2018/08/20

حج الحسين عليه السلام


سمع المسلمون بخبر مفاده أن حج هذا العام سيكون برفقة سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك في عام 60 للهجرة النبوية الشريفة. فأهلوا واستبشرا فرحا بأنهم سيقضون مناسكهم مع الحسين عليه السلام، ويمتثلون لأمره وينتهون لنهيه. في الجانب الآخر، كان يزيد بن معاوية يستعد للحج أيضا، ولكن بجلاوزته المدججين بالسلاح، مرتدين لباس الإحرام مختلطين بالحجيج، كان هدفهم أن يسفكوا دم الحسين بن علي عليه السلام ولو كان متعلقا بأستار الكعبة المشرفة.
جاء الناس من كل فج عميق، وصلوا لأداء مناسكهم معلنين توبتهم، زذائبون في حب الله جل في علاه، وأيضا أنهم تمسكهم بحبل الله المتيم وصراطه المستقيم. بعضهم قال اليوم نحج بحج الحسين عليه السلام، والبعض الآخر يقول دعونا ننتهل من عذب ماءه ومعين علمه. ولكنهم تفاجئوا في يوم التروية، عندما باتوا على مشارف مكة المكرمة، أن هناك قافلة تستعد للخروج منها !
يا للعجب، أي قافلة هذه التي تخرج من مكة والناس تفد إليها. واعجباه، أي القوافل تلك التي تَحرم نفسها من الحج مع ابن رسول الله صلى عليه واله وسلم. كثر الضجيج وتعالت الأصوات حين سمعوا المنادي ينادي، هلموا إلى بيت الله العتيق، فابن سيد المرسلين قد أرسل في طلبكم وهو بانتظاركم. وقف الحسين عليه السلام وأسند ظهره إلى الكعبة المشرفة ثم قال: "أيها الناس، خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف". تعالت الأصوات من هاهنا وهاهناك، ماذا يقول الحسين عليه السلام ؟ ما هذه الكلمات الغريبة التي لم نعهدها منه ؟ لماذا جمعنا الحسين عليه السلام الآن ؟ .. "وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وقد خير لي مصرع أن لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواوويس وكربلاء فيملأن مني اكراشا جوفا وأجربة سغبا، لا محيص عن يوم خط بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلاءه، فيوفينا أجور الصابرين". أرتعب الحضور، واشرأبت الأعناق وجحظت العيون. ابن بنت رسول الله ينعى نفسه ! هل هو مفارقنا إلى غير رجعة ؟ هل هذه القافلة الخارجة من مكة هي قافلة الحسين نفسه ؟

"أيها الناس، ألا ومن كان باذلا فينا مهجته، موطنا على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا، فإني راحل مصبحا إن شاء الله". تحادرت الدموع، وغطيت الأعين، نعم، الحسين ينعى نفسه ويطلب الناصر والمعين. يبدو أن سيد شباب أهل الجنة قد عزم على أمر عظيم، يقيم به الحق ويدحض به الباطل. كأن أبن رسول الله وريحانته وسبطه قد عزم على الخروج بالسيف على المنكر. وهاهو الآن يطلب من أتباع جده والمؤمنين به أن ينصروه ولا يدعوه وحده.
نزل الحسين عليه السلام فيما تعالت الأصوات "لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك". في مقابل ذلك كانت تلبية الحسين مختلفة جدا عن تلبية بقية الحجيج، فكان لسان حاله يقول "لبيك بذبح رجالي لبيك .. لبيك بسبي نسائي لبيك .. لبيك بذبح طفلي الرضيع لبيك .. لبيك بعطشي لبيك .. لبيك بحرق خيامي لبيك .. لبيك بمقتلي لبيك".