2016/03/23

لصوص الكلمات

لصوص الكلمات
نشرت في النشرة الأسبوعية لمشروع أصدقاء القراءة 22/3/2016

ربما كانت اللصوصية في عنوانها الأبرز ترمز إلى سارقي المال والمتاع والعقار، ومختلسي الأموال، وبعضا ممن لم يكلفوا أنفسهم عناء التعب والعمل والجد والاجتهاد، فعمدوا إلى التسلط عنوة على ممتلكات الغير، وهذا بالتأكيد جرم يعاقب عليه القانون، قانون أي دولة. ولكن ما يظهر في الساحة الآن، لصوصية من نوع آخر، لصوصية ثقافية، إختلاس فكري وأدبي، والحرامي هو من يُطلق عليه أديب أو مثقف أو كاتب أو قاص أو روائي أو شاعر، والحبل على الجرار يمضي.


هذا النوع من اللصوصية والاختلاس ليس بجديد، وربما بدا معاصرا للصوصية بعنوانها الأبرز للمال والمتاع والعقار، ولكنه كان من الصعب جدا فيما مضى اكتشاف هذا النوع من سرقة الحقوق الأدبية، والملكية الفكرية. الآن، وبعد سيطرة التكنولوجيا على عالمنا المعاصر، أصبح اكتشاف لصوص الكلمات أمرا أسهل من السابق، فهؤلاء ممن ينسخون الكلمات والأسطر مختتمين بكلمة "بقلمي" أو "بنات أفكاري" أو "حبر قلمي"، أصبح من اليسير جدا اكتشافهم، فهنالك العديد من البرامج على الحاسب الآلي التي تتيح لك بنسخ ولصق أن تكتشف الكاتب الأصلي لتلكم الأسطر، حتى ولو اختتمها سارقها بـ "حقوق ملكية فكرية".

إذاً هذه الموضة أصبحت منتشرة في الساحة الثقافية العربية، وربما العالمية أيضا، أن يأتي الأديب المصطنع، والكاتب اللص، ليضع أسطرا تعب مؤلفها في نسجها من دون أي خوف من العقاب، لأنه وكما يقال: "من أمن العقوبة أساء الأدب"، فيسطرها في مؤلفه الجديد "المسروق"، فترى بعضهم ينسخ عبارات وفقرات كاملة من كتاب آخر، ليضعها في كتابه وكأنه كاتبها الحقيقي، أو يأتي ذلك الشاعر المصطنع، ليوهم المتلقي بأنه مختلق هذه الأبيات، ويضع لنا نصا مزخرفا يبهر النفوس، ولكن لا يكون سوى أبيات مسروقة من شاعر هنا، وشاعر هنا، أصاب في رصها رصا متينا مستوفيا لشروط الشعر، وخاب في سرقتها "ألا خاب من افترى".

بالتأكيد، هذه السرقات الأدبية، والاختلاسات الثقافية لا تجدي نفعا، فهي لا تصنع كاتبا مرموقا، ولا أديبا حاذقا، ولا شاعرا فذا، بل تصنع سارقا محترفا، وما هي إلا برهة محدودة من الزمن حتى ينكشف أمر هذا السارق الأدبي، فلا تكون له قيمة أو وزن أنذاك، حتى وإن أتى بنص من "قلمه" أو "بنات أفكاره"، فسرقته الأولى ستكون وصمة عار تلاحقه دائما وأبدا، وما أسوأها من وصمة عار.

2016/03/14

هطلت الأمطار وتجمع الماء .. فأين التصريف ؟
نشرت في جريدة الرؤية


أنعم الله – سبحانه وتعالى – علينا في الأيام الماضية، فهطل المطر غزيرا على معظم أرجاء السلطنة، كانت أمطار خير ونعمة عمت أنحاء البلاد، فارتفعت الأيدي شاكرة متضرعة إلى الله – سبحانه وتعالى – متنمية الخير والسلامة والأمن لهذا الوطن الغالي ولقائد هذه المسيرة المباركة وللشعب العماني. لقد شكلت تلكم الأيام بما فيها من أمطار تحديات واسعة لبعض القطاعات في السلطنة، وقد أدوا ما عليهم من واجب بكل اقتدار، فمثلا نجد أن شرطة عمان السلطانية وفرق الإنقاذ والطوارئ التابعة لها، عملت بجد واجتهاد من أجل حماية المواطنين والمقيمين من جراء نزول الأودية، وما تسببه من قطع الطرقات، وسقوط الصخور من أعالي الجبال، وقامت بعمليات إنقاذ كلما تلقت بلاغا حتى في مواقع الخطر. كما لا ننسى الأرصاد الجوية الذين عملوا أيضا بكل احترافية ومهنية عالية من أجل وضع النقاط على الحروف وإيصال الصورة كما هي بدون أي تشويش. وبالإضافة إلى هؤلاء لا ننسى جهود الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون والإذاعات الخاصة الذين واكبوا الحدث لحظة بلحظة ووضعوا المواطن والمقيم في الصورة على مدار الساعة، وغيرهم من الجهات التي ساهمت بشكل وأخر في التعامل مع هذه الظروف.

ولكن يحق لنا كمواطنين وكمقيمين على هذه الأرض الطيبة، وبعد أن انتهت الحالة الجوية التي مررنا بها، أن نتسائل عن ما حدث في الطرقات والشوارع، والحواري والسكك، ألا وهي مسألة تجمع الماء فيها، لتتعطل حركة السير في بعض الطرقات، وتدخل المياه إلى البيوت في مناطق أخرى، وتنساب الأودية إلى بعض الأسواق التقليدية في بعض محافظات وولايات السلطنة، فتتعطل الحركة الشرائية فيها.

لقد رأينا جليا ما حدث في الأيام الماضية على شاشات التلفاز، ولم تخفِ الصور المتداولة في مواقع التواصل الإجتماعي هذا الأمر، بالإضافة إلى ما رأيناه وعايناه بأم العين. حيث تجمعت المياه في بعض الطرقات مما تسبب بإغلاقها تماما نتيجة جريان وادٍ هنا، أو تكون بِركة كبيرة من الماء هناك، أعاقت حركة السير، وبالتالي تسببت بازدحام شديد على في الطرقات، الأمر الذي أدى إلى تأخر الموظف عن الوصول إلى عمله، ولك أن تحسب العدد الهائل من الساعات الضائعة، وما تليها من نتائج على الاقتصاد وعلى مدخوليات وأرباح الشركات سواء كانت حكومية أو خاصة، خصوصا في ظل إنهيار أسعار النفط والأزمة الاقتصادية الراهنة التي تمر بها البلاد.

هذا ليس نهاية المطاف، فمن يحاول من السائقين عبور الوادي أو عبور بِركة الماء المتجمعة، فإما أن تتعطل سيارته، فيقف على جانب الطريق لا يلوي على شيء، منتظرا وصول المساعدة، أو يستطيع عبورهما – إن كانت سيارته من نوع الدفع الرباعي – ولكنه بالتأكيد سوف يتأخر عن عمله فترة طويلة من الزمن.

بالإضافة إلى ذلك، فإننا نرى بناء البيوت والبنايات السكنية على مجاري الأودية، ونتيجة لذلك تتجمع المياه في تلك المنطقة وتدخل البيوت المجاورة فتُشكل بركا داخل المباني وخارجها أيضا، فيتعطل سُكانها، ولا يستطيعون حتى الخروج من منازلهم للقيام بأعمالهم الضرورية، وقد تتعطل سياراتهم أيضا وتَعطب. وقد شاهدنا ذلك في الحارات في العاصمة مسقط، وما لم نشاهده في المحافظات الأخرى أشد وأقسى من ذلك.

هذه الملاحظات دائما ما نشاهدها ونعاينها عند هطول الأمطار على السلطنة، في مختلف محافظاتها وولاياتها، ولكن لماذا يحدث ذلك؟، لماذا لا نشاهد سوء التصريف هذا وتجمعات المياه أمام المنازل وفي الطرقات في دول أخرى؟. لقد عشت في جمهورية ألمانيا الإتحادية مدة من الزمن، هطلت خلالها الأمطار واستمرت لأيام طويلة، حتى تخيلت ومن معي بأننا سنظل حبيسي الدار إلى حين نهاية فترة الأمطار هذه بسبب تجمع المياه كما يحدث في السلطنة هنا، لكن ذلك لم يحدث أبداً، فالماء لا يتجمع، ولا تتشكل البرك والمستنقعات إلا في النادر، وفي الحقيقة لم أكن في عاصمة الجمهورية الألمانية، بل كنت في منطقة ريفية. لقد رأينا تصريفا رائعا لمياه الأمطار، ورأينا تصميما جميلا للشوارع فيها، فالتصميم والتصريف لا يتيحان للمياه فرصة للتجمع وتكوين البرك، فأولا تذهب المياه إلى جانبي الشارع، وهناك تنزل المياه في قنوات تصريف معدة لذلك.

حسنا، قد يقول قائل بأن المانيا دولة أوروبية متطورة، ومن الطبيعي أن نشاهد فيها هذ التطور، فلا يمكننا المقارنة بين ألمانيا والسلطنة. فماذا عن ماليزيا؟ ماليزيا دولة أسيوية، تهطل فيها الأمطار بشكل شبه دائم، وأكثر غزارة من الأمطار التي تهطل في السلطنة، ولكن لا تُشل حركة المرور بسبب مياه الأمطار، ولا   تتجمع المياه أمام البنايات والمباني السكنية أو التجارية، ولا تتعطل الأعمال أبدا. وقد كنت شاهدا على ذلك أيضا، فلا يوجد مجال لتجمع المياه في الشارع، وهذه من حسنات تصميم الشوارع في هذا البلد، بالإضافة إلى نظام التصريف.

لننتقل إلى دولة ثالثة، وهي جمهورية الهند، والتي يقطنها أكثر من مليار نسمة، وتُعد شوارعها الأقدم تصميما، وربما منذ زمن الاستعمار البريطاني. هل لكم أن تتخيلوا كمية الأمطار التي تهطل عليها على مدار السنة حيث أنها منطقة استوائية وذات مساحة شاسعة !. وهل لكم أن تتخيلوا أن أنظمة تصريف المياه تعمل فيها بشكل ممتاز بحيث لا تتجمع المياه في الطرقات لتشكل عائقا أمام حركة السير في البلاد أبدا !. حتى أخبرني أحد أساتذتي في الجامعة متعجبا: "دولة مثل السلطنة لا تمتلك نظام لتصريف مياه الأمطار، وتتجمع في طرقاتها وأمام المنازل مياه كثيرة تعيق الحركة، بينما لا يحدث هذا في الهند !!". وأترك للقارئ الكريم حرية المقارنة.

لم أقل هذا الكلام، ولم أجري هذه المقارنات إلا من باب حرصي على مصلحة هذا الوطن ومصلحة المواطن والمقيم على أراضيه. فالمظهر العام للطرقات والمنازل والأسواق مهم جدا، وكذلك لكي لا يتحول المطر نقمة علينا بدل أن يكون نعمة. وقد رأينا جهود القطاعات المسؤولة لإزالة المياه المتجمعة في الطرقات والشوارع بعد هطول المطر، وتنظيف المياه من الأتربة والحصي والأحجار وما خلفه الوادي عند مروره. ولكن ألم نتعلم بعد من المثل القائل: "الوقاية خير من العلاج" ؟. ألم نتعلم ونستفيد من التجارب الماضية ؟. وهل علينا في كل مرة يهطل فيها المطر على بلادنا الغالية أن نتأسف ونتحسر ونشاهد مياه الوادي تستبيح منازلنا، وأن نشاهد الشلل التام في حركة السير جراء نزول وادٍ هنا، أو تجمع كبير لمياه المطر هناك؟!!!

أتمنى من المسؤولين الكرام، وممن يريد الرقي بهذا الوطن العزيز الغالي، الذي لم يتوانى قط عن إعطاءنا خيراته الكثيرة، أن يهتموا قليلا بأمر تصريف المياه، وأن يستفيدوا من تجارب الدول الأخرى في أنظمة تصريف المياه بعد هطول الأمطار، فلا ندري متى يكون الموعد القادم لهطول أمطار الرحمة والخير على بلادنا العزيزة عُمان، خاصة وأن التغييرات المناخية التي يشهدها العالم تُبشر بهطول الأمطار على بلادنا العزيزة لفترات أكبر وبشكل متكرر أيضا.

2016/03/12

عمان وإيران .. خطوة نحو الازدهار - لم تُنشر

عمان وإيران .. خطوة نحو الازدهار

كتبت هذه المقالة قبل عامين لكن لم أرسلها للنشر .. أنشرها في المدونة بعد مرور فترة زمينة على كتابتها


ربما كانت علاقات سلطنة عمان بالجمهورية الإسلامية في إيران هي أبرز محاور النقاش في المجالس والمحاورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصا بعد الزيارة الأخيرة لفخامة رئيس الجمهورية الإسلامية الشيخ حسن روحاني ولقاءه بصاحب الجلالة السلطان قابوس حفظه الله ورعاه وبعض المسؤولين في السلطنة. هذه الزيارة ربما تعد الحدث الأبرز في منطقة الخليج العربي وربما الشرق الأوسط في الربع الأول من العام الجاري.

هذه الزيارة على الرغم من قصر مدتها التي لم تتجاوز اليومين، تم التباحث فيها حول شتى المجالات والقضايا التي تحضى باهتمام مشترك يين البلدين كما وقعت بعض الاتفاقيات التي من شأنها أن تنهض بالبلدين الشقيقين من النواحي الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والثقافية بل حتى النواحي السياحية. زيارة رفيعة المستوى كهذه تدل على أن الحكومتين يريدان إقامة علاقات ثنائية تفيد البلدين معا، خصوصا بعد زيارة صاحب الجلالة حفظه الله ورعاه لإيران في اواخر العام الماضي.

لست أدري لماذا يتوجس البعض خيفة من زيادة العلاقات بين مسقط وطهران، على الرغم من أن هذه العلاقات ليست وليدة اللحظة، بل هي علاقات وطيدة منذ بداية النهضة المباركة للسلطنة، بل ربما هي من قبل هذا التاريخ بكثير. ولقد أكدت سياسة صاحب الجلالة في التعامل مع المحيط الاقليمي كفاءتها من حيث فائدتها على الشعب العماني، كما أنها ساهمت كثيرا في حل بعض التوترات في المنطقة.                                     

ما يهمنا الآن هو كيف نستغل هذا التطور في العلاقات بين البلدين بأحسن استغلال، فإيران دولة لها ثقلها ووزنها في المنطقة، كما أنها تطورت كثيرا من الناحية التكنولوجية والعلمية والثقافية في الآونة الأخيرة تطورا شهد به العدو قبل الصديق. فعلى سبيل المثال، ما ينشر الآن من أن إيران تريد إرسال مفاعل نووي إلى جامعة السلطان قابوس لغرض التجربة والتعليم هو أمر جيد جدا، فلا بأس من أن نستفيد من تجارب الآخرين ونتعلم منها لغرض البحث العلمي ليس إلا، فتكون لنا خبرة في هذا المجال.

إقامة برنامج سنوي لتبادل الطلاب بين جامعات إيران وجامعة السلطان قابوس، سوف يساهم في تطوير المستوى العلمي للطلاب في البلدين. بالإضافة إلى برامج بعثات تعليمية لطلاب الدبلوم العام إلى الجمهورية الإسلامية في إيران في مختلف التخصصات. وزيارات تستهدف الكادر التعليمي إلى إيران.

انتقالا إلى الجانب السياحي، فإن التقارب يين ضفتي الخليج الفارسي - كما يسميه الإيرانيون - سوف يؤدي إلى تنشيط السياحة في البلدين معا، فإنه سوف يؤدي إلى جذب السياح، كما سيساهم في عملية الاستثمار السياحي خصوصا وان السلطنة وإيران لهما مقومات سياحية متنوعة من قبيل السياحة العلاجية والسياحة الدينية والتراثية وغيرها.

وأخيرا، فإن صح ما نشر عن مشروع لإنشاء جسر يربط بين البلدين عن طريق مضيق هرمز (رغم نفي الجانب العماني هذا الأمر)، فإنه سوف يساهم كثيرا في الجذب السياحي، وسوف يشجع رجال الاعمال من كلا البلدين للاستثمار في البلد الآخر مما سيساهم في عملية التنمية الاقتصادية للبلدين.


د. رضا بن عيسى اللواتي

مسقط – سلطنة عمان

2016/03/08

معرض الكتاب على أطراف معرض "البوبكورن"...!

معرض الكتاب على أطراف معرض "البوبكورن"...!




يُراودني هذا التعجب الذي طرحته في العنوان كلما زُرت معرض مسقط الدولي للكتاب، ولعلني أجد نفسي مضطرا لعدم البحث عن إجابة له في أغلب الأوقات؛ لأنه أمر لا يعنيني أبدا. فأنا أذهب إلى معرض الكتاب في كل مرة لشراء الكتب والتعرف على جديد الساحة الثقافية والأدبية، ولا أهتم للبوبكورن الذي يشتت انتباه الكثيرين من زوار المعرض. بالمناسبة، أثبتت بعض الدراسات أن للبوبكورن -أو الفشار باللغة العربية- فوائد عديدة.
أعودُ إلى الموضوع الأصلي للمقالة، وربما أبتعد قليلا عنه في فترات لاحقة، ولكن لا تؤاخذوني إن فعلت ذلك. إن الكثير من زوار معرض مسقط الدولي للكتاب لا يهتمون بالكتاب بل بأشياء أخرى تتواجد في المعرض، ولعلنا نجد ذلك في دول عربية أخرى، حيث قرأت مقالًا عن معرض القاهرة الدولي للكتاب، طالب صاحب المقال بإغلاق المعرض لسنوات عديدة بسبب عدم وجود الاهتمام الكافي بالثقافة والأدب. وطبعا هنا في السلطنة، نجد الجمهور مهتمًّا بالبوبكورن، فالبعض يطلبه مالحا والآخر يطلبه بالكاراميل، ولا أدري عن الأنواع الأخرى الموجودة في المعرض. يأتي هؤلاء بعزيمة لشراء البوبكورن من معرض الكتاب وكأنه معرض البوبكورن، ولا وجود للبوبكورن إلا في هذا المعرض والذي يُعقد مرة واحدة في كل عام.
الكتاب في الوطن العربي الكبير أصبح كالتمثال في المكتبات، لا يقتنيه إلا القلة القليلة منهم، وكأن فرعونًا يُذبح أبناء ويستحي نساء كل من يقتني كتابا!. هذا الكتاب كان رمزا لكل قوة في زمان ولَّى وذهب وراح. أما في يومنا هذا، فقد أصبح الكتاب رمزا لطبقة دون أخرى، ليس لعدم توافره -بل هو موجود- وليس لغلاء سعره -فهو رخيص- وإنما لأن الناس تتجه إلى البوبكورن أكثر من اتجاهها إلى الكتاب.
نعودُ إلى البوبكورن.. هذا الشيء الجميل المنظر، اللذيذ الطعم، الزكي الراحة، والذي يتقافز بخفة عند تحضيره -كان يستهويني هذا المنظر عندما كنت صغيرا- ذكرت الدراسات أنه مُلين للبطن، وفيه كمية كبيرة من الحديد، وأشياء أخرى. ولكن سؤالي هو، كيف عرف الناس الذين يتهافتون على أكله هذه الفوائد الجمة إن كانوا لا يقرؤون؟! وكيف علم بائعو البوبكورن هذه الفوائد إن كانوا مشغولين بترويجه وبيعه فقط؟! وبالتأكيد لا وقت لدى الجميع لقراءة كتاب أو تصفح جريدة حتى!
لا أحب الحديث عن إحصائيات القراءة في العالم العربي، فمن لا يهتم بالقراءة، لن يقرأ حتى كلمة واحدة من هذا المقال، وأصلا لن يهتم كثيرا للإحصائيات إن أوردتها، فهو لديه اهتمامات أخرى غير القراءة والتثقف وزيادة المعلومات، طبعا البعض منهم يقول إن لديهم مصادر تثقيف أخرى.. ما هي؟ أعتقد أنها وسائل التواصل الاجتماعي، ولأكون دقيقا "الواتس آب".
يبدو أنني ابتعدت عن الموضوع مرة أخرى، ولأعود إليه، معرض الكتاب الذي يُقام مرة كل سنة، فرصة مهمة للتثقف والقراءة وتطوير الذات أيضا، وهي فرصة أيضا للقاء الكُتاب والمفكرين في الملتقيات والندوات التي تُقام على هامش هذه المعرض، وليست مناسبة لشراء البوبكورن والحديث حوله وعن أنواعه وأشكاله وطريقة تحضيره.
أنا لا أقول، إنَّ المقاهي والمطاعم في فترة معرض الكتاب منطقة محظورة وخط أحمر ممنوع الاقتراب منه أبدا؛ لأن الكثير يحصلون على رزقهم من هذه المقاهي والأكشاك الصغيرة حول معرض الكتاب، ولكن هناك مُهمَّ وهناك أهم، وبطبيعة الحال الأهم يُقدم على المهم كما درسنا ذلك جميعا في المدارس الابتدائية. اقتناء الكُتب بأنواعها المختلفة تجارة لن تبور، فإن قرأت الكتاب طوَّرت قدراتك ومهارتك، وازدت علما على علمك فلا تفوت هذه الفرصة الذهبية، واجعل لنفسك وقفة صغيرة أمام أكشاك البوبكورن!

2016/03/02

أعط دما وأنقذ حياة

أعط دما وأنقذ حياة

نشر في مجلة شرق غرب في العدد التاسع - فبراير 2016



تتجدد بين الحين والآخر نداءات بنوك الدم في السلطنة باحثة عن قطرات من دم قد تساعد في إنقاذ حياة مصاب في حادث مروري أو مريض بالثلاسيميا، أو آخر أجريت له عملية جراحية استنزف أثناءها الكثير من دمه. ولتحقيق هذا الهدف النبيل، تقوم بنوك الدم في السلطنة بالعديد من الحملات في مختلف أنحاء البلاد تهدف إلى توعية المجتمع بأهمية وضرورة التبرع بالدم. وعلى الرغم من أن معظم هذه الحملات تلقى إقبالا ملحوظا وتجاوبا لا بأس به من المواطنين والمقيمين، ولكن يبدو أنها لا تحقق الهدف المنشود، إذ لا تزال هذه البنوك تعاني من نقص في مخزونها من كميات الدم، وبحاجة ماسة إلى المزيد من الدم لتلبية الإحتياجات المتزايدة لاسيما في الحالات الناتجة عن حوادث المركبات التي تتسبب في إصابة عدد كبير من الأشخاص.

ولاشك أن وزارة الصحة بالتعاون مع مستشفى جامعة السلطان قابوس وغيرها من المؤسسات الصحية التابعة لمختلف القطاعات في الدولة تبذل جهودا مشكورة من أجل ضمان توفير الكميات المطلوبة من الدم ووضع آليات سلسة للتبرع والفحص والتخزين والتوزيع من خلال إنشاء بنوك دم متعددة في جميع أنحاء السلطنة، حتى تسهل عملية إيصال الدم إلى المستشفيات في مختلف ولايات ومحافظات السلطنة. وقد خلصت دراسة نُشرت في العام 2010م في المجلة الأسيوية لعلوم نقل الدم، أن السلطنة كونت نظاما ممتازا يعد الأفضل في المنطقة من حيث نقل الدم الآمن بعد إجراء الفحوصات عليه والتأكد من خلوه من الأمراض المعدية، ومن ثم نقله إلى المريض، وكل ذلك عن طريق التبرع بالدم التطوعي من قبل المواطن أو المقيم. ولا يخفي أن بدايات عملية التبرع بالدم كانت تتم بمقابل مادي أو هدايا عينية لتشجيع المجتمع على التبرع بالدم.

قد يتساءل البعض، لماذا هذا التركيز المستمر على التبرع بالدم، ولماذا هذه الحملات الكثيرة والتطوعية من أجل حث الناس على التبرع بالدم، وما هي فوائد التبرع بالدم؟. وكذلك تساؤل عن أسباب محدودية الدم الموجود في بنوك الدم والنقص المستمر في الدم على الرغم من هذه الحملات؟. وفي هذه المقالة سوف أحاول الرد على بعض هذه الأسئلة، والحديث عن هذا الموضوع بإسهاب.

قبل الشروع في الحديث عن التبرع بالدم، لا بأس من أن نعرف ما هي مكونات الدم وسيكون ذلك مدخلا مهما لموضوع هذه المقالة. الدم عبارة عن سائل أصفر اللون يسمى البلازما (Plasma)، ويحتوي هذا السائل على بروتينات، هرمونات، أجسام مضادة، بالإضافة إلى كريات الدم الحمراء التي تحتوي على الأكسجين وكريات الدم البيضاء والصفائح الدموية. ومصدر كريات الدم الحمراء والبيضاء والصفائح الدموية هو نخاع العظم.

بعد أن تعرفنا على مكونات الدم، نأتي للسؤال الأهم، وهو لماذا نتبرع بالدم؟. وللإجابة على هذا السؤال، استعنت بموقع منظمة الصحة العالمية (WHO)، فوجدت فيه جوابا أرى أنه هو الأنسب والأكثر دقة. تقسم منظمة الصحة العالمية المحتاجين إلى الدم إلى عدة أقسام، أولا: ضحايا الحوادث سواء أكانت حوادث السيارات أو ضحايا الحروب والدمار والكوارث الطبيعية، بالإضافة إلى اللذين تجرى لهم عمليات جراحية يكون فيها نزيف الدم كثيرا، وكذلك النساء الحوامل اللواتي يواجهن مضاعفات خطيرة في حملهن، وتشترك هذه الشريحة من الحالات بوجود نزيف شديد للدم يستدعي تبرعا بالدم. ثانيا: مرضى الثلاسيميا وأنيميا الخلايا المنجلية وهم من أكثر المرضى المحتاجين إلى عمليات نقل الدم، بسبب حاجتهم المستمرة لها، بسبب الخلل الحاصل في جيناتهم الوراثية المسؤولة عن انتاج الهيموجلوبين. وكما هو معلوم فإنه لا يمكن تخزين الدم لفترات طويلة، فيلزم التبرع المستمر حتى تتم تغطية النقص الحاصل فيه.

ولا نغالي إذا قلنا أن كل قطرة دم قد تنقذ حياة إنسان، إلا أن المتبرع بالدم أيضا ينال ثواب كرمه في الدنيا قبل الآخرة. إن أول فائدة وأهم فائدة يجنيها المتبرع بالدم هو حصوله على فحص اكلينيكي مجاني، أي فحص الضغط ودقات القلب وغيرها، ثم يطمئن على أن نسبة الهيموجلوبين في دمه طبيعية من خلال فحص عينة من الدم المتبرع به، بالإضافة إلى فحص العينة للتأكد من خلوها من الأمراض المعدية. كما أن عملية التبرع بالدم تفيد في تنشيط الدورة الدموية حيث يقوم نخاع العظم بالعمل على إعادة ما فقده الإنسان بعد عملية التبرع بالدم. كما يتم إعادة التوازن إلى كمية الحديد الموجودة في الجسم بعد عملية التبرع، وهذا الأمر مفيد جدا لصحة الإنسان.
قد يتسائل البعض، متى يُعوض الدم المفقود؟، كما أسلفنا سابقا بأن الدم ينقسم إلى عدة أقسام، فالسائل البلازمي يتم تعويضه مباشرة خلال 12-72 ساعة، بينما يتم تعويض البروتينات الموجودة في الدم خلال 3-4 أيام، أما كريات الدم الحمراء فإنها تأخذ 120 يوما أي 4 شهور تقريبا لأجل تعويضها، ولذلك لا يُنصح بالتبرع بالدم إلا كل 4 شهور.

وفي السلطنة، تنظم الجهات المعنية سلسلة من الحملات التطوعية التي تقام بين فترة وأخرى من أجل نشر ثقافة التبرع بالدم. وما عنوان المقالة إلا شعارا لإحدى هذه الحملات التي قامت في هذا المجال والتي ساهمت بشكل أو بأخر بزيادة عدد المتبرعين بالدم ولو جزئيا. ووفق إحصائية نشرتها وزارة الصحة العمانية في كُتيب إحصائياتها السنوي لعام 2014م تفيد بأنه قد زاد عدد المتبرعين بالدم بين عامي 2012 و2014م، ولكن على الرغم من ذلك فإن العدد لا يزال قليلا إذا ما قورن بالوحدات التي يتم رفضها بسبب الأمراض المعدية أو بسبب نقص في الهيموجلوبين لدى المتبرع المفترض.

فالرقم ]57.750[ وهو عدد المتبرعين خلال الفترة المذكورة هو رقم متدني بالمقارنة بعدد سكان السلطنة والذي كان يقارب الـ 4 ملايين نسمة وفق إحصائية عام 2014م، والمأمول هو بذل المزيد من الجهد لزيادة عدد المتبرعين في كل عام، لنصل إلى النتيجة المرجوة والعدد الكافي من وحدات الدم القادرة على سد النقص الحاصل في مختلف محافظات السلطنة.

ومن أجل تحليل هذا الوضع، ومعرفة أسباب عزوف البعض عن تلبية هذا النداء الإنساني في السلطنة سواء المواطن أو المقيم، قمت بالبحث عن ما إذا ما كانت قد أجريت دراسات لتقييم الوضع، ولماذا لا يقوم الناس بالتبرع بالدم بشكل منتظم، إلا أنني وللأسف الشديد لم أجد إجابة شافية لتساؤلاتي. لكني وجدت دراسة أجريت في المملكة العربية السعودية، والتي من الممكن أن تقدم بعض الإجابات على هذا السؤال.

ذكرت هذه الدراسة السعودية والتي أجريت تحت عنوان "وعي مجتمع المناطق الوسطى من السعودية بالتبرع بالدم" والتي نُشرت في المجلة الدولية للطب الباطني في عام 2014م، حيث أجريت فيها مقابلات مع قرابة 470 شخصا من كلا الجنسين. وحسب الدراسة فإن حوالي 50% من هؤلاء قد سبق لهم التبرع بالدم، بينما أجاب الباقي بأنهم لم يتبرعوا، وذلك أما بسبب ضيق الوقت أو بسبب الخوف من مضاعفات التبرع بالدم. وأرجعت الدراسة التعذر بسبب ضيق الوقت والذي كان رد غالبية الذكور الذين شملتهم الدراسة، أرجعته إلى طبيعة المجتمع السعودي واستحواذ الوظيفة والعائلة على معظم وقت الرجل، مما لا يترك المجال للذهاب إلى مراكز التبرع. أما بالنسبة للإناث فقد ذكرت الدراسة سببين أساسيين لعزوفهن عن التبرع بالدم، الأول هو عدم قدرتهن على قيادة السيارات لمسافة طويلة وذلك بسبب القوانين المعمول بها في المملكة، والسبب الثاني هو خوفهن من إصابتهم بنقص في الدم.

وإذا إستحضرنا الأسباب المذكورة، وحاولنا إسقاطها على الحالة في السلطنة، نجد بأن معظمها ينطبق عليها أيضا، عدا عدم القدرة على قيادة السيارة بالنسبة إلى النساء. فالخوف من عملية التبرع بالدم نفسه أو الخوف من الآثار الجانبية للتبرع يبدو لي من خلال طبيعة عملي واحتكاكي بالمرضى وأهاليهم ومعارفهم أنه أحد الأسباب الرئيسية لعزوف الناس عن التبرع بالدم في عمان. كذلك فإن التعذر بضيق الوقت بالنسبة للرجال بالفعل يشكل عائقا أمام سلاسة حركة التبرع بالدم في السلطنة. ويمكن أن نضيف إلى تلكم الأسباب سببا آخر ألا وهو إنتشار أمراض الدم الوراثية ومرض ضغط الدم والسكري عند الكثير من المواطنين والمقيمين والتي لا تسمح لهم بالتبرع بالدم.

وأستخلصت الدراسة المذكورة أعلاه إلى وجوب العمل على إقامة ندوات تعريفية وحملات دعائية حول التبرع بالدم، لجذب أكبر عدد من المتبرعين بالدم وسد النقص الحاصل. وهذا الأمر الذي نشاهده في سلطنة عمان كثيرا، من خلال الحملات التوعوية التي تنظمها الجهات المعنية في مختلف محافظات وولايات السلطنة بهدف إجتذاب أكبر عدد من المتبرعين  ومن ثم الحصول على أكبر كمية ممكنة من الدم. كذلك فإن وحدات التبرع بالدم المتنقلة التي تزور المتبرع في مكان عمله لم تدع لعامل ضيق الوقت مبررا مقبولا لتلبية هذا النداء النبيل.

من هذا المنبر، أوجه دعوة عامة لجميع أبناء الوطن والمقيمين على أراضيه بضرورة التبرع بالدم بين فترة وأخرى، حتى نكون عونا للمرضى والمحتاجين لنقل الدم في كل وقت وآن. كما أتمنى من المختصين إجراء بعض الدراسات لاستكشاف المزيد من أسباب ضعف الإقبال على التبرع بالدم في السلطنة، حتى تقدم على أساس نتائجها الحلول والمقترحات المناسبة لضمان إستمرارية الحياة للمحتاجين لهذا السائل الثمين.