2013/10/31

فائدة من يوم المباهلة

فائدة من يوم المباهلة



لو أردنا أن نستعرض التاريخ الإسلامي لبحث قضية خلافة النبي صلى الله عليه واله وسلم لوجدنا أنها بدأت منذ أن قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه واله وسلم: “وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ” [الشعراء:214]، حيث جمع النبي صلى الله عليه واله وسلم من بني هاشم في دار عمه أبو طالب عليه السلام وكان ما يسمى في تاريخ المسلمين بـ”يوم الدار”. وقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام حديث يوم الدار: “لما نزلت ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ - ورهطك المخلصين – دعا رسول الله صلى الله عليه وآله بني عبد المطلب وهم إذ ذاك أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصون رجلا فقال أيكم يكون أخي ووصيي ووارثي ووزيري وخليفتي فيكم بعدي ؟ فعرض عليهم ذلك رجلا رجلا كلهم يأبى ذلك حتى أتى علي فقلت أنا يا رسول الله، فقال يا بني عبد المطلب هذا أخي ووارثي ووصيي ووزيري وخليفتي فيكم بعدي، فقام القوم يضحك بعضهم إلى بعض ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع وتطيع لهذا الغلام“. [علل الشرائع(الشيخ الصدوق) الجزء 1: ص170].
ومن بعد ذلك اتخذ النبي صلى الله عليه واله وسلم ابن عمه علي إبن أبي طالب عليه السلام وزيرا له، وليس من المعقول أن يتخذ النبي صلى الله عليه واله وسلم شابا صغيرا خليفة له من بعده إلا إذا كان ذلك بأمر من الله سبحانه وتعالى وهو القائل عن نبيه صلى الله عليه واله وسلم: “وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى” [سورة النجم: 3-4]. وقد تواتر الحديث عن “يوم الدار” في جميع كتب المسلمين بل وأجمعوا على صحة هذا الحديث وهذه الواقعة فقد رويت في [مسند أحمد ١/١١١ رقم ٨٨٥]، [سنن النسائي ٦/٢٤٨]، [مجمع الزوائد ٩ / ١١٣] من مصادر علماء العامة واتفقوا على صحتها وتحسين سندها ومتنها.
ومن هنا يتضح جليا أن النبي صلى الله عليه واله وسلم قد أهتم كل الاهتمام بمستقبل دعوته المباركة منذ نعومة أظفارها ولم يتركها عرضة للنهب والسلب. ثم تأتي الأحداث والوقائع لتبين مدى اهتمام النبي صلى الله عليه واله وسلم بمستقبل هذه الأمة الفتية ومستقبل الدين الجديد، حيث لا يمكن أن يلي أمور المسلمين من لا يصلح لها أو من لا يعي أهمية استمرار خط الرسالة المحمدية كما هي. ومن هنا جاء تنصيب الإمام علي عليه السلام خليفة للنبي صلى الله عليه واله وسلم، كيف لا وهو ربيبه صلى الله عليه واله وسلم ومن كان يتبعه “اتباع الفصيل أثرأمه“. فهو الأجدر والأفضل في خلافة النبي صلى الله عليه واله وسلم لأنه أدرى بالدعوة وأعلم بالأمة فكما يقال “أهل مكة أدرى بشعابها” وعلي أبن أبي طالب أدرى بالإسلام من غيره وممن هو حديث عهد بالإسلام أو بمن لم يشهد مع النبي صلى الله عليه واله وسلم جميع مواقفه وشؤونه باعتراف من بعض من كان مع النبي صلى الله عليه واله وسلم في ذلك الوقت.
واستمرت تأكيدات النبي صلى الله عليه واله وسلم في تنصيب ابن عمه عليا عليه السلام خليفة على المسلمين من بعده، بل وتأكد ذلك في يوم المباهلة حينما كانت الحادثة مع نصارى نجران، وجاء النبي الأعظم صلى الله عليه واله وسلم بفاطمة والحسن والحسين والحسين عليه السلام، وجاء بعلي ابن أبي طالب عليه السلام ممثلا نفس النبي صلى الله عليه واله وسلم الشريفة وكان نزول هذه الأية: “فمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ” [ال عمران:61] بمثابة التأكيد المطلق على أن عليا عليه السلام هو الوحيد الممثل للنبي صلى الله عليه واله وسلم في كل مشهد وموقف وهو الوحيد الذي يمثل الشخصية المتكاملة للنبي صلى الله عليه واله وسلم فيستطيع أن يحل محله وأن يقود الأمة الإسلامية إلى بر الأمان بعد وفاته صلى الله عليه واله وسلم.


رضا بن عيسى اللواتي
منشور في مدونة مدونون
30/10/2013

2013/10/19

في عيد الغدير لنا وقفات ..

في عيد الغدير لنا وقفات ..


في عيد الغدير لنا وقفات ..


عيد الله الأكبر، بل خير أيام الأمة الإسلامية هو يوم عيد الغدير، فيه أكمل الله تعالى دينه، وأتمم الله تعالى نعمته على عباده، ورضي لهم بهذا الدين الإسلامي شريعة ومنهاجا إلى يوم القيامة. كيف لا يحدث ذلك، وفيه نصَب الرسول صلى الله عليه واله وسلم وزيره علي ابن أبي طالب خليفة للمسلمين من بعده. إن هذا اليوم، هو يوم تجديد البيعة لأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام، وهو يوم إعلان والولاء التام المطلق له صلوات الله وسلامه عليه ولأبناءه الأئمة الهداة من بعده.
إن لعيد الغدير خصائص كبيرة في التاريخ الإسلامي، فأولى الخصوصيات هي وقت هذه الواقعة، فقد كانت في آخر أيام حياة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وهذا الأمر يحمل دلالة كبيرة، حيث أنها أعلنت للناس أن الإمام علي ابن أبي طالب هو الخليفة بعد النبي صلى الله عليه واله وسلم لا محالة، فقد نعى النبي عليه واله الصلاة والسلام نفسه إلى الناس، كما أن الله سبحانه وتعالى قد أعلن عن ختم الدين الإسلامي بعد حادثة الغدير، ويتبين أن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام كانت خاتمة الرسالة المحمدية.
الخصوصية الثانية التي كانت ليوم الغدير الأغر هي الحضور الكبير لهذه المناسبة، حيث لم يشهد التاريخ في زمن النبي صلى الله عليه واله وسلم حضور أكثر من 120 الفا من المسلمين في محفل واحد، إلا في يوم الغدير، حيث شهد الحادثة هذا العدد الجم كما ورد في بعض الروايات. وهنا يأتي دور الحاضرين في نشر هذه الواقعة بين أقوامهم وفي بلادهم، وهذا الذي حدث بعد رجوع كل أبناء عشيرة إلى عشيرتهم.
الخصوصية الثالثة والأهم لهذه الواقعة هي تجلي معنى الولاء لدى الأمة الإسلامية، فقد قرن النبي صلى الله عليه واله وسلم طاعته بطاعة الإمام علي عليه السلام، وقرن إمامته بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام، حين سأل الحاضرين: “ألست أولى بكم من أنفسكم” وحين أجابوه بالتلبية قال لهم – بأبي هو وأمي: “من كنت مولاه فهذا علي مولاه”. ثم دعا بدعاءه المشهور “اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأنصر من نصره، وأخذل من خذله”.
وهذا الأمر لهو صُلب العقيدة بل أسها وأساسها لأن الله سبحانه وتعالى قال لنبيه قُبيل إعلان الولاية لأمير المؤمنين عليه السلام: “يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ” [المائدة: 67]. ولما أن بلغ النبي صلى الله عليه واله وسلم ذلك جاءت الآية الكريمة معلنة إتمام الدين وذلك بولادية أمير المؤمنين عليه السلام حين قال الله تعالى:“الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا” [المائدة:3].
إن مثل هذه الخصوصيات العظيمة التي كانت في يوم إعلان الإمامة للإمام علي عليه السلام، في أكبر محفل عرفه المسلمون في حياة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، يتسحق منا أن نقف عليه بعض الوقفات لنربي أنفسنا وبالتالي أبناءنا والأجيال اللاحقة ونتعلم من هذه الحادثة التاريخية العظيمة دروسا وعبراً تكون منهاجا لنا في حياتنا، ولتكون لنا نورا نهتدي به في طريقنا نحو الله سبحانه وتعالى.
الوقفة الأولى والأهم هي اقتران رضى الله سبحانه وتعالى برضى أهل البيت عليهم السلام، وطاعة الله سبحانه وتعالى لا تكون إلا بطاعة أهل البيت عليهم السلام، فالله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ” [النساء:59]. والنبي صلى الله عليه واله وسلم يقول في حديث الغدير: “من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه” [ابن المغازلي : المناقب - ص 29 - إلى ص 36]. وبذلك يكون أمير المؤمنين عليه السلام ولي أمرنا المفروض علينا طاعته، والسير خلف نهجه، وهنا استحضر كلاما للنبي الأعظم صلى الله عليه واله وسلم مع عمار بن ياسر حين يقول له: “يا عمار إذا رأيت عليا سلك واديا وسلك الناس واديا غيره فاسلك مع علي ودع الناس ، إنه لن يدليك في ردى ولن يخرجك من الهدى” [بحار الأنوار:39].
التعبئة الفكرية والعقائدية والثقافية هي الوقفة الثانية لنا حين الحديث عن واقعة غدير خم، فإن الملاحظ في سيرة النبي صلى الله عليه واله وسلم هو أنه قام بتعبئة المسلمين فكريا وعقائديا وثقافيا عن فضائل أمير المؤمنين عليه السلام وعن حقوقه وعن منزلته الرفيعة بين المسلمين وله في ذلك أحاديث جمة، فمنها حديث الدار والذي ورد ذكره في عديد من مصادر المسلمين [السنن الكبرى للنسائي - ج5 ص125 ( 8451 ) 83]، أو حديث المنزلة [صحيح البخاري 5 : 89 / 202]، أو حديث الطائر المشوي[صحيح الترمذي ج 5 ص 595 ح 3721] وغيرها من الأحاديث الدالة على ما ذكرناه سابقا، وقد أشرنا في هذه العجالة إلى بعض من مصادر أخواننا من أهل السنة ولم نذكر مصادرنا لأنها زاخرة بها وبأمثالها.
كان النبي صلى الله عليه واله وسلم يستغل كل موقف أو حادثة لكي يبين للناس فضائل الإمام علي عليه السلام، وقد أُخر إعلان خلافته حتى يكون المسلمون مستعدون نفسيا وعقائديا وفكريا لمثل هذا الأمر العظيم الذي به تمام الدين. ولذلك علينا نحن أيضا أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام أن نتعبأ فكريا وعقائديا وثقافيا وأن نكون أهلا لحمل راية أهل البيت عليهم السلام ونشرها بين الناس، وأن نكون من أهل العلوم كلها، فقد كان أصحاب الصادقين عليهما السلام هم أصحاب العلوم كلها، وقد أسس الإمام جعفر بن محمد الصادق مدرسة علمية جامعة حتى كان يقول جميعهم “حدثني جعفر بن محمد”.
الوقفة الثالثة والأخيرة في حديثنا عن واقعة الغدير هي أن طريق الحق صعب ووعر، ولسلوكه والبقاء عليه يجب علينا أن نكافح ونتعامل مع المعطيات بكل جدية، فهذا رسول الله صلى الله عليه قد تخوف من الفكر المضاد – أي الفكر المناوئ للإمام علي عليه السلام -، فتردد عن إعلان خلافة أمير المؤمنين حتى لا يُقال حابى ابن عمه كما وردت في بعض المصادر، ويمكن القول “إنَّ التخوُّف من خطر الفكر المضادِّ هو الأمر الوحيد الذي يمكن أن ينسجم مع قوله تعالى في الآية: (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِيْ الْقَوْمَ الْكَافِرِيْنَ)؛ إنَّ الآية مدنيَّة ومن أواخر ما نزل من القُرآن، ولم يكن المنافقون واليهود في تلك الفترة الزمانيَّة يُمثِّلون أيَّ تهديد من قبيل القمع الجسديِّ حتَّى يصحَّ افتراضُ كون النبيِّ يخشاهم على نفسه. بينما لا مانع من افتراض كون النبيِّ كان يخشى سمومهم الفكرية الَّتي كان بالإمكان أن يبثُّوها بين المسلمين لعدم المانع من القول ببقاء قدرتهم على النفوذ الفكريِّ حتَّى بعد انحلالهم كقوَّة يُمكنها ممارسةُ الإرهاب الجسديِّ”. (1)
ومن هنا، فإن على الإنسان الذي يريد سلوك طريق الحق أن يواجه جميع الصعوبات التي تأتي أمامه، بل يقف أمامها كالجبل الراسخ في سبيل إرساء نور الحق وإظهاره للجميع. ولنا في رشيد الهجري وميثم التمار خير أمثلة على صبرهم أمام قول كلمة الحق، وكلنا نعرف ما الذي فعلته عصابة بني أمية فيهما وكيف نكلت بهم، كما لنا في صبر السيدة زينب عليهم السلام مثال واضح حتى قال الشاعر: “بأبي التي ورثت مصائب أمها ** فغدت تقابلها بصبر أبيها”.
وفي الختام، أتوجه بخالص التهنئة إلى صاحب العصر والزمان في عيد الولاية، ونعلن فيه تجديد بيعتنا لأمير المؤمنين عليه السلام ولحفيده صاحب العصر والزمان، كما أتوجه بالتهنئة إلى مراجعنا العظام وعلماءنا الأعلام، وجميع المؤمنين والمؤمنات بهذه المناسبة العطرة وهذا العيد الأعظم، أعاده الله علينا وعلى الأمة الإسلامية باليمن والخير والبركات إنه سميع مجيب.



رضا بن عيسى اللواتي
مسقط - سلطنة عمان

2013/10/18

ويبقى الحسين .. جمرة مشتعلة

ويبقى الحسين .. جمرة مشتعلة




لم يتبق على بداية شهر الحزن والأسى إلا أيام معدودة، فها هو شهر محرم الحرام قد أقبل، حاملا معه نداءً عاشوريا صادحا "ومثلي لا يبايع مثله". هذا النداء كان قُبيل انطلاق الثورة الحسينية، أعلنها الحسين عليه السلام إعلانا مدويا أمام الجميع، أن يزيد بن معاوية لا يمثل قيم الإسلام، ولا يرقى إليها أصلا، وأنه - بأبي هو وأمي - أشرف وأجل من أن يبايع يزيد ذلك الفاجر الفاسق. نداء آخر كان للحسين عليه السلام أيضا ولكنه كان في أحلك الظروف وأشدها على الحسين بن علي سلام الله عليه، كان هذا النداء في يوم عاشوراء حينما أحاطت جيوش بني أمية بأهل بيت النبوة والطهارة، أي حينما لم يتبق على أسر زينب وأخواتها إلا القليل، أطلق قائد الجيش العلوي نداءه الصارخ "هيهات منا الذلة".

إن صدى هذه الصيحات لا يزال مستمرا، ففي كل أرض هناك كربلاء ثانية، وفي كل يوم هناك عاشوراء أخرى تتحدى جيوش بني أمية، بصلابة علوية، ملبين دعوة الإمام الشهيد عليه السلام في نصرة الحق، وقد صدق من قال "كل أرض كربلاء، كل يوم عاشوراء".

الثورة الحسينية المجيدة، وطريقة استشهاد هذا الإمام الغريب، بل وقبل كل ذلك هدفه النبيل الذي خرج من أجله سلام الله عليه، وهو إعادة الإسلام إلى مساره الصريح، وإعادة الأمة الإسلامية إلى سيرتها الأولى كما كانت على عهد جده رسول الله صلى الله عليه واله وسلم. الإمام الحسين عليه السلام، لم يخرج من أجل مال أو دنيا يريدها، ولم يخرج "أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً" ولكنه خرج "لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ". فكان من الصعب على البعض أن يتقبل فكرة خروج الإمام الحسين على الظلم، فالفترة التي سبقت حكم يزيد كانت من أشد الفترات على المسلمين ولكن لم يخرج أحد على ملك معاوية عدا الإمام الحسن عليه السلام ومن بعدها صالح معاوية على شروط وضعها معاوية بعد ذلك تحت رجليه. ولذلك عقب الإمام عليه السلام كلامه بقوله: "فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين". كل ذلك جعل من الحسين بن علي عليه السلام منارا وعلما ونورا يهتدي به كل من يريد الحرية، وكل من يريد تحقيق العدالة على ظهر هذا الكوكب.

بخروج سيد الشهداء على حكم الطاغية يزيد بن معاوية، فإنه قد أعطى لكل الشرفاء في العالم طريقة وأسلوبا إسلاميا بحتا للثورة ولنيل الشرف والعزة، ولم يكن قوله لبني هاشم: "من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يبلغ الفتح" ]كامل الزيارات: 75 باب 24 حديث رقم 15] إلا دليلا على أن الحرية والشرف والكرامة لا تكون إلا بالشهادة، والفتح المبين لا يكون إلا بالتضحية بالغالي والنفيس تطبيقا لقول الله تبارك وتعالى: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون"]آل عمران:92].

لقد ربى أئمة أهل البيت عليهم السلام شيعتهم على استذكار مصائب الطف وما جرى على أهل بيت النبوة والرسالة، في مجالس يتعلمون فيها أمور الدين والدنيا، ويبكون فيها على الحسين بن علي وعلى أهل بيته. إن هذه المجالس الحسينية ما هي إلا مجالس تنزل عليها الرحمة، مجالس يزداد فيها شيعة محمد وآل محمد إيمانا ويقينا، مجالس هدفها أن يستمد الحاضرون من الحسين عليه السلام إيمانه، صبره، عزيمته وإصراره، يستلهمون من زينب عليها السلام معنى الصبر وتحمل الأذى، ومن العباس بن علي معنى الإيثار ومعنى الأخوة ومعنى طاعة أولي الأمر. ويتعرفون على معنى الانصياع لأمر القائد من حبيب بن مظاهر وزهير بن القين وغيرهم من أصحاب الحسين عليه السلام.

إن شعائر الحسين عليه السلام من أبرز مصاديق شعائر الله جل جلاله، لأن هدف الحسين عليه السلام من كل ما جرى كان رضى الله تعالى وإعلاء كلمته، ومن يجعل رضى الله نصب عينيه، فإن الله سبحانه وتعالى يعظمه، ويخلد ذكره إلى يوم القيامة، ولهذا فإن الحسين عليه السلام سيبقى كالجمرة المشتعلة في قلوب شيعته ومحبيه كما قال جده رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا" [جامع احاديث الشيعة، ج 12، ص556]. 



رضا بن عيسى اللواتي
مسقط – سلطنة عمان