2015/05/31

من أجل عمان

من أجل عمان
لا يكاد يمر علينا يوم من دون أن نسمع بتفجير إرهابي في مكان ما من أرضنا العربية الإسلامية الغالية، حتى نُفاجأ بتفجير إنتحاري آخر في أرض عربية أخرى، وكأنما قد قُدر لنا أن نعيش وسط الانفجارات والحروب والويلات. ما خلفه “الربيع العربي” على الأمة العربية والأمة الإسلامية من مصائب ومحن لا يخفى على أحد أبدا، والناجي الوحيد من مخلفات هذا “الربيع” هو من استطاع أن يُبعد نفسه ويعزلها عن هذه الفتن التي يمر بهذا الإقليم.
مثل هذه الأحداث المأساوية حدثت في زمن غابر، في عصور وسطى، وُصفت لاحقا بعصور الظلام، في القارة الأوروبية، وتصارع الناس هناك باسم الدين وباسم المسيحية، فهذا بروستانتي وهذا كاثوليكي، وكلاهما لا يتفقان في الاعتقاد والطريقة والمنهج، فاختلفوا فكريا ثم سياسيا، ومن ثم انتهج الفريقان طريق الذبح والحرب، حتى قُتل منهم الكثير والكثير، وأغلب من قُتل لا ناقة له ولا جمل فيما يحصل، ولما تيقن الجميع أن الدين طريق للعيش وليس طريقا للموت والقتل، انتهت الحروب الدائرة، حتى وصلوا إلى ما هم عليه الآن.
عصور الظلام في أوروبا انتقلت إلينا بعد عدة قرون، وها هي نبوءة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم تتحقق حينما قال: “لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع”، وها نحن نعيش عصور الظلام باسم الدين والإسلام، والإسلام بريء مما يحصل. فهذه الحروب قد أهلكت الحرث والنسل ولا زالت تُهلك منهم الكثير، وليس هنالك من معتبر.
لقد أقبلت الفتن إلينا كقطع الليل المظلم، تبتلع برياحها العاتية الأخضر واليابس، ولأجل أن نجابه هذه الفتن ونتحداها، علينا أن نتحد ونقف صفا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، هنا في عمان، التي ما زالت عصية على التطرف والتعصب والغلو منذ الأزل، لأنها تمسكت بمبادئ التسامح والرحمة التي جاء بها الإسلام، واتحد أبناء الشعب العماني، بجميع قبائله، وأطيافه، ومناطقه تحت راية واحدة، لم تفرقهم الشحنات الطائفية، والأراء الفكرية، والتجاذبات السياسية.
عندما نشأت عمان الحديثة، أراد صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله ورعاه لهذه الدولة أن تستمر فأعلنها مدوية: “إن المجتمعات التي تتبنى فكرا يتصف بالتشدد والتطرف والغلو إنما تحمل في داخلها معاول هدمها ولو بعد حين”، ثم اتبعها – أيده الله – : “إن التطرف مهما كانت مسمياته، والتعصب مهما كانت أشكاله، والتحزب مهما كانت دوافعه ومنطلقاته، نباتات كريهة سامة ترفضها التربة العمانية الطيبة التي لا تنبت إلا طيبا، ولا تقبل أبدا أن تلقى فيها بذور الفرقة والشقاق”.
وإننا كمواطنين في هذه الأرض الطيبة، يجب علينا أن نستفيد مما جرى في العالم المحيط بنا، وأن نوحد جهودنا من أجل تطوير عمان، والمضي بها قدما والحفاظ على إنجازاتها، فأباؤنا وأجدادنا تعبوا من أجل أن تصير عمان كما هي اليوم، ويجب علينا أن لا نضيع جهودهم هباءً. لقد كنا صفا واحدا أثناء بطولات الرياضة، باختلاف مشاربنا وقُرانا وقبائلنا وأفكارنا، كنا يدا واحدة في تشجيع منتخباتنا الوطنية، والدفع بهم في المسابقات الرياضية، ولكننا الآن أحوج إلى أن نكون يداً واحدة في السراء والضراء، لحماية بلادنا الحبيبة، وشعبها الوفي من الفتن والحروب وويلاتهما.
لقد ضرب شعب عمان أروع الأمثلة في التسامح والمحبة والألفة والتعاون، حتى صار يُضرب المثل بعمان في كل محفل ومجلس وقناة تتحدث عن التسامح بين المسلمين أنفسهم، وبين المسلمين وغيرهم، ولذا لا يجب أن تفرقنا أفكارنا ومذاهبنا وأراءنا، ويجب أن يكون الوطن فوق كل هذا وذاك، فحب الوطن من الإيمان، والدفاع عنه جهاد.
إذاً، لنبقَ كما كنا، أخوة في الدين والوطن، يدا واحدة ضد التطرف والإرهاب والغلو، لا يفرقنا شيء، حتى تأمن عمان ويأمن الشعب العماني من ريح التعصب والتطرف النتنة، ويأمن هذا الشعب الطيب من الفتنة، فكما يقول الله تعالى في القرآن الكريم: “والفتنة أشد من القتل” وقال تعالى في موضع آخر: “والفتنة أكبر من القتل”.