2016/07/05

مهلا: حل الأزمة الاقتصادية موجود في دفاتر المليونيرات وليس في جيوب الفقراء!

مهلا: حل الأزمة الاقتصادية موجود في دفاتر المليونيرات وليس في جيوب الفقراء!



قديما كان يقال: عندما يشعر التاجر أنه اقترب من حافة الإفلاس، يلجأ إلى دفاتر حساباته القديمة ويبحث بين صفحاتها عن حسابات كان قد أعدمها نظرا لضآلة مبالغها أو صعوبة تحصيلها، لضعف المستندات الثبوتية الخاصة بها لعله يستطيع نفض الغبار عنها ويحاول تحصيلها قدر الإمكان ليخفف من وطأة شبح الإفلاس الجاثم فوق صدره. وأعتقد بأن أغلب دول العالم في هذه الأيام تواجه نفس السيناريو وتحتاج إلى أن تعود لدفاترها القديمة وبالطبع فعمان ليست استثناء.
فذلك التاجر الذي ترتجف مفاصله خشية الوقوع فريسة للإفلاس، واثق تماما أنه يبحث عن حق تنازل عنه في حينه أو أجبر على التنازل عنه في زمن اليسر، وبالتالي فإنه يرى أن من حقه في زمن العسر، أن يحفر بيديه ورجليه وحتى بأسنانه للبحث عن تلك المديونيات التي تبدو له الأن كنزا ثمينا. واليوم حيث تقف معظم دول العالم على حافة الإفلاس يصبح الاقتداء بذلك التاجر البسيط ضروريا وملحا. ومن هذا المبدأ أرى بأن للشعوب كل الحق بأن تطالب حكوماتها باللجوء إلى دفاتر حساباتها القديمة ومراجعة الديون التي أعدمت أو تم السكوت عنها ليس بسبب ضآلة مبالغها أو ضعف مستنداتها أو ضيق يد المدينين، وإنما أجبرت على ذلك لأن المدين كان فكا مفترسا يستمد حدة أنيابه من سلطته ونفوذه وقدرته على كتم الأصوات المطالبة بحقها وإن كان ذلك الصوت هو الحكومة بذاتها.
المعروف أن المصادر الرئيسية لتكوين الثروة ثلاث: ما يرثه الأبناء عن آبائهم مما كونوه من ثروة حلال بالعمل الدؤوب والجهد المتواصل والتضحيات الجسام، أو ما يجمعه الإنسان بنفسه من كد يده وعرق جبينه وتميزه عن غيره في المواهب والإمكانيات والإرادة، فمبارك لأمثال هؤلاء الرزق الحلال. أما المصدر الثالث هو ذلك الذي لجأ إليه البعض ممن سنجد أسماءهم في دفاتر الدولة الخاصة بالديون المعدومة التي ندعو إلى مراجعتها، من هوامير وحيتان ممن استغلوا مناصبهم ووظائفهم فحللوا لأنفسهم وحواشيهم ما حرموه على غيرهم من خيرات هذا الوطن. وسدوا جميع السواقي المتشعبة من أودية الخير التي حبا بها الباري بلادنا الحبيبة طوال العقود الماضية إلا تلك الجارية إلى بساتين مصالحهم، فاستباحوا وللأسف على مرأى ومسمع من القانون الذي غض الطرف عن جرائمهم، استباحوا حقوق الآخرين وجمعوا نعاج غيرهم إلى جانب نعاجهم وضموها إلى مملكتهم. ولا تزال تلك الالتزامات مسجلة حتى يومنا هذا في سجلات المدينين التابعة للدولة دون أن تجد من يتابع تحصيلها وتظهر بين حين وآخر من خلال وثائق ويكيليكس العمانية التي تنشرها الصحف المحلية.
فخلال السنوات الماضية طالت قائمة المليونيرات العمانية ولولا تأثر الحفلة بتهاوي أسعار النفط لطالت وطالت هذه القائمة لتنافس قائمة مليونيرات الصين والهند طولا مع الأخذ في الاعتبار عدد سكان تلكما الدولتين. وتستطيع الدولة باستعراض بسيط لسجل هؤلاء الذين تشرفت قائمة المليونيرات باحتواء أسمائهم، رسم خط أحمر تحت تلك الأسماء في حواسيبها المتناهية في الدقة لتتبين أن جلهم ليسوا ممن ورثوا الجاه أبا عن جد وليسوا ممن ضرب “الهيب” في الصخر وامتزج عرقه بالتراب فاستحق لآن يرتقي اسمه ضمن المليونيرات. إذا فالأمر ليس لغزا معقدا او حتى ليس لغزا ليحتاج حله إلى حاسب آلي صناعة يابانية بطلب خاص.
لقد تعرض القطاع العام خلال العقود المنصرمة لهجمة شرسة من قبل القروش المفترسة والقطط السمان، لاسيما قطاع الأراضي، فاستبيحت السهول والجبال والوديان والشواطئ في مواقع لا تخطر على بال ودون مقابل، في حين كان آخرون يستجدون قطعة أرض للستر ليس إلا فلا يجدونها إلا على حدود البلاد، نصفها وادي والنصف الآخر جبل. وحتى يتمكن ذلك المواطن من استغلال الأرض عليه صرف أضعاف قيمتها ليقلب الجزء الجبلي ويدخله في الجزء المستقطع من الوادي حتى تستوي القطعة وتصبح صالحة للاستخدام.
مواقع كانت مخصصة للاستخدام كمواقف للسيارات وأخرى لحدائق عامة أو لمنتزهات صغيرة للأطفال في الحارات وغيرها مخصصة لأغراض رسمية تم الاستلاء عليها أو منحها لمن لا يستحق خدمة لمصالح مشتركة. أراضي بمساحات شاسعة وفي مواقع بكر منحت بحجة تشجيع الاستثمار الذي تمخض في النهاية ليكون إستحمارا بكل ما للكلمة من معنى، فلم نرى أثرا للاستثمار بل استغلالا للسلطة والنفوذ والمصالح. فبعض تلك الأراضي التي تم منحها بغرض الاستثمار قسمها بعض أدعياء الاستثمار إلى قطع صغيرة وباعوها للمواطن المغلوب على أمره بأسعار خيالية والبعض من تلك الأراضي وفي مناطق استثنائية نراها الآن معروضة للبيع بملايين الريالات.
كل تلك التجاوزات تم غض الطرف عنها لتشابك مصالح أصحاب القرار فيها، في حين غض المواطن الطرف عن تلك التجاوزات كرها حتى لا يقع في المحظور أو طوعا لأنه كان يصله بعض الفتات مما كان يتبقى من الخيرات فيضمن له على أقل تقدير الحد الأدنى من العيش الكريم ومن ثم فإنه آثر السكوت. أما وقد أصبحت مصادر جريان أودية الخير والنعمة بذاتها شحيحة على إثر الزلزال النفطي الذي ضرب العالم ولاسيما دول المنطقة، يبدو أن المواطن العادي يتوقع حرمانه حتى من ذلك النزر اليسير من الخير الذي كان يصيبه سابقا مما كان يتسرب من السواقي الجارية نحو مزارع تابعة لمن بيدهم القلم فبدأ يصرخ ويستنكر. فكان لا بد من إعلان حالة الطوارئ لتدارس تداعيات هذا الوضع والبحث عن حلول لتجنب تداعيات آثاره السلبية على المواطن والمجتمع والوطن.
تشكلت لجان عليا ولجان فرعية، هذه تدرس واقع أداء الشركات الحكومية التي تركت على حل شعرها طوال العقود الماضية دون حسيب أو رقيب تعاف الأرباح حساباتها منذ أن تأسست، وتلك تبحث في طرق لترشيد الإنفاق الذي ترك له الحبل على الغارب في أوجه لم تكن بحاجة إلى ترشيد فحسب بل إلى وقف الإنفاق فيها كليا، وأخرى تزحف متثاقلة مثل الدب القائم من نومه للتو لتبحث عن مصادر للدخل بديلة عن النفط متحسرة على أربعة عقود قضتها في هذه المهمة دون أي إنجاز يذكر اللهم إلا مؤتمر يتبع مؤتمر وندوة تلي أخرى ولربما المبالغ التي صرفت على هذه المؤتمرات والندوات كانت كافية لتشكل رافدا كأحد المصادر البديلة للدخل في أيامنا هذه. ولجنة رابعة تبحث في دفاتر حسابات صناديق التقاعد علها تجد مبررا لإخفاقات استثماراتها قد تبرد قلوب المتقاعدين الذين تتصدق عليهم تلك الصناديق وكأنهم من المؤلفة قلوبهم أو أبناء السبيل وليسوا أصحاب حق بنيت رؤوس أموال هذه الصناديق من ريالات استقطعت شهريا مما كدوه من عرق جبينهم طوال سنين شبابهم.
ولجنة أخرى تدرس خيارات لتمويل العجز في الموازنة ولكننا لم نجد لجنة تشكل لاقتراح كيفية الاستفادة الجادة من الفائض في موازنات أيام العز التي تبخرت تحت تأثير حرارة العمولات والرشى والمحسوبيات والمشاريع الفاشلة.
والغريب ان جميع هذه اللجان مصابة بالعور وبالتالي أخطأت جميعها حتى الآن الاتجاه الحقيقي لبوصلة هدفها. فبدلا من أن تحمل من قصر أو تآمر أو استغل منصبه لتحقيق الثراء مسؤولية ما نحن فيه من إملاق وتلزمهم بتحمل تبعات ذلك والتعويض عما استحلوها من مقدرات الوطن أو استهتروا بها وأهدروها، نجد أنها تصوب مدافعها نحو المواطن العادي فتجعله هدفا للسعات توصياتها وكأن أيام اليسر التي مرت فرشت فيها لهذا المواطن مآدب قدم له فيها ما لذ وطاب من الطعام والشراب. فانهمرت علينا قرارات كسيل عرمرم، قرار يرفع الدعم الحكومي عن البنزين، وآخر يرفع ضريبة الدخل التي ستشفط بطريقة غير مباشرة من جيب المواطن، وقرار ثالث يرفع رسوم المعاملات العقارية والبلدية. في حين تشير أرصاد مصادر الجهات التشريعية، والتي نتمنى أن لا تكون تنبؤاتها دقيقة كتنبؤات الأرصاد الجوية، تشير إلى منخفض قد يؤدي إلى سقوط زخات من القرارات يتم بموجبها سحب جزء من الدعم الحكومي عن الكهرباء ورفع رسوم استقدام العمالة الوافدة وغرامات المخالفات المرورية وغيرها من القرارات التي لا شك ستصيب جيب المواطن في مقتل إن صدرت. نتمنى ونحن نضع أيدينا على قلوبنا أن لا تتحول الحالة إلى إعصار من القرارات تأتي على ما تبقى من اليابس في جيب المواطن بعد أن أتت العاصفة على كل أخضر في جيوبهم.
لا شك أن آثار العواصف والأعاصير تصيب الجميع، لكن هناك من المواطنين من أسسوا بنيانهم على قاعدة من رزم من الأوراق النقدية تفوح منها رائحة لب الخشب محاطة بقوالب من ذهب وفضة، بعضهم كما أسلفنا بنوها مما ورثوه عن آبائهم من ثروة حلال جمعوها بالعمل الدؤوب والجهد المتواصل والتضحيات الجسام فهؤلاء مبارك لهم ما كسبوه وندعو الله أن يحميهم من شر العواصف والأعاصير. والبعض الآخر جمعوه من كد يدهم وعرق جبينهم وتميزهم عن غيرهم في المواهب والإمكانيات والإرادة فاستحقوها خيرا وبركة. وصنف ثالث وهم بيت القصيد، إنهم أولئك الذين فعلوا كل منكر في حق الوطن ليغيروا مجاري أنهار العز والخيرات التي جرت غزيرة في الفترة الماضية حتى يضمنوا اقتصار جريانها أمام بيوتهم فقط فترسبت أمام مداخلها الخيرات كلها وشكلت اساسات باتت صامدة أمام الأعاصير والعواصف وبالتالي فسيل القرارات الذي ينهمر هذه الأيام لن يكون ذا تأثير يذكر على هؤلاء جميعا.
والملاحظ وللأسف الشديد أن بوصلة هذه اللجان جميعها لم تصوب إلى أي من هؤلاء وإنما جرى التصويب نحو أولئك الذين شاهدوا طوال العقود الماضية تلك الأنهار تجري أمامهم غزيرة دون أن يتمكن الكثير منهم حتى من غرف جرعة منها وإنما تأثرت أكواخهم من كثافة زبدها فتشققت واحدة تلو الأخرى والخوف أن تنهار فتقضي على ما تبقى من أحلام أصحابها.
نحن ندري أن الصنفين الأولين قد بارك الله لهم في خيرهم ومع ذلك ليسمح لنا البعض منهم أن ندعي بأن سجلهم أيضا مصاب بلوثة من أوراق “بنما” المشؤومة، ويبدو أن عددا لا بأس به من هؤلاء تهربوا من دفع الضرائب على أرباحهم ولجأوا إلى ملاذات ضريبية آمنة في الخارج من خلال الانخراط في مخططات التهرب الضريبي وغسل الأموال. لذا فعليهم التكفير عن ذلك وتطهير أموالهم من هذا الدنس وإعادة مراجعة حساباتهم طوعا لصالح الوطن وإلا فالأمر قد يحتاج إلى عملية تصحيحه من قبل الجهات المعنية لأن الوطن بأمس الحاجة إلى كل مصدر دخل مستحق على المواطن أيا ما كان.
أما أولئك الذين تضخمت حساباتهم من مصادر دخل من النوع الثالث، فإن الجهات المعنية مدعوة بالعودة إلى الدفاتر القديمة ونفض الغبار عنها لأنها تحتوي على كنوز ثمينة مما تم استباحتها من قبل هؤلاء من دون وجه حق، يستوجب أن تعاد إلى خزينة الدولة بشكل أو بآخر، فالعملية لا تحتاج إلى معجزة لتنفيذها، فإذا كان التاجر البسيط في تلك السنين الخوالي يستطيع استرجاع ولو جزء من حقوقه بمساعدة شيخ القبيلة أو تهديد من موظف بسيط في مكتب الوالي، فمن المؤكد أن لا يصعب على الدولة التي لو سلمنا أنها في موقع ذلك التاجر وفي ظل توفر التكنولوجيا التي لا مجال لمقارنتها بدفاتر ذلك التاجر المتهالكة، والتشريعات القانونية التي تم تبنيها للتعامل مع مثل هذه المواقف، أن لا يصعب عليها جرد الحساب مع من توسعت أمعاؤهم وتضخمت كروشهم من كثرة ما بلعوا من خيرات هذا البلد من نصيبهم وأضعافا مضاعفة من نصيب غيرهم.
والحقيقة أنه إذا كان المواطن محظوظا بانتمائه إلى هذا البلد العريق وإلى هذا العهد الزاهر الذي رفعه إلى مصاف الشعوب المتقدمة، فإن عمان أيضا محظوظة بهذا الشعب الذي جله يترفع عن مصالحه الشخصية ويسترخص كل غالي ونفيس من أجل مصلحة وطنه طالما توفر له الحد الأدنى من الحياة الكريمة. لذا فالمطلوب هو العمل بكل جد وإخلاص وأمانة على استمرار تعانق هذه المعادلة السامية بين الوطن والمواطن، ولن يتأتى هذا إلا عندما ينظر الوطن إلى جميع أبنائه بنفس العين فيوزع خيراته على الجميع كل حسب جهده واستحقاقه. وحيث أن الواقع يؤكد أن البعض قد بذل المستحيل لكي ينظر الوطن إلى أبنائه بعيون مختلفة، فإن الأمر يتطلب إعادة الحق إلى أصحابه من خلال العودة إلى دفاتر الديون المعدومة بدون وجه حق واسترداد كل ريال نهب من خيرات هذا الوطن، وفي الوقت نفسه تجنب المغالاة في اتخاذ قرارات تعاقب الضحية ألا وهو المواطن وتترك الحيتان والقطط السمان وكل من ساهم في اتخاذ قرارات خاطئة طوال العقود الماضية ومارسوا طقوس الاستثناءات والمحسوبيات يسرحون ويمرحون دون محاسبة.
وما القرارات الأخيرة بسحب الترقيات من موظفي بعض الوحدات الحكومية إلا مثالا لما نتخوف منه، فهذه الترقيات سحبت بحجة تحقيق العدالة بين موظفي جميع الوحدات الحكومية. وكأن من منحت لهم هذه الترقيات انتزعوها عنوة وليس بموجب قرارات رسمية صدرت من رؤسائهم، والحقيقة أن مجرد سحب هذه الترقيات بحجة تحقيق العدالة إدانة واضحة بالظلم لمن اتخذ قرارات منحها، إلا أننا لم نجد من يحاسب عليها وإنما سلطت العصا على الطرف الضعيف وهو الموظف الذي ما كان منطقيا أن يرفض هذه الترقية التي منحت له في إطار المعاملة المميزة والخاصة التي استمتع بها موظفو بعض الوحدات الحكومية طوال العقود الماضية من رواتب خاصة وترقيات سهلة وامتيازات حصرية. إذا كان من الحكمة أن لا نمارس الظلم حتى لا نحتاج إلى معالجة آثاره على حساب الآخرين.
لا شك أن تحقيق العدالة بين جميع المواطنين ومساواتهم في الحقوق والواجبات أمر واجب وضروري، ولكن كان من الأولى محاسبة من أتخذ قرارات ترقية هؤلاء بدلا من قطع فروقات الترقية من رواتبهم بعد صرفها لهم لمدة عامين، أي قطع جزء من مصدر رزقهم والذي ربما على أساسه قد ترتبت عليهم التزامات عائلية ومالية، ووقف صرف هذه الفروقات لا شك سيسبب لهؤلاء أزمات هم في غنى عنها. هذا غيض من فيض ونأمل أن نتجنب اتخاذ مثل هذه القرارات التي تصوب مباشرة إلى جيب المواطن. جميعنا نريد المساهمة في العمل على تجاوز بلادنا الحبيبة هذه الأزمة بأقل الخسائر، ولكن كما قلت في مقالة سابقة إن العجز في الموازنة يجب أن يغطى أولا من الجيوب التي أودع فيها الفائض أيام العز والمسجل في دفاتر الدولة منذ بداية عهد النهضة المباركة وحتى اليوم، عندها فقط وفقط تتحقق العدالة.

2016/06/19

"زيكا" الذي أرعب العالم

"زيكا" الذي أرعب العالم



قبل مدة بسيطة ظهر في البرازيل فايروس قد يبدو للبعض جديدا كونه لم يسمع به من قبل. وهذا الفايروس يسمى Zika. ينتقل الفايروس زيكا عن طريق بعض أنواع البعوض، والذي يتواجد في المناطق المدارية بشكل عام. تحدث الكثيرون عن هذا الفايروس والمرض المعدي الذي يتسبب فيه، من طبيب، وعالِم في الفايروسات، وعالِم في بيولوجيا البعوض، بل واحتلت أخباره العناوين الرئيسة في نشرات الأخبار والبرامج الصحية، وأصبح حديث الساعة في المجالس والمنتديات العامة والخاصة. وبالفعل أعلنت حالة الطوارئ من قبل المؤسسات الصحية العالمية بغية محاصرة الفايروس والمرض الذي يسببه لأن إنتشاره في أنحاء أخرى من العالم قد يسبب مشكلة عالمية، كما كان الحال من قبله مع فايروس انفلونزا الطيور والخنازير ومن قبلهم فايروس سارس وغيرها الكثير.

في هذا المقال سألقي الضوء على فايروس Zika الذي أصبح حديث الساعة هذه الأيام في جميع المجالس والبرامج كما أسلفنا، مركزا على أهم ما يجب معرفته عنه.

ما هو فايروس زيكا ؟
يرتبط  فايروس زيكا بالعديد من الأمراض المكتشفة سابقا من قبيل حمى الضنك، والحمى الصفراء، والتهاب الدماغ الياباني وفايروس غرب النيل. ويقول الدكتور عبدالله بالخير استشاري أول في الأمراض المعدية في حوار أجراه معه "ملحق أنوار" التابع لدائرة العلاقات العامة والإعلام في جامعة السلطان قابوس382: "أنه تم اكتشافه لأول مرة في عام 1947م في قرود من فصيلة الريصو من خلال شبكة رصد الحمى الصفراء وتم اكتشافه لاحقا في البشر عام 1952م في أوغندا وجمهورية تنزانيا المتحدة".

كيف ينتقل الفايروس ؟
ينتقل فايروس زيكا عن طريق لدغة بعوضة تُسمى "Aedes Aegypti"المصابة بالفايروس والتي تتواجد في معظم المناطق الإستوائية. وتحتاج هذه البعوضة إلى سائل كالدم لكي تضع فيه بيوضها، علما بأن نشاط هذه البعوضة يكثر في النهار، ولكن بالطبع لا يمنع ذلك من أن تمارس نشاطها بالليل أيضا. ولا شك أن معظم الخبراء يعتقدون أن انتقال هذا الفايروس يتم عن طريق هذه البعوضة، إلا أن بعضهم لا يستبعد انتقال الفايروس أثناء الحمل من الأم المصابة بالفايروس إلى الجنين، خصوصا أنه لوحظ أن الطفل المولود لأم مصابة بالفايروس عادة ما يكون رأسه صغيرا. علما أن بعض التقارير الطبية ذكرت أن الأتصال الجنسي ليس وسيلة لانتقال الفايروس حيث لم تسجل إلا حالات نادرة بهذا الخصوص. كذلك لم تسجل حالات انتقال للمرض عن طريق نقل الدم، ولا زالت الدراسات والأبحاث قائمة في هذا المجال.

ما هي الأعراض ؟
وبالانتقال إلى أعراض الإصابة بفايروس زيكا، فهي أعراض عامة لكنها ليست بالضرورة دلالة جازمة على إصابة المريض بالفايروس. وهذه الأعراض هي من قبيل الحمى، التهاب العين، الطفح الجلدي، التعب والخمول، الام المفاصل والعضلات، وصداع، وقد تستمر هذه الأعراض بين 2-7 أيام تقريبا. كذلك فقد لوحظ أن بعض المرضى قد يُصابون بأعراض عصبية ونقص في المناعة إذا ما تعرضوا للفايروس. إلا أن أكثر ما أثار إهتمام الناس حول هذا المرض هي تلك التي انتشرت على وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي كانتشار النار في الهشيم والتي تربط بين أمهات حملن هذا الفايروس أو المرض وولادة أجنة ذوو رؤوس صغيرة. ولكن مع ذلك لم يثبت حتى الآن وبشكل قاطع أن الإصابة بفايروس زيكا قد تؤدي إلى ولادة أجنة برؤوس صغيرة (Microcephaly)، وهذا الأمر بحاجة إلى مزيد من الدراسة والبحث.

كيف يتم التشخيص ؟
يتم تشخيص الإصابة بفايروس زيكا عن طريق وجود الأعراض العامة المذكورة آنفا، بمعية جنبا إلى جنب مع التاريخ المرضي للمصاب المفترض إذا ما كان قد سافر إلى مناطق انتشار هذا الفايروس قبل إصابته بالمرض بفترة قليلة. بالإضافة إلى ذلك فهناك بعض فحوصات الدم التي يتم إجراؤها للمريض الذي يُتوقع أنه أصيب بالمرض عن طريق عزل الفايروس من دم المريض أو لعابه أو بوله.

ما هو العلاج ؟
أما عن العلاج، فقد ذكرت مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) أن الأعراض عادة ما تكون خفيفة ولا تتطلب علاجا معينا، ولكن يجب على المريض أن يأخذ قسطا من الراحة بالإضافة إلى شرب السوائل بكميات أكبر من السابق، وأن يأخذ بعض مسكنات الآلام ومخفضات الحرارة. أما إذا زادت الحالة سوءا وزادت واستمرت الأعراض فعلى المريض أن يراجع أقرب مؤسسة صحية.

كيفية الوقاية ؟
في الوقت الحالي لا يوجد لقاح أو مصل ضد هذا الفايروس، ولكن يمكن الوقاية منه عن طريق إتخاذ الإجراءات الآتية:
-         السيطرة على مناطق انتشار البعوض.
-         ارتداء الملابس الساترة والتي تغطي أغلب أجزاء الجسم خاصة في الأجزاء المكشوفة.
-         البقاء في المناطق المكيفة أو داخل الأماكن المغلقة.
-         تغطية أماكن النوم بشبكات طاردة للبعوض.
-         من المهم جدا أن يتم تغيير الماء والسوائل في الدلو أو الأوعية أو البراميل، حتى لا تشكل مناطق لتجمع البعوض.
-         إذا كنت تريد التوجه إلى مناطق ينتشر فيها الفايروس، فعليك أولا باستشارة طبيبك الخاص قبل الذهاب إلى تلك المناطق.

فايروس زيكا والمرأة الحامل:
أشارت بعض التقارير الواردة من البرازيل إلى أنه يمكن لفايروس زيكا أن ينتقل من المرأة الحامل إلى جنينها مما يسبب خللا في تكون الدماغ وينتج عنه صغر حجم الدماغ والرأس، إلا أن هذه الإحتمالية كما ذكرنا سابقا لا تزال في طور البحث والدراسة. ولذلك فإن مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها ينصح المرأة الحامل باتخاذ الحيطة والحذر قبل السفر إلى المناطق التي ينتشر فيها هذا الفايروس، كما يطالبها بمراجعة طبيبها قبل الذهاب إلى تلك الأماكن. أما إذا كانت المرأة قد سافرت بالفعل إلى تلك المناطق، فعليها زيارة طبيبها الخاص في أسرع وقت ممكن للتأكد من سلامتها وسلامة الجنين، بالإضافة إلى إجراء بعض الفحوصات الضرورية الخاصة بالفايروس والمرض إن لزم الأمر. وحسب مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها فإن التقارير الطبية حول هذا الفايروس والمرض لم تثبت حتى الآن تأثير فايروس زيكا على الحمل مستقبلا بعد الإصابة بالفايروس، حيث أن الفايروس لا يبقى في الدم لأكثر من أسبوع فقط.

هل يتواجد فايروس زيكا في عمان ؟
يستبعد الدكتور عبدالله بالخير في حواره مع "ملحق الأنوار" التابع لجامعة السلطان قابوس تفشي وانتشار فايروس زيكا في السلطنة، لندرة وجود وانتشار البعوضة المسؤولة عن انتقال هذا الفايروس، ولكن لا يستبعد أمكانية إنتقال المرض عن طريق السُياح أو المسافرين القادمين من المناطق التي ينتشر فيها المرض.

ختاما، فإن الله سبحانه وتعالى لم يخلق داء إلا أوجد له دواء ، ولكن كما قيل "الوقاية خير من العلاج". فيجب أولا أخذ الحيطة والحذر وإتخاذ جميع الإحنياطات اللازمة للوقاية ليس من هذا المرض بل من جميع الأمراض. وأن نلتزم بالتحذيرات العامة التي تصدر بين الحين والآخر من الجهات المعنية  والمتعلقة بهذا المرض وانتشاره. كما أن علينا مراجعة المؤسسات الطبية في أقرب فرصة إن ظهرت هذه الأعراض على أي منا.

نشر في مجلة شرق غرب العدد العاشر يونيو يوليو 2016م.

2016/06/15

"ساق البامبو" .. من الرواية الأدبية إلى العمل التلفزيوني

"ساق البامبو" .. من الرواية الأدبية إلى العمل التلفزيوني


منذ أن أُعلن عن العمل التلفزيوني "ساق البامبو" وهو المقتبس من رواية الكاتب الكويتي سعود السنعوسي حتى سال حبر الكُتاب والنقاد والمشاهدين عن ماهية هذا العمل، وكيف سيظهر هذا العمل التلفزيوني المقتبس من رواية مكتوبة، ربما لقلة أو ندرة الأعمال الروائية العربية التي تم تحويلها إلى عمل تلفزيوني. سال حبرهم ما بين مؤيد ومعارض، ما بين من يعتقد أن مثل هذه الأعمال الروائية التي نالت جوائز محلية وعالمية يجب أن تتجسد على هيئة أعمال تلفزيونية أو سينمائية، وما بين معارض ومُعتقد أن تجسيد هذه الأعمال الروائية الأدبية من الورق إلى شاشات التلفاز أو شاشات السينما يضر بسمعتها أكثر مما يفيدها.

تحدث الكثيرون عن العمل التلفزيوني الجديد "ساق البامبو"، وهل بالفعل سيتمكن الممثلون من تجسيد أدوار الرواية بكل دقة، وهل سيتمكن المخرج، وكاتب السيناريو، وكاتب الرواية، وطاقم العمل من إيجاد ممثلين لهم القدرة على تجسيد الرواية وتحويلها إلى عمل تلفزيوني من 30 حلقة تقريبا. وأصلا هل بالإمكان تحويل الأعمال الكتابية الأدبية الروائية إلى أعمال تلفزيونية درامية بدون المساس بجوهر الرواية وأصالتها.

دعوني هنا أولا أن أسجل إعجابي الشديد بالكاتب المتألق في جميع رواياته سعود السنعوسي، ودعوني أيضا أسجل إعجابي بكاتب سيناريو العمل التلفزيوني رامي عبدالرازق والمخرج محمد القفاص، وفريق العمل من ممثلين ومنتجين ومن هم خلف الكواليس أيضا.

عندما شاهدت الحلقة الأولى من المسلسل، توقعت أن أشاهد إسقاطا لما قرأته في الكتاب، كل شيء بحذافيره، وربما توقع بعض المشاهدين ذلك أيضا، ولأنني قرأت الرواية لأكثر من مرتين وسبرت أغوارها، كنت أحاول توقع ما سوف يجري بعد قليل، إلا أنني كنت أتفاجأ بالمشهد التالي، إلى أن انتهت الحلقة الأولى، وعلمت أنه كان لابد من تغيير المشاهد، وتقديم بعض المشاهد على أخرى، بل وإضافة مشاهد جديدة لم تكن موجودة في النص الأصلي أو حتى أكون واضحا، في الرواية نفسها.

إلى الآن شاهدت جميع حلقات "ساق البامبو" وقد جُسدت الرواية بطريقة رائعة جدا، وتم اختيار الممثلين بعناية ودقة، فنحن نشاهد اختلافا كليا في العمل التلفزيوني هذا، اختلافا عن غيره من الأعمال التلفزيونية الأخرى، والمسلسلات التي سبق وأن عُرضت لنفس هؤلاء الممثلين. هذا العمل التلفزيوني المتقبس من عمل الأدبي، جسد لنا قضية التمييز في المجتمع الكويتي، وهو إسقاط لا بأس به على المجتمع الخليجي ككل، حيث أننا نرى ذلك يحدث مع "عيسى راشد الطاروف" إبن لعائلة كويتية محترمة، ومع "غسان" صاحب القضية التي من أجلها تناضل "هند الطاروف"، وهذا ما أورده السنعوسي في الرواية نفسها بطريقة أو بأخرى.

جسد لنا هذا العمل قضية الغنى الفاحش لبعض طبقات المجتمع الكويتي "عائلة الطاروف" وفي المقابل الفقر المدقع لبعض الطبقات الأخرى "غسان ووليد"، وفي الحقيقة يمكن إسقاط ذلك على المجتمعات الخليجية ككل، لأن هذه المجتمعات تتشارك في العادات والتقاليد وكذلك في الأفكار والدين والثقافة أيضا. من ناحية أخرى جسد لنا تسمك المجتمع الكويتي "الخليجي" بالعادات والتقاليد وإن كانت خاطئة من قبيل قضية "راشد الطاروف" عندما كان يريد الزواج من "هبة" وموقف أمه "غنيمة" الغير مقتنع والغير متقبل والرافض بشدة لفكرة هذا الارتباط بين عائلتين ليس لهما نفس الحَسب والنَسب ضاربين بعرض الحائط كل التعاليم الدينية الإسلامية التي تحث على "واظفر بذات الدين تربت يداك".

القضية الأساسية في هذا العمل التلفزيوني هي قضية "عيسى أو هوزيه" مع أسرة الطاروف، هذه الأسرة العريقة في المجتمع الكويتي والتي لا ترغب في الاعتراف به بسبب ولادته من "خادمة" وخوفا من "كلام الناس"، وفي الحقيقة يمكن أن نسقط هذا الحال على المجتمع الخليجي ككل، فهذا الإعتقاد سائد عند الجميع وليس حكرا على المجتمع الكويتي فقط.

لقد جسد "ساق البامبو" من خلال الرواية أولا ومن ثم العمل التلفزيوني حياة المجتمع الخليجي ككل، ولكن تجسيدها من خلال العمل التلفزيوني سوف يكون له وقع أكبر، خصوصا أن عددا أكبر من شرائح المجتمع سوف يشاهد المسلسل ويتابعه حلقة بحلقة، وهنا أتمنى أن يحذو "فئران أمي حصة" لسعود السنعوسي نفسه حذو "ساق البامبو" في انتاجه كعمل تلفزيوني درامي، وربما روايات أخرى لكُتاب وروائيين آخرين.


تحية كبير إلى الكاتب الكويتي سعود السنعوسي والسيناريست رامي عبدالرازق والمخرج محمد القفاص، وفريق العمل من ممثلين ومنتجين وجميع من ساهموا في إنجاح هذا العمل.

نُشر في جريدة الرؤية العمانية لعددها الصادر في يوم الأربعاء 15/6/2016.

2016/03/23

لصوص الكلمات

لصوص الكلمات
نشرت في النشرة الأسبوعية لمشروع أصدقاء القراءة 22/3/2016

ربما كانت اللصوصية في عنوانها الأبرز ترمز إلى سارقي المال والمتاع والعقار، ومختلسي الأموال، وبعضا ممن لم يكلفوا أنفسهم عناء التعب والعمل والجد والاجتهاد، فعمدوا إلى التسلط عنوة على ممتلكات الغير، وهذا بالتأكيد جرم يعاقب عليه القانون، قانون أي دولة. ولكن ما يظهر في الساحة الآن، لصوصية من نوع آخر، لصوصية ثقافية، إختلاس فكري وأدبي، والحرامي هو من يُطلق عليه أديب أو مثقف أو كاتب أو قاص أو روائي أو شاعر، والحبل على الجرار يمضي.


هذا النوع من اللصوصية والاختلاس ليس بجديد، وربما بدا معاصرا للصوصية بعنوانها الأبرز للمال والمتاع والعقار، ولكنه كان من الصعب جدا فيما مضى اكتشاف هذا النوع من سرقة الحقوق الأدبية، والملكية الفكرية. الآن، وبعد سيطرة التكنولوجيا على عالمنا المعاصر، أصبح اكتشاف لصوص الكلمات أمرا أسهل من السابق، فهؤلاء ممن ينسخون الكلمات والأسطر مختتمين بكلمة "بقلمي" أو "بنات أفكاري" أو "حبر قلمي"، أصبح من اليسير جدا اكتشافهم، فهنالك العديد من البرامج على الحاسب الآلي التي تتيح لك بنسخ ولصق أن تكتشف الكاتب الأصلي لتلكم الأسطر، حتى ولو اختتمها سارقها بـ "حقوق ملكية فكرية".

إذاً هذه الموضة أصبحت منتشرة في الساحة الثقافية العربية، وربما العالمية أيضا، أن يأتي الأديب المصطنع، والكاتب اللص، ليضع أسطرا تعب مؤلفها في نسجها من دون أي خوف من العقاب، لأنه وكما يقال: "من أمن العقوبة أساء الأدب"، فيسطرها في مؤلفه الجديد "المسروق"، فترى بعضهم ينسخ عبارات وفقرات كاملة من كتاب آخر، ليضعها في كتابه وكأنه كاتبها الحقيقي، أو يأتي ذلك الشاعر المصطنع، ليوهم المتلقي بأنه مختلق هذه الأبيات، ويضع لنا نصا مزخرفا يبهر النفوس، ولكن لا يكون سوى أبيات مسروقة من شاعر هنا، وشاعر هنا، أصاب في رصها رصا متينا مستوفيا لشروط الشعر، وخاب في سرقتها "ألا خاب من افترى".

بالتأكيد، هذه السرقات الأدبية، والاختلاسات الثقافية لا تجدي نفعا، فهي لا تصنع كاتبا مرموقا، ولا أديبا حاذقا، ولا شاعرا فذا، بل تصنع سارقا محترفا، وما هي إلا برهة محدودة من الزمن حتى ينكشف أمر هذا السارق الأدبي، فلا تكون له قيمة أو وزن أنذاك، حتى وإن أتى بنص من "قلمه" أو "بنات أفكاره"، فسرقته الأولى ستكون وصمة عار تلاحقه دائما وأبدا، وما أسوأها من وصمة عار.

2016/03/14

هطلت الأمطار وتجمع الماء .. فأين التصريف ؟
نشرت في جريدة الرؤية


أنعم الله – سبحانه وتعالى – علينا في الأيام الماضية، فهطل المطر غزيرا على معظم أرجاء السلطنة، كانت أمطار خير ونعمة عمت أنحاء البلاد، فارتفعت الأيدي شاكرة متضرعة إلى الله – سبحانه وتعالى – متنمية الخير والسلامة والأمن لهذا الوطن الغالي ولقائد هذه المسيرة المباركة وللشعب العماني. لقد شكلت تلكم الأيام بما فيها من أمطار تحديات واسعة لبعض القطاعات في السلطنة، وقد أدوا ما عليهم من واجب بكل اقتدار، فمثلا نجد أن شرطة عمان السلطانية وفرق الإنقاذ والطوارئ التابعة لها، عملت بجد واجتهاد من أجل حماية المواطنين والمقيمين من جراء نزول الأودية، وما تسببه من قطع الطرقات، وسقوط الصخور من أعالي الجبال، وقامت بعمليات إنقاذ كلما تلقت بلاغا حتى في مواقع الخطر. كما لا ننسى الأرصاد الجوية الذين عملوا أيضا بكل احترافية ومهنية عالية من أجل وضع النقاط على الحروف وإيصال الصورة كما هي بدون أي تشويش. وبالإضافة إلى هؤلاء لا ننسى جهود الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون والإذاعات الخاصة الذين واكبوا الحدث لحظة بلحظة ووضعوا المواطن والمقيم في الصورة على مدار الساعة، وغيرهم من الجهات التي ساهمت بشكل وأخر في التعامل مع هذه الظروف.

ولكن يحق لنا كمواطنين وكمقيمين على هذه الأرض الطيبة، وبعد أن انتهت الحالة الجوية التي مررنا بها، أن نتسائل عن ما حدث في الطرقات والشوارع، والحواري والسكك، ألا وهي مسألة تجمع الماء فيها، لتتعطل حركة السير في بعض الطرقات، وتدخل المياه إلى البيوت في مناطق أخرى، وتنساب الأودية إلى بعض الأسواق التقليدية في بعض محافظات وولايات السلطنة، فتتعطل الحركة الشرائية فيها.

لقد رأينا جليا ما حدث في الأيام الماضية على شاشات التلفاز، ولم تخفِ الصور المتداولة في مواقع التواصل الإجتماعي هذا الأمر، بالإضافة إلى ما رأيناه وعايناه بأم العين. حيث تجمعت المياه في بعض الطرقات مما تسبب بإغلاقها تماما نتيجة جريان وادٍ هنا، أو تكون بِركة كبيرة من الماء هناك، أعاقت حركة السير، وبالتالي تسببت بازدحام شديد على في الطرقات، الأمر الذي أدى إلى تأخر الموظف عن الوصول إلى عمله، ولك أن تحسب العدد الهائل من الساعات الضائعة، وما تليها من نتائج على الاقتصاد وعلى مدخوليات وأرباح الشركات سواء كانت حكومية أو خاصة، خصوصا في ظل إنهيار أسعار النفط والأزمة الاقتصادية الراهنة التي تمر بها البلاد.

هذا ليس نهاية المطاف، فمن يحاول من السائقين عبور الوادي أو عبور بِركة الماء المتجمعة، فإما أن تتعطل سيارته، فيقف على جانب الطريق لا يلوي على شيء، منتظرا وصول المساعدة، أو يستطيع عبورهما – إن كانت سيارته من نوع الدفع الرباعي – ولكنه بالتأكيد سوف يتأخر عن عمله فترة طويلة من الزمن.

بالإضافة إلى ذلك، فإننا نرى بناء البيوت والبنايات السكنية على مجاري الأودية، ونتيجة لذلك تتجمع المياه في تلك المنطقة وتدخل البيوت المجاورة فتُشكل بركا داخل المباني وخارجها أيضا، فيتعطل سُكانها، ولا يستطيعون حتى الخروج من منازلهم للقيام بأعمالهم الضرورية، وقد تتعطل سياراتهم أيضا وتَعطب. وقد شاهدنا ذلك في الحارات في العاصمة مسقط، وما لم نشاهده في المحافظات الأخرى أشد وأقسى من ذلك.

هذه الملاحظات دائما ما نشاهدها ونعاينها عند هطول الأمطار على السلطنة، في مختلف محافظاتها وولاياتها، ولكن لماذا يحدث ذلك؟، لماذا لا نشاهد سوء التصريف هذا وتجمعات المياه أمام المنازل وفي الطرقات في دول أخرى؟. لقد عشت في جمهورية ألمانيا الإتحادية مدة من الزمن، هطلت خلالها الأمطار واستمرت لأيام طويلة، حتى تخيلت ومن معي بأننا سنظل حبيسي الدار إلى حين نهاية فترة الأمطار هذه بسبب تجمع المياه كما يحدث في السلطنة هنا، لكن ذلك لم يحدث أبداً، فالماء لا يتجمع، ولا تتشكل البرك والمستنقعات إلا في النادر، وفي الحقيقة لم أكن في عاصمة الجمهورية الألمانية، بل كنت في منطقة ريفية. لقد رأينا تصريفا رائعا لمياه الأمطار، ورأينا تصميما جميلا للشوارع فيها، فالتصميم والتصريف لا يتيحان للمياه فرصة للتجمع وتكوين البرك، فأولا تذهب المياه إلى جانبي الشارع، وهناك تنزل المياه في قنوات تصريف معدة لذلك.

حسنا، قد يقول قائل بأن المانيا دولة أوروبية متطورة، ومن الطبيعي أن نشاهد فيها هذ التطور، فلا يمكننا المقارنة بين ألمانيا والسلطنة. فماذا عن ماليزيا؟ ماليزيا دولة أسيوية، تهطل فيها الأمطار بشكل شبه دائم، وأكثر غزارة من الأمطار التي تهطل في السلطنة، ولكن لا تُشل حركة المرور بسبب مياه الأمطار، ولا   تتجمع المياه أمام البنايات والمباني السكنية أو التجارية، ولا تتعطل الأعمال أبدا. وقد كنت شاهدا على ذلك أيضا، فلا يوجد مجال لتجمع المياه في الشارع، وهذه من حسنات تصميم الشوارع في هذا البلد، بالإضافة إلى نظام التصريف.

لننتقل إلى دولة ثالثة، وهي جمهورية الهند، والتي يقطنها أكثر من مليار نسمة، وتُعد شوارعها الأقدم تصميما، وربما منذ زمن الاستعمار البريطاني. هل لكم أن تتخيلوا كمية الأمطار التي تهطل عليها على مدار السنة حيث أنها منطقة استوائية وذات مساحة شاسعة !. وهل لكم أن تتخيلوا أن أنظمة تصريف المياه تعمل فيها بشكل ممتاز بحيث لا تتجمع المياه في الطرقات لتشكل عائقا أمام حركة السير في البلاد أبدا !. حتى أخبرني أحد أساتذتي في الجامعة متعجبا: "دولة مثل السلطنة لا تمتلك نظام لتصريف مياه الأمطار، وتتجمع في طرقاتها وأمام المنازل مياه كثيرة تعيق الحركة، بينما لا يحدث هذا في الهند !!". وأترك للقارئ الكريم حرية المقارنة.

لم أقل هذا الكلام، ولم أجري هذه المقارنات إلا من باب حرصي على مصلحة هذا الوطن ومصلحة المواطن والمقيم على أراضيه. فالمظهر العام للطرقات والمنازل والأسواق مهم جدا، وكذلك لكي لا يتحول المطر نقمة علينا بدل أن يكون نعمة. وقد رأينا جهود القطاعات المسؤولة لإزالة المياه المتجمعة في الطرقات والشوارع بعد هطول المطر، وتنظيف المياه من الأتربة والحصي والأحجار وما خلفه الوادي عند مروره. ولكن ألم نتعلم بعد من المثل القائل: "الوقاية خير من العلاج" ؟. ألم نتعلم ونستفيد من التجارب الماضية ؟. وهل علينا في كل مرة يهطل فيها المطر على بلادنا الغالية أن نتأسف ونتحسر ونشاهد مياه الوادي تستبيح منازلنا، وأن نشاهد الشلل التام في حركة السير جراء نزول وادٍ هنا، أو تجمع كبير لمياه المطر هناك؟!!!

أتمنى من المسؤولين الكرام، وممن يريد الرقي بهذا الوطن العزيز الغالي، الذي لم يتوانى قط عن إعطاءنا خيراته الكثيرة، أن يهتموا قليلا بأمر تصريف المياه، وأن يستفيدوا من تجارب الدول الأخرى في أنظمة تصريف المياه بعد هطول الأمطار، فلا ندري متى يكون الموعد القادم لهطول أمطار الرحمة والخير على بلادنا العزيزة عُمان، خاصة وأن التغييرات المناخية التي يشهدها العالم تُبشر بهطول الأمطار على بلادنا العزيزة لفترات أكبر وبشكل متكرر أيضا.

2016/03/12

عمان وإيران .. خطوة نحو الازدهار - لم تُنشر

عمان وإيران .. خطوة نحو الازدهار

كتبت هذه المقالة قبل عامين لكن لم أرسلها للنشر .. أنشرها في المدونة بعد مرور فترة زمينة على كتابتها


ربما كانت علاقات سلطنة عمان بالجمهورية الإسلامية في إيران هي أبرز محاور النقاش في المجالس والمحاورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصا بعد الزيارة الأخيرة لفخامة رئيس الجمهورية الإسلامية الشيخ حسن روحاني ولقاءه بصاحب الجلالة السلطان قابوس حفظه الله ورعاه وبعض المسؤولين في السلطنة. هذه الزيارة ربما تعد الحدث الأبرز في منطقة الخليج العربي وربما الشرق الأوسط في الربع الأول من العام الجاري.

هذه الزيارة على الرغم من قصر مدتها التي لم تتجاوز اليومين، تم التباحث فيها حول شتى المجالات والقضايا التي تحضى باهتمام مشترك يين البلدين كما وقعت بعض الاتفاقيات التي من شأنها أن تنهض بالبلدين الشقيقين من النواحي الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والثقافية بل حتى النواحي السياحية. زيارة رفيعة المستوى كهذه تدل على أن الحكومتين يريدان إقامة علاقات ثنائية تفيد البلدين معا، خصوصا بعد زيارة صاحب الجلالة حفظه الله ورعاه لإيران في اواخر العام الماضي.

لست أدري لماذا يتوجس البعض خيفة من زيادة العلاقات بين مسقط وطهران، على الرغم من أن هذه العلاقات ليست وليدة اللحظة، بل هي علاقات وطيدة منذ بداية النهضة المباركة للسلطنة، بل ربما هي من قبل هذا التاريخ بكثير. ولقد أكدت سياسة صاحب الجلالة في التعامل مع المحيط الاقليمي كفاءتها من حيث فائدتها على الشعب العماني، كما أنها ساهمت كثيرا في حل بعض التوترات في المنطقة.                                     

ما يهمنا الآن هو كيف نستغل هذا التطور في العلاقات بين البلدين بأحسن استغلال، فإيران دولة لها ثقلها ووزنها في المنطقة، كما أنها تطورت كثيرا من الناحية التكنولوجية والعلمية والثقافية في الآونة الأخيرة تطورا شهد به العدو قبل الصديق. فعلى سبيل المثال، ما ينشر الآن من أن إيران تريد إرسال مفاعل نووي إلى جامعة السلطان قابوس لغرض التجربة والتعليم هو أمر جيد جدا، فلا بأس من أن نستفيد من تجارب الآخرين ونتعلم منها لغرض البحث العلمي ليس إلا، فتكون لنا خبرة في هذا المجال.

إقامة برنامج سنوي لتبادل الطلاب بين جامعات إيران وجامعة السلطان قابوس، سوف يساهم في تطوير المستوى العلمي للطلاب في البلدين. بالإضافة إلى برامج بعثات تعليمية لطلاب الدبلوم العام إلى الجمهورية الإسلامية في إيران في مختلف التخصصات. وزيارات تستهدف الكادر التعليمي إلى إيران.

انتقالا إلى الجانب السياحي، فإن التقارب يين ضفتي الخليج الفارسي - كما يسميه الإيرانيون - سوف يؤدي إلى تنشيط السياحة في البلدين معا، فإنه سوف يؤدي إلى جذب السياح، كما سيساهم في عملية الاستثمار السياحي خصوصا وان السلطنة وإيران لهما مقومات سياحية متنوعة من قبيل السياحة العلاجية والسياحة الدينية والتراثية وغيرها.

وأخيرا، فإن صح ما نشر عن مشروع لإنشاء جسر يربط بين البلدين عن طريق مضيق هرمز (رغم نفي الجانب العماني هذا الأمر)، فإنه سوف يساهم كثيرا في الجذب السياحي، وسوف يشجع رجال الاعمال من كلا البلدين للاستثمار في البلد الآخر مما سيساهم في عملية التنمية الاقتصادية للبلدين.


د. رضا بن عيسى اللواتي

مسقط – سلطنة عمان

2016/03/08

معرض الكتاب على أطراف معرض "البوبكورن"...!

معرض الكتاب على أطراف معرض "البوبكورن"...!




يُراودني هذا التعجب الذي طرحته في العنوان كلما زُرت معرض مسقط الدولي للكتاب، ولعلني أجد نفسي مضطرا لعدم البحث عن إجابة له في أغلب الأوقات؛ لأنه أمر لا يعنيني أبدا. فأنا أذهب إلى معرض الكتاب في كل مرة لشراء الكتب والتعرف على جديد الساحة الثقافية والأدبية، ولا أهتم للبوبكورن الذي يشتت انتباه الكثيرين من زوار المعرض. بالمناسبة، أثبتت بعض الدراسات أن للبوبكورن -أو الفشار باللغة العربية- فوائد عديدة.
أعودُ إلى الموضوع الأصلي للمقالة، وربما أبتعد قليلا عنه في فترات لاحقة، ولكن لا تؤاخذوني إن فعلت ذلك. إن الكثير من زوار معرض مسقط الدولي للكتاب لا يهتمون بالكتاب بل بأشياء أخرى تتواجد في المعرض، ولعلنا نجد ذلك في دول عربية أخرى، حيث قرأت مقالًا عن معرض القاهرة الدولي للكتاب، طالب صاحب المقال بإغلاق المعرض لسنوات عديدة بسبب عدم وجود الاهتمام الكافي بالثقافة والأدب. وطبعا هنا في السلطنة، نجد الجمهور مهتمًّا بالبوبكورن، فالبعض يطلبه مالحا والآخر يطلبه بالكاراميل، ولا أدري عن الأنواع الأخرى الموجودة في المعرض. يأتي هؤلاء بعزيمة لشراء البوبكورن من معرض الكتاب وكأنه معرض البوبكورن، ولا وجود للبوبكورن إلا في هذا المعرض والذي يُعقد مرة واحدة في كل عام.
الكتاب في الوطن العربي الكبير أصبح كالتمثال في المكتبات، لا يقتنيه إلا القلة القليلة منهم، وكأن فرعونًا يُذبح أبناء ويستحي نساء كل من يقتني كتابا!. هذا الكتاب كان رمزا لكل قوة في زمان ولَّى وذهب وراح. أما في يومنا هذا، فقد أصبح الكتاب رمزا لطبقة دون أخرى، ليس لعدم توافره -بل هو موجود- وليس لغلاء سعره -فهو رخيص- وإنما لأن الناس تتجه إلى البوبكورن أكثر من اتجاهها إلى الكتاب.
نعودُ إلى البوبكورن.. هذا الشيء الجميل المنظر، اللذيذ الطعم، الزكي الراحة، والذي يتقافز بخفة عند تحضيره -كان يستهويني هذا المنظر عندما كنت صغيرا- ذكرت الدراسات أنه مُلين للبطن، وفيه كمية كبيرة من الحديد، وأشياء أخرى. ولكن سؤالي هو، كيف عرف الناس الذين يتهافتون على أكله هذه الفوائد الجمة إن كانوا لا يقرؤون؟! وكيف علم بائعو البوبكورن هذه الفوائد إن كانوا مشغولين بترويجه وبيعه فقط؟! وبالتأكيد لا وقت لدى الجميع لقراءة كتاب أو تصفح جريدة حتى!
لا أحب الحديث عن إحصائيات القراءة في العالم العربي، فمن لا يهتم بالقراءة، لن يقرأ حتى كلمة واحدة من هذا المقال، وأصلا لن يهتم كثيرا للإحصائيات إن أوردتها، فهو لديه اهتمامات أخرى غير القراءة والتثقف وزيادة المعلومات، طبعا البعض منهم يقول إن لديهم مصادر تثقيف أخرى.. ما هي؟ أعتقد أنها وسائل التواصل الاجتماعي، ولأكون دقيقا "الواتس آب".
يبدو أنني ابتعدت عن الموضوع مرة أخرى، ولأعود إليه، معرض الكتاب الذي يُقام مرة كل سنة، فرصة مهمة للتثقف والقراءة وتطوير الذات أيضا، وهي فرصة أيضا للقاء الكُتاب والمفكرين في الملتقيات والندوات التي تُقام على هامش هذه المعرض، وليست مناسبة لشراء البوبكورن والحديث حوله وعن أنواعه وأشكاله وطريقة تحضيره.
أنا لا أقول، إنَّ المقاهي والمطاعم في فترة معرض الكتاب منطقة محظورة وخط أحمر ممنوع الاقتراب منه أبدا؛ لأن الكثير يحصلون على رزقهم من هذه المقاهي والأكشاك الصغيرة حول معرض الكتاب، ولكن هناك مُهمَّ وهناك أهم، وبطبيعة الحال الأهم يُقدم على المهم كما درسنا ذلك جميعا في المدارس الابتدائية. اقتناء الكُتب بأنواعها المختلفة تجارة لن تبور، فإن قرأت الكتاب طوَّرت قدراتك ومهارتك، وازدت علما على علمك فلا تفوت هذه الفرصة الذهبية، واجعل لنفسك وقفة صغيرة أمام أكشاك البوبكورن!

2016/03/02

أعط دما وأنقذ حياة

أعط دما وأنقذ حياة

نشر في مجلة شرق غرب في العدد التاسع - فبراير 2016



تتجدد بين الحين والآخر نداءات بنوك الدم في السلطنة باحثة عن قطرات من دم قد تساعد في إنقاذ حياة مصاب في حادث مروري أو مريض بالثلاسيميا، أو آخر أجريت له عملية جراحية استنزف أثناءها الكثير من دمه. ولتحقيق هذا الهدف النبيل، تقوم بنوك الدم في السلطنة بالعديد من الحملات في مختلف أنحاء البلاد تهدف إلى توعية المجتمع بأهمية وضرورة التبرع بالدم. وعلى الرغم من أن معظم هذه الحملات تلقى إقبالا ملحوظا وتجاوبا لا بأس به من المواطنين والمقيمين، ولكن يبدو أنها لا تحقق الهدف المنشود، إذ لا تزال هذه البنوك تعاني من نقص في مخزونها من كميات الدم، وبحاجة ماسة إلى المزيد من الدم لتلبية الإحتياجات المتزايدة لاسيما في الحالات الناتجة عن حوادث المركبات التي تتسبب في إصابة عدد كبير من الأشخاص.

ولاشك أن وزارة الصحة بالتعاون مع مستشفى جامعة السلطان قابوس وغيرها من المؤسسات الصحية التابعة لمختلف القطاعات في الدولة تبذل جهودا مشكورة من أجل ضمان توفير الكميات المطلوبة من الدم ووضع آليات سلسة للتبرع والفحص والتخزين والتوزيع من خلال إنشاء بنوك دم متعددة في جميع أنحاء السلطنة، حتى تسهل عملية إيصال الدم إلى المستشفيات في مختلف ولايات ومحافظات السلطنة. وقد خلصت دراسة نُشرت في العام 2010م في المجلة الأسيوية لعلوم نقل الدم، أن السلطنة كونت نظاما ممتازا يعد الأفضل في المنطقة من حيث نقل الدم الآمن بعد إجراء الفحوصات عليه والتأكد من خلوه من الأمراض المعدية، ومن ثم نقله إلى المريض، وكل ذلك عن طريق التبرع بالدم التطوعي من قبل المواطن أو المقيم. ولا يخفي أن بدايات عملية التبرع بالدم كانت تتم بمقابل مادي أو هدايا عينية لتشجيع المجتمع على التبرع بالدم.

قد يتساءل البعض، لماذا هذا التركيز المستمر على التبرع بالدم، ولماذا هذه الحملات الكثيرة والتطوعية من أجل حث الناس على التبرع بالدم، وما هي فوائد التبرع بالدم؟. وكذلك تساؤل عن أسباب محدودية الدم الموجود في بنوك الدم والنقص المستمر في الدم على الرغم من هذه الحملات؟. وفي هذه المقالة سوف أحاول الرد على بعض هذه الأسئلة، والحديث عن هذا الموضوع بإسهاب.

قبل الشروع في الحديث عن التبرع بالدم، لا بأس من أن نعرف ما هي مكونات الدم وسيكون ذلك مدخلا مهما لموضوع هذه المقالة. الدم عبارة عن سائل أصفر اللون يسمى البلازما (Plasma)، ويحتوي هذا السائل على بروتينات، هرمونات، أجسام مضادة، بالإضافة إلى كريات الدم الحمراء التي تحتوي على الأكسجين وكريات الدم البيضاء والصفائح الدموية. ومصدر كريات الدم الحمراء والبيضاء والصفائح الدموية هو نخاع العظم.

بعد أن تعرفنا على مكونات الدم، نأتي للسؤال الأهم، وهو لماذا نتبرع بالدم؟. وللإجابة على هذا السؤال، استعنت بموقع منظمة الصحة العالمية (WHO)، فوجدت فيه جوابا أرى أنه هو الأنسب والأكثر دقة. تقسم منظمة الصحة العالمية المحتاجين إلى الدم إلى عدة أقسام، أولا: ضحايا الحوادث سواء أكانت حوادث السيارات أو ضحايا الحروب والدمار والكوارث الطبيعية، بالإضافة إلى اللذين تجرى لهم عمليات جراحية يكون فيها نزيف الدم كثيرا، وكذلك النساء الحوامل اللواتي يواجهن مضاعفات خطيرة في حملهن، وتشترك هذه الشريحة من الحالات بوجود نزيف شديد للدم يستدعي تبرعا بالدم. ثانيا: مرضى الثلاسيميا وأنيميا الخلايا المنجلية وهم من أكثر المرضى المحتاجين إلى عمليات نقل الدم، بسبب حاجتهم المستمرة لها، بسبب الخلل الحاصل في جيناتهم الوراثية المسؤولة عن انتاج الهيموجلوبين. وكما هو معلوم فإنه لا يمكن تخزين الدم لفترات طويلة، فيلزم التبرع المستمر حتى تتم تغطية النقص الحاصل فيه.

ولا نغالي إذا قلنا أن كل قطرة دم قد تنقذ حياة إنسان، إلا أن المتبرع بالدم أيضا ينال ثواب كرمه في الدنيا قبل الآخرة. إن أول فائدة وأهم فائدة يجنيها المتبرع بالدم هو حصوله على فحص اكلينيكي مجاني، أي فحص الضغط ودقات القلب وغيرها، ثم يطمئن على أن نسبة الهيموجلوبين في دمه طبيعية من خلال فحص عينة من الدم المتبرع به، بالإضافة إلى فحص العينة للتأكد من خلوها من الأمراض المعدية. كما أن عملية التبرع بالدم تفيد في تنشيط الدورة الدموية حيث يقوم نخاع العظم بالعمل على إعادة ما فقده الإنسان بعد عملية التبرع بالدم. كما يتم إعادة التوازن إلى كمية الحديد الموجودة في الجسم بعد عملية التبرع، وهذا الأمر مفيد جدا لصحة الإنسان.
قد يتسائل البعض، متى يُعوض الدم المفقود؟، كما أسلفنا سابقا بأن الدم ينقسم إلى عدة أقسام، فالسائل البلازمي يتم تعويضه مباشرة خلال 12-72 ساعة، بينما يتم تعويض البروتينات الموجودة في الدم خلال 3-4 أيام، أما كريات الدم الحمراء فإنها تأخذ 120 يوما أي 4 شهور تقريبا لأجل تعويضها، ولذلك لا يُنصح بالتبرع بالدم إلا كل 4 شهور.

وفي السلطنة، تنظم الجهات المعنية سلسلة من الحملات التطوعية التي تقام بين فترة وأخرى من أجل نشر ثقافة التبرع بالدم. وما عنوان المقالة إلا شعارا لإحدى هذه الحملات التي قامت في هذا المجال والتي ساهمت بشكل أو بأخر بزيادة عدد المتبرعين بالدم ولو جزئيا. ووفق إحصائية نشرتها وزارة الصحة العمانية في كُتيب إحصائياتها السنوي لعام 2014م تفيد بأنه قد زاد عدد المتبرعين بالدم بين عامي 2012 و2014م، ولكن على الرغم من ذلك فإن العدد لا يزال قليلا إذا ما قورن بالوحدات التي يتم رفضها بسبب الأمراض المعدية أو بسبب نقص في الهيموجلوبين لدى المتبرع المفترض.

فالرقم ]57.750[ وهو عدد المتبرعين خلال الفترة المذكورة هو رقم متدني بالمقارنة بعدد سكان السلطنة والذي كان يقارب الـ 4 ملايين نسمة وفق إحصائية عام 2014م، والمأمول هو بذل المزيد من الجهد لزيادة عدد المتبرعين في كل عام، لنصل إلى النتيجة المرجوة والعدد الكافي من وحدات الدم القادرة على سد النقص الحاصل في مختلف محافظات السلطنة.

ومن أجل تحليل هذا الوضع، ومعرفة أسباب عزوف البعض عن تلبية هذا النداء الإنساني في السلطنة سواء المواطن أو المقيم، قمت بالبحث عن ما إذا ما كانت قد أجريت دراسات لتقييم الوضع، ولماذا لا يقوم الناس بالتبرع بالدم بشكل منتظم، إلا أنني وللأسف الشديد لم أجد إجابة شافية لتساؤلاتي. لكني وجدت دراسة أجريت في المملكة العربية السعودية، والتي من الممكن أن تقدم بعض الإجابات على هذا السؤال.

ذكرت هذه الدراسة السعودية والتي أجريت تحت عنوان "وعي مجتمع المناطق الوسطى من السعودية بالتبرع بالدم" والتي نُشرت في المجلة الدولية للطب الباطني في عام 2014م، حيث أجريت فيها مقابلات مع قرابة 470 شخصا من كلا الجنسين. وحسب الدراسة فإن حوالي 50% من هؤلاء قد سبق لهم التبرع بالدم، بينما أجاب الباقي بأنهم لم يتبرعوا، وذلك أما بسبب ضيق الوقت أو بسبب الخوف من مضاعفات التبرع بالدم. وأرجعت الدراسة التعذر بسبب ضيق الوقت والذي كان رد غالبية الذكور الذين شملتهم الدراسة، أرجعته إلى طبيعة المجتمع السعودي واستحواذ الوظيفة والعائلة على معظم وقت الرجل، مما لا يترك المجال للذهاب إلى مراكز التبرع. أما بالنسبة للإناث فقد ذكرت الدراسة سببين أساسيين لعزوفهن عن التبرع بالدم، الأول هو عدم قدرتهن على قيادة السيارات لمسافة طويلة وذلك بسبب القوانين المعمول بها في المملكة، والسبب الثاني هو خوفهن من إصابتهم بنقص في الدم.

وإذا إستحضرنا الأسباب المذكورة، وحاولنا إسقاطها على الحالة في السلطنة، نجد بأن معظمها ينطبق عليها أيضا، عدا عدم القدرة على قيادة السيارة بالنسبة إلى النساء. فالخوف من عملية التبرع بالدم نفسه أو الخوف من الآثار الجانبية للتبرع يبدو لي من خلال طبيعة عملي واحتكاكي بالمرضى وأهاليهم ومعارفهم أنه أحد الأسباب الرئيسية لعزوف الناس عن التبرع بالدم في عمان. كذلك فإن التعذر بضيق الوقت بالنسبة للرجال بالفعل يشكل عائقا أمام سلاسة حركة التبرع بالدم في السلطنة. ويمكن أن نضيف إلى تلكم الأسباب سببا آخر ألا وهو إنتشار أمراض الدم الوراثية ومرض ضغط الدم والسكري عند الكثير من المواطنين والمقيمين والتي لا تسمح لهم بالتبرع بالدم.

وأستخلصت الدراسة المذكورة أعلاه إلى وجوب العمل على إقامة ندوات تعريفية وحملات دعائية حول التبرع بالدم، لجذب أكبر عدد من المتبرعين بالدم وسد النقص الحاصل. وهذا الأمر الذي نشاهده في سلطنة عمان كثيرا، من خلال الحملات التوعوية التي تنظمها الجهات المعنية في مختلف محافظات وولايات السلطنة بهدف إجتذاب أكبر عدد من المتبرعين  ومن ثم الحصول على أكبر كمية ممكنة من الدم. كذلك فإن وحدات التبرع بالدم المتنقلة التي تزور المتبرع في مكان عمله لم تدع لعامل ضيق الوقت مبررا مقبولا لتلبية هذا النداء النبيل.

من هذا المنبر، أوجه دعوة عامة لجميع أبناء الوطن والمقيمين على أراضيه بضرورة التبرع بالدم بين فترة وأخرى، حتى نكون عونا للمرضى والمحتاجين لنقل الدم في كل وقت وآن. كما أتمنى من المختصين إجراء بعض الدراسات لاستكشاف المزيد من أسباب ضعف الإقبال على التبرع بالدم في السلطنة، حتى تقدم على أساس نتائجها الحلول والمقترحات المناسبة لضمان إستمرارية الحياة للمحتاجين لهذا السائل الثمين.