2016/06/19

"زيكا" الذي أرعب العالم

"زيكا" الذي أرعب العالم



قبل مدة بسيطة ظهر في البرازيل فايروس قد يبدو للبعض جديدا كونه لم يسمع به من قبل. وهذا الفايروس يسمى Zika. ينتقل الفايروس زيكا عن طريق بعض أنواع البعوض، والذي يتواجد في المناطق المدارية بشكل عام. تحدث الكثيرون عن هذا الفايروس والمرض المعدي الذي يتسبب فيه، من طبيب، وعالِم في الفايروسات، وعالِم في بيولوجيا البعوض، بل واحتلت أخباره العناوين الرئيسة في نشرات الأخبار والبرامج الصحية، وأصبح حديث الساعة في المجالس والمنتديات العامة والخاصة. وبالفعل أعلنت حالة الطوارئ من قبل المؤسسات الصحية العالمية بغية محاصرة الفايروس والمرض الذي يسببه لأن إنتشاره في أنحاء أخرى من العالم قد يسبب مشكلة عالمية، كما كان الحال من قبله مع فايروس انفلونزا الطيور والخنازير ومن قبلهم فايروس سارس وغيرها الكثير.

في هذا المقال سألقي الضوء على فايروس Zika الذي أصبح حديث الساعة هذه الأيام في جميع المجالس والبرامج كما أسلفنا، مركزا على أهم ما يجب معرفته عنه.

ما هو فايروس زيكا ؟
يرتبط  فايروس زيكا بالعديد من الأمراض المكتشفة سابقا من قبيل حمى الضنك، والحمى الصفراء، والتهاب الدماغ الياباني وفايروس غرب النيل. ويقول الدكتور عبدالله بالخير استشاري أول في الأمراض المعدية في حوار أجراه معه "ملحق أنوار" التابع لدائرة العلاقات العامة والإعلام في جامعة السلطان قابوس382: "أنه تم اكتشافه لأول مرة في عام 1947م في قرود من فصيلة الريصو من خلال شبكة رصد الحمى الصفراء وتم اكتشافه لاحقا في البشر عام 1952م في أوغندا وجمهورية تنزانيا المتحدة".

كيف ينتقل الفايروس ؟
ينتقل فايروس زيكا عن طريق لدغة بعوضة تُسمى "Aedes Aegypti"المصابة بالفايروس والتي تتواجد في معظم المناطق الإستوائية. وتحتاج هذه البعوضة إلى سائل كالدم لكي تضع فيه بيوضها، علما بأن نشاط هذه البعوضة يكثر في النهار، ولكن بالطبع لا يمنع ذلك من أن تمارس نشاطها بالليل أيضا. ولا شك أن معظم الخبراء يعتقدون أن انتقال هذا الفايروس يتم عن طريق هذه البعوضة، إلا أن بعضهم لا يستبعد انتقال الفايروس أثناء الحمل من الأم المصابة بالفايروس إلى الجنين، خصوصا أنه لوحظ أن الطفل المولود لأم مصابة بالفايروس عادة ما يكون رأسه صغيرا. علما أن بعض التقارير الطبية ذكرت أن الأتصال الجنسي ليس وسيلة لانتقال الفايروس حيث لم تسجل إلا حالات نادرة بهذا الخصوص. كذلك لم تسجل حالات انتقال للمرض عن طريق نقل الدم، ولا زالت الدراسات والأبحاث قائمة في هذا المجال.

ما هي الأعراض ؟
وبالانتقال إلى أعراض الإصابة بفايروس زيكا، فهي أعراض عامة لكنها ليست بالضرورة دلالة جازمة على إصابة المريض بالفايروس. وهذه الأعراض هي من قبيل الحمى، التهاب العين، الطفح الجلدي، التعب والخمول، الام المفاصل والعضلات، وصداع، وقد تستمر هذه الأعراض بين 2-7 أيام تقريبا. كذلك فقد لوحظ أن بعض المرضى قد يُصابون بأعراض عصبية ونقص في المناعة إذا ما تعرضوا للفايروس. إلا أن أكثر ما أثار إهتمام الناس حول هذا المرض هي تلك التي انتشرت على وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي كانتشار النار في الهشيم والتي تربط بين أمهات حملن هذا الفايروس أو المرض وولادة أجنة ذوو رؤوس صغيرة. ولكن مع ذلك لم يثبت حتى الآن وبشكل قاطع أن الإصابة بفايروس زيكا قد تؤدي إلى ولادة أجنة برؤوس صغيرة (Microcephaly)، وهذا الأمر بحاجة إلى مزيد من الدراسة والبحث.

كيف يتم التشخيص ؟
يتم تشخيص الإصابة بفايروس زيكا عن طريق وجود الأعراض العامة المذكورة آنفا، بمعية جنبا إلى جنب مع التاريخ المرضي للمصاب المفترض إذا ما كان قد سافر إلى مناطق انتشار هذا الفايروس قبل إصابته بالمرض بفترة قليلة. بالإضافة إلى ذلك فهناك بعض فحوصات الدم التي يتم إجراؤها للمريض الذي يُتوقع أنه أصيب بالمرض عن طريق عزل الفايروس من دم المريض أو لعابه أو بوله.

ما هو العلاج ؟
أما عن العلاج، فقد ذكرت مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) أن الأعراض عادة ما تكون خفيفة ولا تتطلب علاجا معينا، ولكن يجب على المريض أن يأخذ قسطا من الراحة بالإضافة إلى شرب السوائل بكميات أكبر من السابق، وأن يأخذ بعض مسكنات الآلام ومخفضات الحرارة. أما إذا زادت الحالة سوءا وزادت واستمرت الأعراض فعلى المريض أن يراجع أقرب مؤسسة صحية.

كيفية الوقاية ؟
في الوقت الحالي لا يوجد لقاح أو مصل ضد هذا الفايروس، ولكن يمكن الوقاية منه عن طريق إتخاذ الإجراءات الآتية:
-         السيطرة على مناطق انتشار البعوض.
-         ارتداء الملابس الساترة والتي تغطي أغلب أجزاء الجسم خاصة في الأجزاء المكشوفة.
-         البقاء في المناطق المكيفة أو داخل الأماكن المغلقة.
-         تغطية أماكن النوم بشبكات طاردة للبعوض.
-         من المهم جدا أن يتم تغيير الماء والسوائل في الدلو أو الأوعية أو البراميل، حتى لا تشكل مناطق لتجمع البعوض.
-         إذا كنت تريد التوجه إلى مناطق ينتشر فيها الفايروس، فعليك أولا باستشارة طبيبك الخاص قبل الذهاب إلى تلك المناطق.

فايروس زيكا والمرأة الحامل:
أشارت بعض التقارير الواردة من البرازيل إلى أنه يمكن لفايروس زيكا أن ينتقل من المرأة الحامل إلى جنينها مما يسبب خللا في تكون الدماغ وينتج عنه صغر حجم الدماغ والرأس، إلا أن هذه الإحتمالية كما ذكرنا سابقا لا تزال في طور البحث والدراسة. ولذلك فإن مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها ينصح المرأة الحامل باتخاذ الحيطة والحذر قبل السفر إلى المناطق التي ينتشر فيها هذا الفايروس، كما يطالبها بمراجعة طبيبها قبل الذهاب إلى تلك الأماكن. أما إذا كانت المرأة قد سافرت بالفعل إلى تلك المناطق، فعليها زيارة طبيبها الخاص في أسرع وقت ممكن للتأكد من سلامتها وسلامة الجنين، بالإضافة إلى إجراء بعض الفحوصات الضرورية الخاصة بالفايروس والمرض إن لزم الأمر. وحسب مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها فإن التقارير الطبية حول هذا الفايروس والمرض لم تثبت حتى الآن تأثير فايروس زيكا على الحمل مستقبلا بعد الإصابة بالفايروس، حيث أن الفايروس لا يبقى في الدم لأكثر من أسبوع فقط.

هل يتواجد فايروس زيكا في عمان ؟
يستبعد الدكتور عبدالله بالخير في حواره مع "ملحق الأنوار" التابع لجامعة السلطان قابوس تفشي وانتشار فايروس زيكا في السلطنة، لندرة وجود وانتشار البعوضة المسؤولة عن انتقال هذا الفايروس، ولكن لا يستبعد أمكانية إنتقال المرض عن طريق السُياح أو المسافرين القادمين من المناطق التي ينتشر فيها المرض.

ختاما، فإن الله سبحانه وتعالى لم يخلق داء إلا أوجد له دواء ، ولكن كما قيل "الوقاية خير من العلاج". فيجب أولا أخذ الحيطة والحذر وإتخاذ جميع الإحنياطات اللازمة للوقاية ليس من هذا المرض بل من جميع الأمراض. وأن نلتزم بالتحذيرات العامة التي تصدر بين الحين والآخر من الجهات المعنية  والمتعلقة بهذا المرض وانتشاره. كما أن علينا مراجعة المؤسسات الطبية في أقرب فرصة إن ظهرت هذه الأعراض على أي منا.

نشر في مجلة شرق غرب العدد العاشر يونيو يوليو 2016م.

2016/06/15

"ساق البامبو" .. من الرواية الأدبية إلى العمل التلفزيوني

"ساق البامبو" .. من الرواية الأدبية إلى العمل التلفزيوني


منذ أن أُعلن عن العمل التلفزيوني "ساق البامبو" وهو المقتبس من رواية الكاتب الكويتي سعود السنعوسي حتى سال حبر الكُتاب والنقاد والمشاهدين عن ماهية هذا العمل، وكيف سيظهر هذا العمل التلفزيوني المقتبس من رواية مكتوبة، ربما لقلة أو ندرة الأعمال الروائية العربية التي تم تحويلها إلى عمل تلفزيوني. سال حبرهم ما بين مؤيد ومعارض، ما بين من يعتقد أن مثل هذه الأعمال الروائية التي نالت جوائز محلية وعالمية يجب أن تتجسد على هيئة أعمال تلفزيونية أو سينمائية، وما بين معارض ومُعتقد أن تجسيد هذه الأعمال الروائية الأدبية من الورق إلى شاشات التلفاز أو شاشات السينما يضر بسمعتها أكثر مما يفيدها.

تحدث الكثيرون عن العمل التلفزيوني الجديد "ساق البامبو"، وهل بالفعل سيتمكن الممثلون من تجسيد أدوار الرواية بكل دقة، وهل سيتمكن المخرج، وكاتب السيناريو، وكاتب الرواية، وطاقم العمل من إيجاد ممثلين لهم القدرة على تجسيد الرواية وتحويلها إلى عمل تلفزيوني من 30 حلقة تقريبا. وأصلا هل بالإمكان تحويل الأعمال الكتابية الأدبية الروائية إلى أعمال تلفزيونية درامية بدون المساس بجوهر الرواية وأصالتها.

دعوني هنا أولا أن أسجل إعجابي الشديد بالكاتب المتألق في جميع رواياته سعود السنعوسي، ودعوني أيضا أسجل إعجابي بكاتب سيناريو العمل التلفزيوني رامي عبدالرازق والمخرج محمد القفاص، وفريق العمل من ممثلين ومنتجين ومن هم خلف الكواليس أيضا.

عندما شاهدت الحلقة الأولى من المسلسل، توقعت أن أشاهد إسقاطا لما قرأته في الكتاب، كل شيء بحذافيره، وربما توقع بعض المشاهدين ذلك أيضا، ولأنني قرأت الرواية لأكثر من مرتين وسبرت أغوارها، كنت أحاول توقع ما سوف يجري بعد قليل، إلا أنني كنت أتفاجأ بالمشهد التالي، إلى أن انتهت الحلقة الأولى، وعلمت أنه كان لابد من تغيير المشاهد، وتقديم بعض المشاهد على أخرى، بل وإضافة مشاهد جديدة لم تكن موجودة في النص الأصلي أو حتى أكون واضحا، في الرواية نفسها.

إلى الآن شاهدت جميع حلقات "ساق البامبو" وقد جُسدت الرواية بطريقة رائعة جدا، وتم اختيار الممثلين بعناية ودقة، فنحن نشاهد اختلافا كليا في العمل التلفزيوني هذا، اختلافا عن غيره من الأعمال التلفزيونية الأخرى، والمسلسلات التي سبق وأن عُرضت لنفس هؤلاء الممثلين. هذا العمل التلفزيوني المتقبس من عمل الأدبي، جسد لنا قضية التمييز في المجتمع الكويتي، وهو إسقاط لا بأس به على المجتمع الخليجي ككل، حيث أننا نرى ذلك يحدث مع "عيسى راشد الطاروف" إبن لعائلة كويتية محترمة، ومع "غسان" صاحب القضية التي من أجلها تناضل "هند الطاروف"، وهذا ما أورده السنعوسي في الرواية نفسها بطريقة أو بأخرى.

جسد لنا هذا العمل قضية الغنى الفاحش لبعض طبقات المجتمع الكويتي "عائلة الطاروف" وفي المقابل الفقر المدقع لبعض الطبقات الأخرى "غسان ووليد"، وفي الحقيقة يمكن إسقاط ذلك على المجتمعات الخليجية ككل، لأن هذه المجتمعات تتشارك في العادات والتقاليد وكذلك في الأفكار والدين والثقافة أيضا. من ناحية أخرى جسد لنا تسمك المجتمع الكويتي "الخليجي" بالعادات والتقاليد وإن كانت خاطئة من قبيل قضية "راشد الطاروف" عندما كان يريد الزواج من "هبة" وموقف أمه "غنيمة" الغير مقتنع والغير متقبل والرافض بشدة لفكرة هذا الارتباط بين عائلتين ليس لهما نفس الحَسب والنَسب ضاربين بعرض الحائط كل التعاليم الدينية الإسلامية التي تحث على "واظفر بذات الدين تربت يداك".

القضية الأساسية في هذا العمل التلفزيوني هي قضية "عيسى أو هوزيه" مع أسرة الطاروف، هذه الأسرة العريقة في المجتمع الكويتي والتي لا ترغب في الاعتراف به بسبب ولادته من "خادمة" وخوفا من "كلام الناس"، وفي الحقيقة يمكن أن نسقط هذا الحال على المجتمع الخليجي ككل، فهذا الإعتقاد سائد عند الجميع وليس حكرا على المجتمع الكويتي فقط.

لقد جسد "ساق البامبو" من خلال الرواية أولا ومن ثم العمل التلفزيوني حياة المجتمع الخليجي ككل، ولكن تجسيدها من خلال العمل التلفزيوني سوف يكون له وقع أكبر، خصوصا أن عددا أكبر من شرائح المجتمع سوف يشاهد المسلسل ويتابعه حلقة بحلقة، وهنا أتمنى أن يحذو "فئران أمي حصة" لسعود السنعوسي نفسه حذو "ساق البامبو" في انتاجه كعمل تلفزيوني درامي، وربما روايات أخرى لكُتاب وروائيين آخرين.


تحية كبير إلى الكاتب الكويتي سعود السنعوسي والسيناريست رامي عبدالرازق والمخرج محمد القفاص، وفريق العمل من ممثلين ومنتجين وجميع من ساهموا في إنجاح هذا العمل.

نُشر في جريدة الرؤية العمانية لعددها الصادر في يوم الأربعاء 15/6/2016.