع، أن يزيد بن معاوية لا يمثل قيم الإسلام، ولا يرقى إليها أصلا، وأنه - بأبي هو وأمي - أشرف وأجل من أن يبايع يزيد ذلك الفاجر الفاسق. نداء آخر كان للحسين عليه السلام أيضا ولكنه كان في أحلك الظروف وأشدها على الحسين بن علي سلام الله عليه، كان هذا النداء في يوم عاشوراء حينما أحاطت جيوش بني أمية بأهل بيت النبوة والطهارة، أي حينما لم يتبق على أسر زينب وأخواتها إلا القليل، أطلق قائد الجيش العلوي نداءه الصارخ "هيهات منا الذلة".

إن صدى هذه الصيحات لا يزال مستمرا، ففي كل أرض هناك كربلاء ثانية، وفي كل يوم هناك عاشوراء أخرى تتحدى جيوش بني أمية، بصلابة علوية، ملبين دعوة الإمام الشهيد عليه السلام في نصرة الحق، وقد صدق من قال "كل أرض كربلاء، كل يوم عاشوراء".

الثورة الحسينية المجيدة، وطريقة استشهاد هذا الإمام الغريب، بل وقبل كل ذلك هدفه النبيل الذي خرج من أجله سلام الله عليه، وهو إعادة الإسلام إلى مساره الصريح، وإعادة الأمة الإسلامية إلى سيرتها الأولى كما كانت على عهد جده رسول الله صلى الله عليه واله وسلم. الإمام الحسين عليه السلام، لم يخرج من أجل مال أو دنيا يريدها، ولم يخرج "أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً" ولكنه خرج "لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ". فكان من الصعب على البعض أن يتقبل فكرة خروج الإمام الحسين على الظلم، فالفترة التي سبقت حكم يزيد كانت من أشد الفترات على المسلمين ولكن لم يخرج أحد على ملك معاوية عدا الإمام الحسن عليه السلام ومن بعدها صالح معاوية على شروط وضعها معاوية بعد ذلك تحت رجليه. ولذلك عقب الإمام عليه السلام كلامه بقوله: "فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين". كل ذلك جعل من الحسين بن علي عليه السلام منارا وعلما ونورا يهتدي به كل من يريد الحرية، وكل من يريد تحقيق العدالة على ظهر هذا الكوكب.

بخروج سيد الشهداء على حكم الطاغية يزيد بن معاوية، فإنه قد أعطى لكل الشرفاء في العالم طريقة وأسلوبا إسلاميا بحتا للثورة ولنيل الشرف والعزة، ولم يكن قوله لبني هاشم: "من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يبلغ الفتح" ]كامل الزيارات: 75 باب 24 حديث رقم 15] إلا دليلا على أن الحرية والشرف والكرامة لا تكون إلا بالشهادة، والفتح المبين لا يكون إلا بالتضحية بالغالي والنفيس تطبيقا لقول الله تبارك وتعالى: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون"]آل عمران:92].

لقد ربى أئمة أهل البيت عليهم السلام شيعتهم على استذكار مصائب الطف وما جرى على أهل بيت النبوة والرسالة، في مجالس يتعلمون فيها أمور الدين والدنيا، ويبكون فيها على الحسين بن علي وعلى أهل بيته. إن هذه المجالس الحسينية ما هي إلا مجالس تنزل عليها الرحمة، مجالس يزداد فيها شيعة محمد وآل محمد إيمانا ويقينا، مجالس هدفها أن يستمد الحاضرون من الحسين عليه السلام إيمانه، صبره، عزيمته وإصراره، يستلهمون من زينب عليها السلام معنى الصبر وتحمل الأذى، ومن العباس بن علي معنى الإيثار ومعنى الأخوة ومعنى طاعة أولي الأمر. ويتعرفون على معنى الانصياع لأمر القائد من حبيب بن مظاهر وزهير بن القين وغيرهم من أصحاب الحسين عليه السلام.

إن شعائر الحسين عليه السلام من أبرز مصاديق شعائر الله جل جلاله، لأن هدف الحسين عليه السلام من كل ما جرى كان رضى الله تعالى وإعلاء كلمته، ومن يجعل رضى الله نصب عينيه، فإن الله سبحانه وتعالى يعظمه، ويخلد ذكره إلى يوم القيامة، ولهذا فإن الحسين عليه السلام سيبقى كالجمرة المشتعلة في قلوب شيعته ومحبيه كما قال جده رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا" [جامع احاديث الشيعة، ج 12، ص556]. 



رضا بن عيسى اللواتي
مسقط – سلطنة عمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق