2012/11/16

دعوة للحوار بين المذاهب الإسلامية

دعوة للحوار بين المذاهب الإسلامية
          


قبل زمن ليس بالبعيد، اقترح الملك السعودي في قمة الدول الإسلامية إقامة مركز خاص يُعنى بالحوار بين المذاهب الإسلامية، ويكون الهدف منه حوارا سلسا شفافا بين علماء هذه المذاهب وعُقلائها للوصول إلى نتيجة توحد المسلمين تحت راية التوحيد، وكأخوة في هذا الدين الحنيف. في الحقيقة، راقَ هذا الاقتراح للعديد من العوام من الناس الذين تعبوا بل ربما استسلموا للحرب الشعواء القائمة بين فرق المسلمين والتي أنتجت العديد من المشاكل بين الأخوة من البلد الواحد، بل وصل الأمر في بعض هذه البلاد إلى التناحر والقتال بحجة رفع كلمة الإسلام عالية خفاقة، ولست أدري هل بهذا العمل ترتفع كلمة الإسلام أم تُسحق بيد الطائفية والإرهاب الأمر الذي أعطى للإسلام سُمعة سيئة لدى العالم الغربي.

عندما نتحدث عن الحوار بين المذاهب الإسلامية بشكل عام أو بالخصوص بين السنة والشيعة في الفترة الراهنة، فإننا يجب أن نستعبد بعض الفئات التي أضحت ترمي بقية المسلمين بأبشع التهم، وتكفرهم على كل صغيرة وكبيرة، وربما دعت بعض هذه الفئات إلى قتل بعض المسلمين بناءً على مذاهبهم التي يعتنقونها أو أفكار يتمسكون بها. وفي هذا يقول النبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم:"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"، وهؤلاء ليس منهم من سلم المسلمين من السنتهم وأيديهم. ووجود هذه الفئة يزيد الطين بلة ويُسَعِّر النار بما يقولون ويفعلون.

إن لمثل هذه الأفكار والأطروحات – أي مسألة التقارب بين المذاهب الإسلامية -  إيجابياتٍ كثيرة وأهمها هو حماية دم الإنسان المسلم من نيران الطائفية البغيضة وجهل الجهلاء الذين وصلت بهم الحال إلى بيع دمائهم مقابل أحلام زواجهم من "الحور العين"، ولكن هذا البيع والشراء إنما هي تجارة خاسرة وضياع للنفس والمال وتضييع للأهل والولد إضافة إلى مقتل الكثير من الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى اعتناق فكرة واعتقاد لا يحبه هذا القاتل أيا ً كان.

بالإضافة إلى ذلك، فإنه في حال تطبيق هذه الفكرة ووضعها حيز التنفيد من شأنه أن يُنقي التراث الإسلامي من الكثير من الإسرائيليات والمغالطات التي دخلت عليه خلال القرون الماضية والتي أدخلها بعض وُعَّاظ السلاطين ومن باعوا دينهم ودنياهم لأجل أموال زائلة أو حماية لنفسه وأهله من القتل والتنكيل والتعذيب. وقد جاءت الإساءة لنبي الرحمة محمد صلى الله عليه واله وسلم بسبب هذه الإسرائيليات والمغالطات التي انتشرت وللأسف الشديد في كتب المسلمين. وإني أطلب من علماء المسلمين ووجهاءهم ومن له صوت مسموع بينهم أن يبدأوا بتنظيف وتنقيح كتب المسلمين التاريخية والروائية وغيرها من هذه المغالطات والتي يستخدمها بعض من يريد الفتنة بين المسلمين لتشويه صورة النبي الأعظم صلى الله عليه واله وسلم.

كذلك، فإن من ثمار التقارب الفكري بين المذاهب الإسلامية هو تقدمها العلمي والتكنولوجي والثقافي كأمة واحدة في مقابل التطور السريع الذي يشهده العالم الغربي. إذ نجد أن بعض البلاد الإسلامية متقدمة عن بلاد أخرى في التكنولوجيا الحديثة بل وتسابق العالم الغربي في ذلك، ونجد بلادا أخرى متقدمة بقية البلاد الإسلامية في ثقافتها وعلومها النظرية. ولكن إن تقاربت هذه البلاد المختلفة في مذاهبها الدينية فكريا وعقائديا فإن علماءها والعقول المنيرة فيها يمكنها من أن تتقارب في التجارب العلمية فتُخرج لنا أجيالا من العلماء بدل أن تتجه طاقاتنا لخدمة الغرب.

وأما الجانب الإقتصادي فسوف ينال حيزا من الإهتمام المتبادل وخصوصا في ظل الظروف الإقتصادية الراهنة التي ما فتئت تعصف بالكثير من المجتمعات العالمية. في حين أنه لو تقاربت الدول الإسلامية وأصحبت تفكر كمجتمع واحد بعيدا عن الطائفية فإنه من الممكن جدا أن تستثمر مواردها الطبيعية - والمعلوم أن الدول الإسلامية تمتلك مواردا طبيعية هائلة قل نظيرها في أماكن أخرى من هذا العالم – في النهوض بالأمة الإسلامية وتطوير البنية التحتية والخدمية لهذه المجتمعات.

أخيرا، إن المُطّلع على ما يجري في البلاد الإسلامية قاطبة، يرى بأن مسألة التقارب الفكري بين المذاهب الإسلامية أصبحت أمراً لا مفر منه ولا يُمكن الإستغناء عنها بتاتاً. ليس فقط لأجل إيقاف نزيف الدم في البلاد الإسلامية، ولكن لتوحيد كلمتهم وهدفهم لغاية أسمى ألا وهي نُصرة القضية الفلسطينية التي طالما أدعى العرب والمسلمون ولا زالوا يدعون بأنها الهدف الأكبر لهم منذ أن تم احتلالها. وليت شعري، كيف يمكنهم أن يُطهروا أرض أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين من دنس الإحتلال الصهيوني الغاصب وهم يتناحرون فيما بينهم، والأولى بهم ومنذ أمد بعيد أن تُجيش الجيوش لإعادة الحرية للشعب الفلسطيني وللأراضي الفلسطينية المحتلة، لا أن يقتل الرجل أخاه بحجة اختلاف مذهبه ومعتقده الديني.

وإنني من هذا المنبر أدعو جميع الدول الإسلامية إلى الإقتداء بتجربة سلطنة عمان في الوحدة الإسلامية والسير على نفس الخُطى التي سارت عليها السلطنة في سبيل توحيد البلاد تحت راية واحدة لخدمة الدين والوطن. كما أتمنى أن تُطبق فكرة العاهل السعودي وتدخل حيز التنفيد ويبدأ العمل بها قريبا جدا، لعلنا نشاهد توقفا سريعا لدماء المسلمين التي تسيل هنا وهناك بحجة الطائفية المقيتة وتطورا جذريا في هذه البلاد.


رضا بن عيسى اللواتي
سلطنة عمان
نشرت في جريدة القدس العربي بتاريخ 15/11/2012م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق